بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 آذار 2020 08:15ص الحراك الشعبي بعد إزالة خيَم الوسط : الانتفاضة ستعود أجمل

حجم الخط
تحت جنح ظلام «كورونا»، باغتت السلطة ما تبقى من خيم المعتصمين في وسط بيروت التي كانت شبه خالية أصلاً، لتنقض عليها وتزيلها، في الوقت الذي كثرت فيها الأسئلة عن مصير الإنتفاضة في زمن الوباء الخطير وما بعده.

أحزاب السلطة تنعى «الثورة»

وقد طُرحت تلك الأسئلة التي حملت انتقادات من قبل أحزاب في السلطة الى مجموعات الحراك الشعبي، في ظل ظاهرة أعادت التدليل على طبيعة المجتمع اللبناني وتعويله على الأحزاب التي أثبتت أنها لا تزال راسخة عند اللبنانيين وجعلت تتولى أدواراً هامة في مؤازرة الدولة في حربها على «كورونا» عبر مساعدة «ضحاياها» واستثمار بعضها ذلك إعلامياً. 

ويُعيد كثيرون في الانتفاضة «حراك» الأحزاب الى محاولة هيمنتها من جديد على اللبنانيين ليصبحوا مرتهنين لها ولاستثمار «كورونا» لصالحها. بينما وجهت تلك الأحزاب سهامها الى مجموعات الحراك المدني التي اعتبرتها سلبية على صعيد المساهمة في عملية المساعدات «بعد أن أعلت الصوت طويلا مزايدة على السلطة وأحزابها في تقصيرها تجاه شعبها».

ويذهب أخصام الحراك الى نعيه مع زمن «كورونا»، علماً أن الحراك لم يشأ في البدء تجميد تحركاته، لكنه اضطر الى ذلك مع استفحال الفيروس وعدم قدرته على تنظيم التجمعات والاعتراضات الشعبية على السلطة خشية على صحة الناس.

والواقع أن برنامج المجموعات والأحزاب في الحراك لم يعد هو نفسه مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب التي أتت بوجوه جديدة ومحترمة، وذلك لأسباب عديدة منها توفير الفرصة للحكومة للعمل، فغاب التجمهر الشعبي الكبير وتم التركيز على تجمعات صغرى في وجه المؤسسات التي ترمز الى فساد السلطة.

وبرغم وعود الإصلاح التي قدمتها الحكومة، بقي المنتفضون متوجسين منها، في الوقت الذي بدأت فيه مهلة السماح لها بالنفاذ.. حتى جاء وباء «كورونا» الذي يبدو أنه شكل فرصة للحكومة لالتقاط الأنفاس.

وبالنسبة الى مجموعات الحراك، فهي تبدو في مأزق. وبينما باتت مشلولة كون صحة الناس هي الأولوية اليوم، فإن حدّة الوباء حتى ولو تراجعت في المستقبل القريب أو على المدى المتوسط، فإن التجمعات ستؤدي من جديد إلى ازدهار «الفيروس».

هجوم استباقي

في ظل ذلك، يضع الحراك لجوء السلطة الى إزالة خيم الانتفاضة في وسط بيروت بالقوة، في هذا الإطار.

قبل أيام، واستباقاً لـ«حظر التجول» بقليل والذي كان مقرراً في السابعة مساء، قامت قوات مكافحة الشغب بالإغارة على خيم المعتصمين وشرعت، حسب المحامي علي عباس من «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد»،  بضرب المعتصمين الذين لم يكن في استطاعتهم المغادرة علما أن منازل كثير منهم هي خارج العاصمة بيروت «فكيف سيتمكنون من المغادرة في هذا الوقت القصير؟!». ويزيد: هم لم يسمحوا للثوار بأخذ جميع أغراضهم وجميع موجودات الخيم، كما لم يسمحوا لمن وضع الخيم فكّها وتوضيبها بل تعمدوا تكسيرها ونقلها بشاحناتهم.

يشير عباس الى أن هذا الأمر جاء تحت ذريعة تعقيم المكان تارة أو إدعاء أعمال السرقات تارة أخرى أو حتى مقولة التعدي على أحد السفراء الذي كان مارّاً في المكان «علماً أننا قد اتخذنا كامل الاحتياطات ووضعنا خطة صحية، ولم يكن يتواجد في كل المكان أكثر من نحو 30 معتصما في خيم لا يقيم فيها أكثر من معتصم أو إثنين في شكل تناوب».

تتهم مجموعات الحراك السلطة بمحاولة استغلال الظروف الصعبة الحالية لحسابات سياسية، وذلك لعلم قوى السلطة بأن المقبل من المراحل سيكون أصعب مما سبق كون تداعيات الوباء ستكون عميقة جدا على الاقتصاد كما هي على اقتصادات العالم، حتى أنه قد لا يكون في مقدور الحكومة الحصول على المساعدات التي كانت مخصصة للبنان أو تلك التي كان يمكنه الحصول عليها. وستكون لذلك تداعيات كارثية ستحفز الناس على معارضة السلطة أكثر من الماضي خاصة إذا لجأت السلطة، كما سابقاتها، الى استهداف ذوي الدخل المحدود وحتى متوسطي الحال وتدفيعهم ثمن تراكمات أخطاء وتجاوزات الماضي التي تورط بها أهل السلطة.

واستباقاً لثورة شعبية كبرى، والمطالبات بمحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، جاء الهجوم الإستباقي للسلطة على خيم المعتصمين في زمن «كورونا»، ظنّا من القائمين عليه أنه سيطفئ جذوة الثورة المقبلة في الشارع.

ويشير عباس الى ان هذا الهجوم لم يفعل فقط في مضاره المعنوية، بل إنه قد هدد صحة الناس نتيجة الإشكال والتجمع الذي حصل بين القوى الأمنية والمعتصمين، كما بسبب انتقال بين 20 و30 معتصما من وسط بيروت وتجمعهم في مكان واحد في منطقة مار مخايل.

نعمل بعيداً عن الأضواء

في كل الأحوال، لا تزال مجموعات الحراك على تواصلها عبر وسائل مشتركة في سبيل رفع الصوت عالياً منعاً لإعلان وفاة الإنتفاضة، ويؤكد عباس الذي ينسق بين تلك المجموعات أن «الثورة باقية وهي لن تنتهي بإجراءات قمعية كما التي حصلت».

وفي مواجهة اتهامات بعض أهل السلطة، يشدد الحراك على عمله الإنساني والتطوعي بعيدا عن الأضواء، ويشير عباس الى «الوحدات الغذائية بالمئات التي وزعها هؤلاء الى المحتاجين ومنها مثلا الى السائقين العموميين كونهم من المياومين، إضافة الى الإعاشات ودعم الناس في القرى النائية عبر شراء منتوجاتهم وبيعها بسعر الجملة وذلك عبر تبرعات رمزية نتلقاها».

على أن الأولوية اليوم بالنسبة الى هذه المجموعات هي الآن مواجهة «كورونا» وسلامة الثوار والمواطنين، ولكنها استراحة ظرفية في المعركة ستستأنف حتماً في ظل عدم إتعاظ السلطة مما حصل.

وكما عند كل فترة مفصلية بالنسبة الى الحراك الشعبي، تبدو السلطة أول وأهم من يمرر الكرة له لكي يعزز خطابه. ففي ظل الأزمة المالية والنقدية التي يعاني منها لبنان بسبب السياسات المالية والنقدية الخاطئة والفاسدة، وجشع المصارف ولا قانونية إجراءاتها وظلمها تجاه صغار المودعين، وقيام سياسيين ونافذين بتهريب أموالهم الى الخارج، وتطبيق كابيتال كونترول غير قانوني، لا تبدو الانتفاضة في حاجة الى ذرائع جديدة لاستئناف ثورتها.

وما يزيد الطين بلّة أن كل ذلك يتزامن مع محاصصة سلطوية في استحقاق التعيينات تهريبا لها في مرحلة التعبئة العامة التي تعيشها البلاد في ظل هروب الى الأمام من قبل السلطة النقدية التي لم تكاشف الشعب اللبناني بحقيقة الوضع المالي ولم تضع خطة موثوقة لضمان حقوق المودعين. ويتوقف عباس عند مفارقة ذات دلالات: فقبل أسابيع قليلة طالبت الحكومة على لسان وزيرة العدل (ماري كلود نجم) بعدم اعتماد التوزيع الطائفي في التعيينات القضائية لأنها، حسب قولها، مخالفة للدستور. لكن الموضوع يبدو مختلفاً بغرابة عند استحقاق التعيينات المصرفية التي تسير وفق توزيع طائفي ومذهبي.

لذا، يبدو أن السلطة لم تتعظ من مساوئ الماضي، ومهما طال أمد وباء «كورونا»، فإن الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي ستتعمق مع الايام، ستُعيد رسم مشهد الساحات من جديد.. ولسان حالهم أن الانتفاضة ستعود أجمل مما كانت.