إن دلت جلسات الانتخابات الرئاسية الفاشلة على شيء، إنما تدل على أن هذا السيناريو سيستمر على هذا المنوال في الجلسات المقبلة، إن لم يحصل حوار بين المكونات النيابية، للاتفاق على اسم يشكل نقطة تلاق بين الأطراف الداخلية لانتخابه رئيساً للجمهورية . ولكن من خلال المعطيات الراهنة فإن لا إمكانية للتوافق حتى الآن، طالما أن كل فريق مصر على التمسك بمرشحه . إذ أن "حزب الله" وإن لم يعلن صراحة عن مرشحه، إلا أنه لم يعد خافياً أنه يدعم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، ويعمل لإيصاله إلى قصر بعبدا، في حين أن المعارضة ما زالت على موقفها المعلن بتأييد رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض. وهذا ما يظهر من خلال صناديق الاقتراع في كل الجلسات الانتخابية السابقة . في حين أن قوى الثامن من آذار تعمد في كل جلسة للاقتراع بالورقة البيضاء، فلأنها تضغط من خلال هذا الأسلوب، من أجل دفع الفريق الآخر إلى التفاوض حول مرشح توافقي، لأنها تدرك أنها غير قادرة على إيصال مرشحها. ولو كانت متأكدة أنها لديها القدرة على ذلك، لما تأخرت في الإعلان عن مرشحها، سعياً لانتخابه رئيساً للجمهورية .
ولهذا لم يتغير شيء في مسار مسلسل الانتخابات الرئاسية المملة التي لم تفض إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد الجلسة السابعة، اليوم، وبانتظار الجلسة الثامنة، الخميس المقبل، حيث استمر "حزب الله" وحلفاؤه في الاقتراع بالورقة البيضاء، في مقابل تمسك المعارضة بالمرشح النائب معوض، إلى جانب تصويت عدد من النواب إلى مرشحين آخرين . وهذا المشهد "المسرحي" إذا صح التعبير سيفرض نفسه على الجلسات الانتخابية المقبلة، طالما لم يحصل توافق بين الكتل النيابية الموالية والمعارضة على اسم الرئيس العتيد . وبانتظار الحراك الخارجي وما يمكن أن ينتج عنه من أجل الإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي الذي ينذر بتداعيات خطيرة على البلد والناس . ولكن ليس هناك ما يؤشر إلى إمكانية إحداث خرق في الجدار، في وقت استبعدت أوساط دبلوماسية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان في عطلة الأعياد المقبلة، في ظل الشغور الرئاسي وعدم وجود حكومة أصيلة . والأهم من كل ذلك أن ماكرون، وبحسب ما تقوله الأوساط لموقع "اللواء" لا يريد أن يكرر مسلسل هخيباته في لبنان، بعد تجربتين مرتين، خلصتا إلى أن الطبقة السياسية في لبنان مسؤولة عما وصل إليه الوضع في البلد على مختلف الأصعدة .
وتشدد الأوساط على الحراك السعودي الفرنسي القائم، لم يرتق إلى مستوى مبادرة لحل المأزق الرئاسي، باستثناء ما يبذل من جهود لدعم الشعب اللبناني في سياق ما تقوم به الرياض وباريس على هذا الصعيد . ولهذا شدد الرئيس ماكرون على أن انتخاب رئيس للبنان أولوية، وهذا مسؤولية اللبنانيين بالدرجة الأولى . ما يعني أن الفرنسيين لن يتدخلوا في ملف الاستحقاق الرئاسي، لأنه موضوع يخص مجلس النواب اللبناني الذي عليه أن يحسم أمره، وينتخب رئيساً في أسرع وقت ممكن، سيما وأن الفرنسيين، وكما تقول الأوساط، نقلوا تحذيرات إلى بيروت من وجود مخاطر تتهدد لبنان على مختلف الأصعدة، في حال طال عمر الشغور الرئاسي . ولذلك فإن التحدي كبير أمام النواب اللبنانيين في انتخاب الرئيس العتيد، للتخفيف من معاناة اللبنانيين، وقطع الطريق على التداعيات المحتملة، لبقاء البلد دون رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة .
وتكشف مصادر نيابية، أن استمرار هذا السيناريو في الجلسات الانتخابية الرئاسية، سيرفع من وتيرة المشاورات بين القوى السياسية والمكونات النيابية، سعياً من أجل التوافق على رئيس مقبول من معظم الأطراف، باعتبار أن الموالاة والمعارضة تدركان أنهما غير قادرتين على الاستمرار بالمعركة الرئاسية حتى النهاية. وهذا ما قد يفتح الطريق أمام مفاوضات، قد تفضي إلى التوصل إلى الرئيس التوافقي، بدعم إقليمي ودولي، خاصة وأن الفرنسيين مقتنعون، بأن وضع لبنان لا يتحمل وصول رئيس تحد. وبالتالي فإنه لن ينتخب إلا رئيس توافقي، يأخذ على عاتقه وقف الانهيار، وإعادة الوضع في لبنان إلى طبيعته، وإن خطوة خطوة، توازياً مع خطة الإصلاحات التي ستلتزم بها الحكومة الجديدة وتعمل على إصلاحها .
وتشير المصادر، إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يقف مكتوف الأيدي إذا تواصل الانهيار، وسيدفع باتجاه الضغط على الكتل السياسية والنيابية، من أجل تقديم مسألة التوافق في الانتخابات الرئاسية على أي أمر آخر، لأن مصلحة البلد تتقدم أي اعتبار آخر، بهدف الإسراع في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية .