بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 شباط 2020 08:16ص الحراك الشعبي يواجه السلطة بـ «واقعية»: أعدنا شدّ العصَب

الحراك الشعبي .. نحن هنا الحراك الشعبي .. نحن هنا
حجم الخط
كانت مجموعات المنتفضين على علم بقدرة السلطة السياسية على فرض جلسة الثقة النيابية بحكومة الرئيس حسان دياب، لكن إبقاء جذوة «الثورة» كان من الأهمية بمكان لتمرير رسائل الإنتفاضة في أكثر من إتجاه.

ولعل وعي مجموعات الحراك الشعبي لهذا الأمر قد مهد لما حصل أمس الأول في وسط بيروت في أقل قدر ممكن من المواجهات العنفية التي لم يكن بالمقدور تجنبها بالكامل. وفي تحركهم في وجه نواب المجلس النيابي، لم يعلن المنتفضون جهارا عدم قدرتهم على إعاقة حركة النواب وتوفير ثقة لحكومة عرجاء، بل أنهم حاولوا جهدهم لمنع عقد الجلسة، لا بل أن البعض شرع في تعداد النواب الذين كانوا يصلون منذ الصباح تباعا الى المجلس، لعل النصاب يبقى صعبا عليهم.

وإذا ما توقفنا عند مطالب المنتفضين التي دفعتهم الى النزول لمنع عقد الجلسة، يبرز مطلبان بالغي الأهمية يشكلان مدخلا للحل وتنضوي تحت إطارهما المطالب والقضايا الأخرى. وعلى رأس المطالب إسقاط حكومة السياسيين عبر منع إعطائها الثقة من قبل مجلس النواب المفترض أنه من الشعب وللشعب للتمهيد لمطلب الانتخابات النيابية المبكرة «على أساس قانون عادل غير طائفي». وقد هتف المحتجون أمس الأول طويلا بعد أن حاولوا محاصرة مداخل المجلس النيابي التسعة الكبرى وغيرها، لحجب الثقة عن حكومة غير مستقلة تأتي من داخل المنظومة الطائفية التي سببت أزمات باتت غير قادرة على معالجتها، لينبري المجلس النواب لتعويمها في جلسة خاطفة بحراسة القوى الأمنية.

لكن مجموعات الحراك على الأرض لا تقف عند قدرة سلطة عريقة بقوتها وجبروتها في عقد جلسة لنواب يفترض أنهم منتخبون من قبل شعبهم، فهي قادرة على ذلك، لكن المهم في الامر بالنسبة الى المنتفضين أنهم تمكنوا من إنزال الشارع لمواجهة الحكومة وإعادة شد العصب.

السلطة أثبتت لا شرعيتها

وانطلاقا مما حصل ومن مجرياته، يعتبر هؤلاء أن السلطة قد أثبتت لا شرعيتها وذعرها، وخاصة عبر دخول النواب عنوة عبر «الميليشيات والمرتزقة وبوسائل يجب أن يخجلوا بها».

لا بل أن المجموعات تنطلق مما حدث في بداية الجلسة لتخلع القانونية عنها بعد اتهامات كثيرة بعدم إكتمال النصاب القانوني قبل عقدها، ما يزيد من غضب «الثوار» «كون ما حدث يخالف أصلا النظام الداخلي للمجلس ناهيك عن لا شرعية النواب» بعد كل ما حصل في البلاد منذ تاريخ 17 تشرين الأول. هي بذلك جلسة باطلة والثقة التي ستتخذها الحكومة غير دستورية وحصلت عليها عبر الرصاص والبلطجة وجدران الباطون المسلح». ويدعو بعض من في الحراك النواب الى الطعن بدستورية الجلسة «التي أثبتت توحد جميع من في السلطة في طبقة سياسية واحدة متآمرة على الشعب».

كما أن البيان الوزاري جاء ليزيد الطين بلة بالنسبة الى الحراك، ما ساهم أكثر في تعرية الحكومة عبر ثغراته الكبيرة «وقد برهن عن تناقضات وعن استمرارية لسياسات الحكومة السابقة، في ظل مخاوف جديّة على أموال اللبنانيين وقطاعهم العام الذي يُخطط لإفلاسه».

من هنا، لم يحمل البيان البرنامج الإنقاذي الذي من شأنه أن يجنب الناس تكلفة الازمة المالية، بينما تتنصل السلطة السياسية التحاصصية المسؤولية لتنهب من جديد. فلا إعادة لهيكلة الدين العام والقطاع المصرفي، ولا توقف للإستدانة كحل لمشكلة العجز، ولا استعادة لأرباح المصارف التجارية من الهندسات المالية.

«العنف يقابل بعنف»

ونتيجة الإحباط الكبير مما يحدث، كان العنف نتيجة طبيعية لمنتفضين كثر، وقد جاء معظمه ردا على عنف قابلت السلطة به الاحتجاجات كما بسبب نزول «زعران السلطة» الى الشارع لمواجهة مجموعات الحراك التي تتهم رجال الأمن بمحاولة قتل المحتجين واللجوء الى العنف حتى ضد رجال القانون بينهم، وهو ما حصل مع الناشط واصف الحركة على سبيل المثال لا الحصر، وذلك بهدف تمرير النواب وتأمين مسلكهم الى الجلسة.

على كل حال، ثمة نية لمجموعات الحراك للاستمرار في الشارع في وجه السلطة، لكن الخطوات سوف تتخذ بدراسة يوما بيوم، فالمعركة طويلة، وهناك في الحراك من يعلم تماما أن لا قدرة له على إسقاط الحكومة اليوم، لكن سيتم اللجوء الى وسائل جديدة في المواجهة المستمرة والطويلة معها.

إيجابيون ولكن..

والواقع أن الكرة لا زالت في ملعب السلطة، ويجب على الحكومة التصرف بسرعة في ظل تصاعد المطالب الشعبية نتيجة التراجع المستمر للحالة الاقتصادية والاجتماعية لدى اللبنانيين. ويشدد الحراك على أن في إمكان الحكومة استرجاع بعض الثقة في حال تراجعت عن الضرائب الجائرة مع إقرار مطالب مشروعة مثل النظام الضريبي العادل والتصاعدي والذي يعيد توزيع الثورة ويحرر أموال صغار المودعين وأصحاب حسابات توطين الأجور في المصارف، على أن تتشدد في وضع القيود على كبار المودعين لمنع تهريب الأموال، وقبل كل ذلك، تحصين القضاء من تدخلات السياسيين ما لا تبشر به الأيام المقبلة.

يدلل «الثوار» بذلك على إيجابيتهم وعدم رفضيتهم المطلقة، وبرغم أن البيان الوزاري قد لحظ بعض تلك القضايا، الا أن الثقة معدومة بين السلطة وشرائح الشارع الذي لن يوفرها لها إلا اذا التزمت حقا بمحاسبة الطبقة السياسية الطائفية الزبائنة التي نهبت كل الموارد واحتقرت شعبها، ويتوقف هؤلاء عند دلالة «خوف السلطة عبر «نيل الحكومة ثقة 63 نائبا من أصل 128، وإختصار كلمات النواب إلى 17 كلمة في يوم واحد بدلا من يومين».

أما عن طبيعة المرحلة المقبلة، فالمواجهة لا زالت في بدايتها في وجه سلطة تُبدل الوجوه فقط «ويبدو أنها تنحو أمنيا اليوم»، بينما لا يمكن لنظام الأزمة أن يتوصل الى حلها.

كل المؤشرات تدل على إمكانية تجدد المواجهة في كل لحظة، «ذلك أن أسباب الثورة لا زالت قائمة لا بل تتعاظم مع الأيام وسيكون لنا أنماطا جديدة في وجه السلطة».