بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2023 12:00ص الثمن النهائي

حجم الخط
لبنان يضع آماله كلها، على لاعبيه الكبار في الثمن النهائي: يريد إنتخاب رئيس للجمهورية كل خميس، كما يبدو من الدعوات المتكررة لرئيس المجلس النيابي - منذ ما قبل الشغور الرئاسي -  لإجتماع مجلس النواب في البرلمان، وإنتخاب رئيس للجمهورية، وفق الميثاق و القانون والدستور.
وحتى اليوم، تتكرر الدعوات عينها، وتتكرر النتائج عينها، لا رئيس للجمهورية. وباتت الكتل النيابية الوازنة على مواقفها، أو لنقل إنها تكرر مواقفها، كل إجتماع، وكل خميس: ميشال معوض. والورقة البيضاء التي تفيض عليه، وليس هناك من إختراق في المواقف.
لا داعي لإحتساب الأصوات التي تنالها، بعض الأسماء الأخرى. إذ ليس لها ثمن، إلا إذا أحتسبت، إلى المرشح ميشال معوض أو أحتسبت إلى الفريق المقابل الذي يدلي بالورقة البيضاء. والأرجح أن المعركة الإنتخابية، تنتظر الثمن النهائي. ومن الأمثال القديمة: «خلّي العسل بجرارو، حتى تجي أسعارو».
دعونا إذن، ندخل في صلب المسألة، في صلب الموضوع: أي ثمن نهائي للرئاسة؟ أي ثمن نهائي للرئيس؟ أي ثمن للبنان بالقبول بالعرض النهائي؟
ليس الأمر معقدا كثيرا علينا، ولا هو أيضا شديد الإلتباس، بل المعركة تحت قبة البرلمان شديدة الوضوح:
1- تكتل نيابي يدعو إلى إستقلال لبنان، عن كل المحاور المتصارعة في الإقليم وفي العالم. وهذا التكتل هو الذي يدعم النائب ميشال معوض، الرجل المعروف، بأنه منذ ظهوره السياسي، كان ينادي على الإستقلال وعلى السيادة. وهو نفسه، لمن نسي، أو تناسى، أن النائب ميشال معوض  هو الذي أسس حزب الإستقلال. ولو أنه سرعان ما إنضوى، أو تحالف مع التيار الوطني الحر، الذي تشوبه شبهة الإنضواء تحت لواء محور المقاومة والممانعة. وكان قد نال جائزته فورا، وفاز في الإنتخابات. وظل لفترة لا بأس بها، يحتسب في تكتل التيار البرتقالي، حتى عاد عنه، إما لمراجعة نقدية، أو لثمن ناله، أو لإيحاء أوحي به إليه، حتى يظل في المعادلة اللبنانية سياديا، ينادي على الإستقلال.
2- تكتل الورقة البيضاء، الذي وراء أكمتها، الثنائي الوطني، بدل أن نقول «الثنائي الشيعي». بإعتبار ما إنضم إليه، من سنّة المقاومة  ومن دروز المقاومة، ومن مسيحيي المقاومة، ومن أرمن المقاومة، ومن علويي المقاومة، كما تبدى لنا أخيرا، من إنضمام الوزير الأرمني، خارجا من عباءة التيار البرتقالي، وملتحقا بالحكومة، المدعومة أصلا، من تيار الثنائي الوطني/ الثنائي الشيعي. وكذلك من إلتحاق النائب المستجد عن الطائفة العلوية بطرابلس، بالورقة البيضاء، وأكمتها الثنائية المذكورة.
الصراع على لبنان إذن شديد الوضوح بين هذين الإتجاهين:
السيادي الإستقلالي: وخلفه العالم الليبرالي الحر، الذي يشتغل شغله في الخفاء وفي العلن، داخل الإقليم وخارجه، وصولا إلى أميركا وأوروبا.
والوطني الممانع المقاوم، الذي تسانده قوى محور الممانعة والمقاومة، والذي يمرّ بالعواصم: دمشق وطهران و موسكو.. وصولا إلى صنعاء والجزائر. لِمَ لا.
ومن خلال تتبّع وتتابع سير المعركة الإنتخابية، يعظم لدينا السؤال: ما الثمن النهائي لهذه المعركة الإنتخابية؟.. نقصد الثمن الذي ينتظر أن يدفعه لبنان واللبنانيون لللاعبين الكبار، حتى يأذنوا لهم بإنتخاب رئيس؟.. أو في صيغة أخرى للسؤال: ما هو الثمن الذي يدفعه اللاعبون الكبار في لبنان، حتى يؤذن لهم بإنتخاب رئيس لشعبهم.. للبنان..؟
لا يتوقف الأفرقاء الوازنون، عن دورهم في شد الحبال، لهذه الجهة أو تلك، لجهة السيادة والإستقلال، أو لجهة الممانعة والمقاومة. والمعركة، كما تبدو لنا حتى الساعة على أشدّها. ولا يبدو في الأفق اللبناني، أو بين سلسلتي جبال لبنان، الشرقية والغربية، أو فوقها،  أية علامات منذرة بالمطر. فالصحو، بل التصحر غالب على المناخ العام. والمعادلة القائمة بين القوى الإقليمية والعالمية المؤازرة للطرفين، لا تزال مستحكمة في الساحة اللبنانية. ولا يبدو أنها ستضعف أو ستتوانى أو ستتراخى، مهما طالت فترة الشغور الرئاسي. لأن أي فريق من الفريقين، إنما هو محتشد بنفسه، و في صلب المعركة، ولا تبدو عليه علامات التراجع خطوة واحدة إلى الوراء، إلا من أجل تسديد الضربة القاضية.
ولأننا لا يبلغ بنا الظن بالسياديين والاستقلاليين، أنهم سوف يقبلون في المدى المنظور، بإنكسارهم، أو بإسقاط مشروعهم، فإننا وفي المقابل، لا يبلغ بنا التفاؤل، بأن محور الممانعة والمقاومة، إنما ستبرك جماله. وأنها ستنوء، ربما،  بأحمالها. أو أن هذا المحور، ربما سيتراجع ولو قيد أنملة عن مشروعه الوطني المقاوم، الذي يوفر له كل أسباب الصمود والتصدي، لأجل الإحتفاظ بلبنان ساحة جهاد خلفية، لا ساحة مستقلة سيادية، كما ينعش النائب ميشال معوض الذاكرة بها، في جميع خطبه. وخصوصا أن الأقل من ذلك، أي صيغة «النأي بالنفس»، قد أصبحت من الماضي، في ظل غياب أي مشروع عربي يدفع به. ويدفع ثمن السيادة والإستقلال، أو حتى «النأي بالنفس»..
يمرُّ فوق لبنان، منخفض جوي، شبيه جدا بما وصفه توينبي، بالمنخفض الجوي الذي ضربه في العام 1957. و الذي أصاب منه ثورة 1958. فهل نحن أمام تاريخ يتكرر، وأمام صيغة تتكرر، وأمام ثمن يتكرر، حيث إنتهت الثورة إلى صيغة لا غالب ولا مغلوب، وتوّجت بإنتخاب قائد الجيش آنذاك، الجنرال فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نسأل عن الثمن الذي يتوجب على لبنان، أن يدفعه، ومعه اللبنانيون، للاعبين الكبار، وما إذا ما كان سيشكّل دفعة على الحساب، كما جرى الأمر في عهد اللواء شهاب، أم هو ثمن نهائي؟

* أستاذ في الجامعة اللبنانية