بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 نيسان 2022 12:01ص التوكّل لا التواكل

حجم الخط
قال الإمام العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لو أنَّكُمْ تَتَوكَّلُونَ علَى اللهِ حقَّ توكُّله لرزقَكم كما يرْزقُ الطَّيرَ، تغدوا خِماصاً وتَرُوحُ بِطاناً» رواه الإمام أحمد في المسند والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه في السنن، وابن حبّان في صحيحه ورواه الحاكم في المستدرك وصحّحه وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسَنٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «تغدوا خماصاً»: تذهب أوّل النّهار خالية بطونها من شدّة الجوع.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «تروح بطاناً»: تعود آخر النّهار ممتلئة بطونها لأنّها قد شبعت.

نصّ هذا الحديث قد نسيه الكثير من النّاس، وليست تلك المصيبة الكبرى، ولكن المصيبة الكبرى أنّ النّاس قد نسوا أعظم ما فيه، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم «حق توكّله».

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «حق توكّله»: أيّ لو أتممتم توكّلكم على الله، أي اعتمدتم عليه بصدق وأخذتم بكل ما تيسّر لكم من الأسباب، أي قمتم بكل ما أوتيتم من قوة وبذلتم كلّ جهدكم فلم توفروا شيئا وتتركوا طريقاً للوصول إلى ما فيه خير لكم وللمجتمع ثم سألتم الله التوفيق لعلمكم أنه وحده المانع والمعطي، لرزقكم الله ويسّر لكم الأسباب وأصلح لكم حالكم. 

أمّا التواكل: فهو تفويض الأمر للّه تعالى دون الأخذ بالأسباب من عمل واجتهاد، فيجلس الإنسان وينتظر الأحداث تجري من حوله مكتفياً بالدعاء، وهذا مذموم بالدين الإسلامي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّوْنَ وَلَا يَتَزَوَّدُوْنَ، وَيَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ - أي إطعامهم - فذكر الإمام البيهقي في كتابه شعب الإيمان، أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سألهم: ما أنتم؟ قالوا: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمُ المُتَّكِلُوْنَ، اَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالمُتَوَكِّلِيْنَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ».

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بإبلٍ جرباء، فقال: ماذا تصنعون بها؟ قالوا: ها هنا امرأةٌ صالحة نأمرها فتدعو الله عزّ وجلّ بالشفاء لها، فقال: هلا جعلتم مع الدعاء شيئاً من القطران!

قَالَ الإِمَامُ سَعِيْدُ بن جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإِيْمَانِ»، وَقَالَ الإِمَامُ التُّسْتَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «الطَّعْنُ فِي الحَرَكَةِ (يَعْنِيْ السَّعْيَ) طَعْنٌ فِي السُّنَّةِ، وَالطَّعْنُ فِي التَّوَكُّلِ طَعْنٌ فِي الإِيْمَانِ؛ فَالتَّوَكُّلُ إِيْمَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، وَالحَرَكَةُ سُنَّتُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَه». وقد سُئل الإمام أحمد عمن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله، فقال: ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله، ولكن يعوّدون على أنفسهم بالكسب، وقال الفضيل بن عياض: لم يفعل هذا - يعني التواكل - الأنبياء ولا غيرهم - من الصالحين -، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله عزّ وجلّ، وقال الله عزّ وجلّ: {وابتغوا من فضل الله}.

فالتوكّل على الله يستوجب التفكير والعمل بما يرضي الله..

والتوكّل على الله يستوجب إنتقاد الذات بصدق مع الله..

والتوكّل على الله يستوجب نهي النفس عن الهوى..

والتوكّل على الله يستوجب معرفتنا أننا قد نكون على خطأ وأننا مستعدين لإصلاح ذات بيننا..

والتوكّل على الله يستوجب أن يعمل الطبيب ما في وسعه من علم وعمل ويترك على الله الشفاء..

والتوكّل على الله يستوجب أن يعمل المهندس ما تعلّمه في بناء الجسور والأبنية ويترك على الله صمودها..

والتوكّل على الله يستوجب أن يقوم المدرّس بتعليم الأطفال بكل ما أوتي من عقل ويترك على الله ترسيخ الفهم..

والتوكّل على الله يستوجب من أن يحكم الحاكم ويعمل التاجر ويقضي القاضي، كلّ بما يرضي الله، ويتركون على الله التوفيق.

لا مخرج للأمّة العربيّة عموماّ والإسلاميّة خصوصاً من أزمتها إلا بترك التواكّل والعمل بالتوكّل، ولا يكون ذلك إلّا بالأخذ بالأسباب والعمل بجدّ واجتهاد وترك السلبيّة والتكاسل، ثمّ الدعاء والتضرع إلى الله بالتوفيق فهو المولى وهو النصير، لذلك قيل: إعمل بالأسباب وكأنها كلّ شيء وتوكلّ على الله وكأن الأسباب لا شيء.

فعلينا العمل بأن تسود المحبة في حياتنا ويسود التسامح بيننا وان يكون العمل في سبيل تعزيز السلم الأهلي هو الغاية الدائمة، وأن يكون التوجيه للعلم والإنتاج هو السبيل للنهوض الفردي والعائلي والوطني، والابتعاد والوقوف بوجه الفوضى والالتزام بالإيمان وبالمواطنة وبمكارم الأخلاق، وبذلك يكون التوكّل صحيحاً ويبعد الإنسان عن التواكل.



* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب 

- المنسق العام لشبكة الأمان للسلم الأهلي