بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 نيسان 2022 08:52ص الحرب الأهلية اللبنانية.. عِبَر ونتائج..

حجم الخط
سبعة وأربعون (٤٧) عاما مرَّت على إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.. (١٣ نيسان ١٩٧٥-٢٠٢٢)، ومن عادة الأمم والأوطان والشعوب أنه عندما تقع عليهم حربا، خارجية كانت أو داخلية، يكون الدرس الأول لديهم أخذ العِبَر ودراسة الأسباب والمسببات التي أوقعت الحرب وما نتج عنها من ويلات ومن دمار وخراب فيتجنّبوها ويعملون نقيضها لعدم تكرارها والخروج منها بشكل نهائي، ولبنان الصامد بشعبه الصابر وقع عليه النوعين من الحروب معا، ومن المعلوم أن الحرب والصراعات الأهلية الداخلية هي الأخطر والأكثر بلاء ودمارا، وهذا ما حصل ويحصل في دول عربية عدة بين المنظومة الحاكمة وبين المواطنين فيها وهو ما سمّي بالربيع العربي، أو بين قوى الداخل من أحزاب وحركات وجماعات وهيئات تتعاطى العمل السياسي لأغراض سلطوية وللإمساك بالسلطة والوصول إليها أو لتحسين أوضاع طائفية ومذهبية وحزبية، وتزداد الخطورة عندما تكون القوى الداخلية المحلية المتصارعة أدوات أو مرتبطة بدول خارجية وتعمل وفقا لمصالحها ومخططاتها، ومثل هذه الصراعات والحروب العبثية يكون أمدها طويلا وتستمر سنوات تستنزف خلالها الأوطان ويفرض على الشعوب المسكينة مسلسل التهجير لبلدان ودول أخرى وما يرافق ذلك من قهر وإذلال ويصبح عودة السلام ووقف الاقتتال وعودة المهجّرين حالة تدويلية بعهدة هذه الدول من خلال ما تراه هي وما يحقق مصالحها وأطماعها، ويصبح الوطن في خبر كان والسيادة مفقودة والإرادات الوطنية ممسوكة ومجيّرة على قاعدة أن الولاء الوطني بات ضعيفا والولاءات للخارج هي الأقوى.

طال أمد هذه الحرب الأهلية، ١٦ عاما، راح ضحيتها ٢٠٠ ألف قتيل وجريح وتهجير طائفي وعنصري كبير وخطير من مناطق لبنانية كثيرة بدأت بأول تهجير لمسلمي منطقة المدور محلة الكرنتينا-المسلخ، وهدم وإزالة معظم عقاراتها ومنازل أهاليها البالغة ٢٥٠ عقارا فضلا عن مصانع ومؤسسات إنتاجية تجارية، تعطيل مسلخ بيروت المورد الوحيد للحوم بأنواعها لكل مناطق بيروت وضواحيها، تبعها ردّة فعل بمنطقة الدامور المسيحية وارتكابات أفعال مماثلة وامتدّت حالات الحرب هذه عموم لبنان.

وتوضيحا للصورة منذ بداية الحرب، أستعين بكلمة رئيس جمهورية لبنان إلياس سركيس بمؤتمر الرياض الذي عُقد يومي ١٧-١٨ ت١ العام ١٩٧٦، ومؤتمر آخر بالقاهرة بعد اسبوع واحد ومما قاله الرئيس سركيس بالمؤتمر الأول: (فالأوضاع في لبنان مأساوية ونتائج ما حدث فيه باهظة وباهظة جدا، ألوف القتلى والجرحى ومؤسسات منهارة، اقتصاد نازف، هجرة مستمرة وأخوة يتذابحون، مدننا وأسواقنا التي كانت مزدهرة أمست حقول دمار، فالخراب في كل مكان)، هنا أقول كلام الرئيس يحاكي ضمائر المسؤولين الحاليين الذين خرّبوا البلاد وهجّروا العباد ووضعوا الباقين في دائرة المجاعة والانهيار شبه الكامل، ماليا واقتصاديا وصحيا وتعليميا واجتماعيا، بين دول وشعوب العالم، وها هم اليوم بانتخاباتهم يصرّون على بقاء ذات الأشخاص، فهم برأي زعمائهم من جنس الملائكة، وذات المنهج بنحبك يا وطني لبنان.

وفي غمار هذه الحرب الأهلية التي وصفت بالحرب القذرة، وحروب الآخرين، وحرب التقسيم والفيدرالية والكانتونات الطائفية، وحروب المليشيات، تكالبت على لبنان سلسلة مشاريع دولية وتدويلية أقلّها التقسيم وأعلاها الكانتونات، ولم ينقذ لبنان الوطن والشعب سوى أخوانه العرب الحريصين على وحدته أرضا وشعبا ومؤسسات وأمنا وسلاما وازدهارا بوجه الطامعين وأصحاب مد النفوذ والسيطرة والوصاية.

وبعد الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني للبنان وعاصمته بيروت العام ١٩٨٢ تم إخراج منظمات المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ورسم للبنان اتفاق ١٧ أيار الإسرائيلي المذلّ الذي أسقطه أحرار لبنان الذين تمكنوا بواسطة مقاومة أحزابهم الوطنية والقومية من ردع العدو وتحرير بيروت، الى أن توسّعت المقاومة التي تجسّدت بحركة أمل وحزب الله الذي نشأ منذ العام ١٩٨٢وما حققته من هزائم بالجيش الإسرائيلي وتحرير الجنوب اللبناني بمعظمه.

لكن وبعد هذا السرد للأحدات والحروب والصراعات الدموية يبقى السؤال العجيب الغريب: في أي اتجاه سار ويسير لبنان منذ أن أوقفت الحرب الأهلية بمؤتمر الطائف الذي صنعه النواب اللبنانيون برعاية عربية ونتج عنه اتفاق الطائف وبنوده العادلة ولقي الدعم العربي والدولي وجاء تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي ليجعل من لبنان نموذجا قويا ومناضلا ومنارة للراغبين بتحرير أوطانهم؟!

من المؤسف بل من الغضب الشعبي الشامل بوجه المنظومة التي حكمت والحالية التي تشدقت بشعارات فارغة وأوصاف لا تملكها وإصلاح وتغيير وبناء وطن متعافٍ ونموذجي، أوصلت البلاد والعباد إلى الانهيار الشامل بكل قطاعاته ومؤسساته والتصرف بالوطن وكأنه عقار يملكونه ويوزعونه على أقربائهم وزبانيتهم وأنصارهم، وجعلوا من الشعب اللبناني جماعات طائفية ومذهبية وعنصرية متسلّحة بالحقد بدل المحبة وبالتقاتل بدل التصالح، لم يستفيدوا من عِبَر الحرب ومن أسبابها ومسبباتها، ما قدمته أيديكم أيها المسؤولون أخطر بكثير من الحروب التي عاشها اللبنانيون جميعا وهم اليوم يترحمون على تلك الحرب المذمومة والقذرة، فسبل الحياة فيها من مأكل ومشرب وملبس وطبابة وتعليم وسفر وكهرباء وحفظ الأموال في البنوك والقانون والقضاء كانت أرحم من هذا الزمن الموصوف بجهنم وبئس المصير، وبالسرقات والسمسرات والصفقات، وبات لبنان العلم والثقافة والإبداع والازدهار والحضارة دولة فاشلة ومنعزلة عن أخواتها الدول العربية والصديقة في العالم، وطيفتم الدولة والوزارات والإدارات والمدرسة والجامعة باتت أقرب إلى بؤر طائفية ومذهبية وعنصرية، وغاب العلم والثقافة وباتت الشهادات تعطى تزويرا وبات القضاء جهازا تابعا لا متبوعا، لا يجرأ على كشف جريمة والتحقيق مع سارق أو قاتل ولامع مصرف بدّد ودائع الناس. أليس السكوت بجريمة العصر تفجير مرفأ بيروت الدليل الساطع على ما يقوله المواطنون عن كل المنظومة الحاكمة، لذلك يستعيد اللبنانيون اليوم ذكرى الحرب اللبنانية الأهلية فيرونها أرحم منكم ومن عهودكم التي غلّفتموها بكلمات فضفاضة لا قيمة لها عند الشعوب الواعية مثل حقوق الطائفة والحكم للأقوى في طائفته والديمقراطية التوافقية وتصبح كل وزارة وكل موقع بالدولة موقوفة لطائفة..

وأخيرا أين حكماء لبنان؟ أين القادة الذين يحسنون بناء الأوطان وحفظ المواطنين؟..

لقد بات المواطن اللبناني واللبنانيون عامة غير مطمئنين على حاضرهم وغدهم وعلى مستقبل أبنائهم والوطن.