بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الثاني 2020 12:02م الثوار يرفضون «وزراء الظل»: سنُسقط حكومة دياب!

حجم الخط
لعل أكثر ما يشير الى عمق الأزمة القائمة في البلاد يتمثل في انعدام الثقة بين المنتفضين والسلطة الحالية، وهو ما يفسر الرفضية التامة التي واجه بها الحراك الشعبي الحكومة الجديدة.

كان من شأن الفشل الذريع للسلطات المتعاقبة والإحتقار المؤسف لشعوبها أن لا يقابل المنتفضون تأليف الحكومة الجديدة باكتراث إيجابي، برغم أن تأليفها على واقعها الذي خرجت به لا يمكن تشبيهه بسلبيات التعاطي السلطوي الماضي مع مطالب الناس، وهو ما قد يوجب إعطاء الحكومة فرصة، ولو محدودة، للفعل كما للإنجاز.

لكن المنتفضين لا يأبهون لـ«إنجازات ظاهرية» قدمتها الأحزاب لحكومة المحاصصة هذه التي جاءت تحت عنوان قذف السياسيين خارجا، فكان أن جاؤوا بأسلوب موارب. ويقارب القيادي في «هيئة تنسيق الثورة» العميد المتقاعد جورج نادر، بكثير من الأسف واقع الحال «الذي لم يأت بجديد». بالنسبة إليه، فإن رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب لم يقدم تشكيلة حكومية كما سبق أن وعد. وإذ يسأل «عن حكومة المستقلين؟»، يسخر من الحديث المتكرر عن «الإختصاصيين»، ويعلق: لعل المستقل الوحيد في هذه الحكومة هو ديميانوس قطار، ولكنه بعد أن وُعد بحقيبة الخارجية ثم الإقتصاد ومن ثم العمل.. إستقر على حقيبة البيئة! فأين تولي كل وزير لاختصاصه وماذا عن وزيرة الدفاع برغم احترامنا لها؟!

يؤكد نادر أنها ليست سوى حكومة محاصصة لحزبيين.. من دون بطاقات حزبية. لكن ألا يقدم جديد توزير الوجوه النسائية واستقدام وزراء نزيهين وأكفاء واستبعاد وجوه اعتبرت مُنفرة، إنجازا، ليس للطبقة السياسية فقط بل للثورة نفسها؟

يوافق نادر على إيجابية ما حصل، لكنه ليس حلا في نظره، فالأمور ستبقى في إطار السيطرة الحزبية السابقة مهما كانت الوجوه المستقدمة، وهو ما يؤكده أيضا المحامي علي عباس من «المرصد الشعبي لمكافحة الفساد» الذي ينسق مع مجموعات هامة في الثورة مثل «كلنا وطني» وغيرها. يضع عباس توزير الأكفاء والنساء في الحكومة في إطار «الإنجاز الشكلي الذي لن يمر على الشارع كما يعتقدون».

«هي حكومة التناتش على السلطة لاستكمال المشاريع والصفقات السابقة»، حسب عباس. «هم غير مستقلين، بل سينفذون سياسة من جلبهم وسيكونون خاضعين من دون شك لمن هم في السلطة حقيقة، هي باختصار حكومة ظاهرية لوزراء ظل».

بعبدا والمجلس والسرايا

كان من الواضح خلال الايام الماضية أن الحراك لم يكن ليقبل بحل كهذا، وكان على من هم في دائرة القرار أن لا يعبروا عن مفاجأتهم لموقفه هذا، فالأمر طبيعي. 

سرعان ما نزل الحراك الى الشارع اعتراضا على تشكيلة الحكومة، وبينما قيل أمس الأول أن التحركات الشعبية على الارض لم تكن بكثافة الايام الماضية، وخاصة خلال يومي السبت والاحد، إلا أن الصحيح أيضا أن في برنامج المنتفضين الكثير للأيام المقبلة.

هنا، ثمة اتفاق بين مجموعات الحراك على تفعيل الاحتجاجات وابتكار وسائل جديدة توجع السلطة وتصيبها في الصميم. المنتفضون يصرون على أن التنسيق قائم بين مختلف المجموعات على كيفية مواجهة الحكومة، برغم أن الثوار، ينقسمون، وهذا طبيعي، إلى ذوي المواقف الحادة تجاه السلطة، وهم الغالبية، وبعض الداعين الى مواجهة الحكومة لكن من دون تطرف، وهم أقلية.

لكن الاتجاه الأعم يبدو واضحا نحو رفض حكومة دياب، في ظل درس جدي لكيفية إسقاطها. وهذا الهدف (لعله غير واقعي، أقله حاليا) سيتمظهر عبر استعادة لمشاهد احتجاج ماضية على الارض ضد أهداف قد ينضم قصر بعبدا فيها الى السرايا وطبعا مجلس النواب، إضافة الى تنظيم مسيرات تجمع الساحات بين بعضها البعض. وسيتقاطع هذا المشهد في بيروت وضواحيها مع مشاهد مماثلة في المناطق، وخاصة في عاصمة الشمال طرابلس التي اعتبرت عروس الثورة.

وسيجمع عنوان «الحكومة الإنقاذية» جميع المجموعات، بغض النظر عن فوضويي الثورة الذين لا يزالون يرفعون شعارات حالمة من نوع إسقاط النظام برمته، أو إسقاط مجلس النواب عبر الشارع.

وانطلاقا من هدف تشكيل تلك الحكومة المنتظرة من قبل الثوار، ثمة معركة يعتبر كثيرون أنها حاصلة حتما، تتمثل في ابتداع القانون المنتظر للانتخابات الذي سيوحد اللبنانيين في إطار المدنية الحديثة، ما من شأنه إعادة تكوين السلطة. هذان هدفان لا تنازل عنهما كما يقول عباس.

تشويه الثورة

لكن أهداف الثوار شابتها أخيرا مظاهر عُنفية شوهت التحركات التي اتسمت طويلا بالسلمية، وجهد القائمون عليها في مقاومة أية سلبية قد تودي بها نحو ما يمكن للسطة أن تستغله لضرب الحراك.

وكان من سلبيات التحركات أن بعض القيمين عليها قد سمح بتلك الأعمال كما حدث في وسط بيروت وفي شارع الحمراء حيث استهدفت المنطقة بكثير من العدائية. هذا العنف المتصاعد يقابل أحيانا بوحشية من قبل قوى الأمن، ولا يبدو أن مجموعات الحراك قادرة على احتواء غضب الناس، ومن الطبيعي أن تشهد الايام المقبلة أعمال عنف جديدة من قبل العامة.

ومن الضروري الاشارة الى أن المجموعات التي أطلقت الحراك لم تعد هي المسيطرة فقط على المشهد وصانعته. وعلى الأرض، يحتفظ «حزب سبعة» و«هيئة تنسيق الثورة» بحضور، ويبرز «المرصد الشعبي لمكافحة الفساد» الذي يعمل مع حركة واسعة في إطار «كلنا وطني» وإلى جانبهما «مبادرة وعي»، وبدرجة أقل «بيروت مدينتي» وآخرين ممن لا ينشطون في ساحات العاصمة لكنهم يتواجدون في الساحات وأبرزهم «الحزب الشيوعي» الذي يركز على ساحات منطقة الجنوب. 

ومن الملاحظ أن التحركات ذات الاهمية في وجه رموز ومؤسسات السلطة تتم عبر مجموعات صغرى غير منظمة، أكثرها شبابي وطلابي، تتحرك عبر الـ«واتساب» ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي لا تكترث بما تتفق عليه المجموعات المؤسسة للحراك، فتدعو سريعا الى نشاطات وأحيانا من دون تنسيق بين بعضها البعض.

ويؤكد قياديون في الانتفاضة أن كل المجموعات المؤسسة للثورة لا تشكل في أحسن الاحوال أكثر من عشرين في المئة من المنتفضين في الشارع. وهو الحال الذي يتصاعد مع الوقت، وقد لا يكون غريبا في المستقبل احتلال الساحات من قبل شباب المناطق الفقيرة والمحرومة مثل عكار وطرابلس والبقاع الذين نزلوا سابقا الى وسط بيروت لينفثوا، في غالبيتهم، عن وجعهم، وليس لافتعال معركة مذهبية. والدليل على ذلك كان في أنهم توجهوا دوما نحو المجلس النيابي من بوابته الغربية الجنوبية، ولم يلجأوا الى استفزاز البيئة القاطنة شمالي ساحة الشهداء التي تُعرف بـ«شباب الخندق» والمنتمية بغالبيتها الى ثنائي «حركة أمل» و«حزب الله» أو تدور في فلكهم. 

تسلق أحزاب المعارضة

في موازاة واجب الثورة في مجابهة العنف المتصاعد فيها، عليها التصدي لتحرك احتجاجي ضد السلطة يتخذ طابعا مذهبيا، وهو ما يرفضه الثوار أصلا في ما يعبر عن الموقف العام للانتفاضة التي انطلقت بعيدة عن الحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية، لا بل لمواجهة الانقسامات التي عمقت من أزمة اللبنانيين.

ويتوقع البعض في الحراك أن تغتنم الاحزاب السياسية غير المنخرطة في الحكومة والمعارضة لمن شكلها، غضب المنتفضين للتحرك ضد «حكومة اللون الواحد». 

والواقع أن المنتفضين لا يرفضون انضمام «الخارج» الى ثورتهم، لكن على أساس أهداف الثورة وبعيدا عن أجندات حزبية وسلطوية يمقتونها، كما هو حاصل في تحركات المناصرين لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، والتي شكل مداها الجغرافي دليلا كافيا على هويتها.

ولدى سؤال المنتفضين عن آلية تحركاتهم المقبلة، لا يبدو الأمر محسوما باستثناء استمرار الاحتجاجات في الشارع وضد مجلس النواب. وستعكس تلك التحركات واقع التطور اليومي للأمور، وطبعا سيشكل سوء أداء السلطة الرافد الأهم للثوار وهدفهم المقبل: إسقاط حكومة دياب.