بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الثاني 2020 08:13ص الحراك يتجاوز تطورات الإقليم: عودة الحريري ثورة مضادة

الحراك في الشارع : نحو زخم جديد الحراك في الشارع : نحو زخم جديد
حجم الخط
لعلّ الوقود الأهم لانتفاضة اللبنانيين سيبقى يتمثل في أخطاء السلطة السياسية التي لا يبدو أنها تترك مناسبة من دون توفير الفرصة للحراك الشعبي لاقتناص الأخطاء التي ترتكبها.

اليوم، يشكل التعثر الحكومي فرصة كبيرة للثوار لإعادة تزخيم حركتهم بعد مرحلة من المراوحة منذ تكليف الدكتور حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة، وهي مراوحة ذات علاقة بظروف الثورة والتي تزامنت مع تلك الإقليمية الدقيقة التي ليس المشهد اللبناني بمنأى عنها.

ويبدو أن بعض من في السلطة يحاول استغلال الموقف لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، وكأن ما بعد تاريخ 17 تشرين الأول الماضي هو نفسه ما قبلها!

إزاء هذا الأمر، وبعد فترة ترقب لمآل التشكيل الحكومي، خاصة وأن دياب لم يكن ذلك الوجه الإستفزازي للانتفاضة الشعبية، برغم رفضها المبدئي له، قررت شرائح واسعة من الحراك إعادة تفعيل نشاطها عبر وسائل متعددة يحاكي بعضها القديم ويبتكر ما هو جديد.

ملاحقة السياسيين

والواقع أن مشهد الانتفاضة الذي تراجع خلال فترة الأعياد في الوقت الذي حالت فيه الظروف المناخية دون تنظيم تحركات كبرى، لم يكن راكدا بالكامل خلال الايام الماضية، بل أنه تمخض عن بعض التحركات التي باتت تزعج السلطة، ومن بينها ملاحقة السياسيين في أماكن تواجدهم العلنية، وهو نشاط يكبر ككرة الثلج في الوقت الذي يحتار فيه السياسيون في كيفية مواجهة موقف محرج كهذا.

وتكمن قوة هذا التحرك الجديد كونه يأتي في إطار لامركزية قرر المنتفضون اتباعها مع السلطة. وهو، وإن خضع لجدل كبير حول أحقية هؤلاء في التعدي على الحياة الخاصة للسياسيين، إلا أنه سوف يقض مضاجعهم ويحاصرهم في تحركاتهم عبر نشاطات سريعة غير كثيفة العدد، تتخذ من تأييد الناس للثورة وإبلاغها عن تحركات السياسيين وقودا أساسيا لها. 

وستستمر التحركات الطالبية المنفصلة عن المجموعات الكبيرة نسبيا في الحراك، في العمل، في موازاة نزول على الأرض للمنتفضين الذين سيعودون الى ضربات سابقة آذت السلطة مثل قطع الطرقات الذي سيتم بدراسة وتأن من حيث المكان والزمان. ويردد البعض أن مشاهد سابقة في أماكن رئيسية مثل جل الديب والرينغ ستظهر في الواجهة من جديد، بينما ستمتلىء الساحات كما في السابق. على أن التركيز الأهم سيتم على التحرك تجاه مراكز المؤسسات والمرافق العامة والخاصة والمصارف من دون ترك منازل المسؤولين ومن بينها منزل دياب.. وصولا الى إعلان الإضرابات العامة التي توجع السلطة.

أحداث الإقليم لن تمنعنا

«الثورة بخير، وهي لا تزال في بدايتها». هذا هو لسان حال المنتفضين. والانتفاضة ستتخذ من عبثية أداء السلطة وتآمرها على الشعب مبعثا لزخمها في المناطق المختلفة، وذلك للخروج من حال المراوحة الحاصل والجهود لتعويم حكومة تصريف الأعمال والتي لن تفعل سوى في تصعيد الغضب الشعبي العارم على كل من في السلطة.

لا يعني الثوار ما يحكى عن ضغوط على الرئيس المكلف لحمله على الاعتذار. هم لا يقاربونها سوى من باب نفاق السلطة في إخراج اللبنانيين من أزمتهم كون الخطوة الاولى على هذا الصعيد ستبقى في تأليف الحكومة كخطوة أولى نحو حلول متدرجة للأزمات. على أن الأمر سيتخذ معنى آخر، أكثر استفزازا، في حال صحّ ما يحكى عن عودة محتملة لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، الى السرايا رئيس جديدا للحكومة، ما سيرى فيه المنتفضون ثورة مضادة عليهم.

ويدرك هؤلاء دقة المرحلة وخطورتها، لكنها ليس سببا كافيا للعدول عن مواجهة السلطة التي جاءت الأحداث الإقليمية ذريعة لها لتكريس منطقها التحاصصي صاحب «اللون الواحد» كما في السابق، في تأليف الحكومة. هم بالكاد قبلوا إعطاء دياب فرصة لتشكيل حكومته. وكانت الذريعة في السابق أن علينا الإسراع في التكليف لتسهيل التأليف، لكن المشهد تمخض عن تأليف مبتور بات معه التكليف نفسه مهددا!

يجب أن يتعظ السياسيون من تطورات الإقليم لتشكيل الحكومة في أسرع طريقة، حسب المنتفضين الذين يرون في حكومة مستقلين، وليس سياسيين بثوب تكنوقراط، مخرجا للأزمة، على أن يذهب بها دياب الى المجلس النيابي الذي عليه إعطاءه الثقة، على أن يكون الهدف الثاني الأكبر العمل جديّا لتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة عبر قانون عادل يعيد تشكيل السلطة.  

مراجعات نقدية

.. وإلى أن يحين هذا الاستحقاق الواجب على السلطة، يشرع الثوار في بعض المراجعات النقدية لأدائهم في المرحلة الماضية لنزع شوائب اعترته، علما أن الثورة، في مشهدها الجارف والواسع، ستجعل من السهل على المنخرطين فيها ارتكاب الأخطاء والوقوع في الثغرات، وقد كان جسم الثورة هشاً أمام الاختراقات سواء من قبل الأحزاب أو الأجهزة السلطوية.

من الآن، ستتخذ مسيرة الحراك منحى تصاعديا ولن يقتصر الأمر على ما يسمى بـ»أسبوع الغضب». إذ تبدو الثقة مفقودة بين من هم على الأرض والسلطة القائمة التي يرى كثيرون أنها لن تعمل ضد مصالحها، ويجب إجبارها على ذلك. 

والواقع أن التحركات يبدو أنها ستخرج عن سيطرة المجموعات التي أطلقت الحراك مثل حزب «سبعة» و»هيئة تنسيق الثورة» وتحالف «كلنا وطني» و»مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام» وغيرها، في إتجاه لامركزية تنطلق عبر دعوات الواتساب في شكل سريع في اتجاه أماكن الاستهداف.

من جهتها، وبعد أن شكل شبه الهدوء الماضي على صعيد الحراك فرصة ذهبية ضائعة للسياسيين لتكوين السلطة على أساس لحظ الزلزال الشعبي الذي حصل في البلاد، قد يعيد إخفاق السلطة الأمور الى مرحلة ما قبل دياب بكل أزماتها الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية والمالية وقد تكبر كرة الثلج.. نزولا نحو الإنهيار!