بيروت - لبنان

7 كانون الأول 2019 12:03ص الحريري امام خياريْن احلاهما مُرّ!

حجم الخط
ينتظر اللبنانيّون ما سيتمخّض عن الاستشارات النيابيّة المُلزمة التي دعا اليها رئيس الجمهوريّة بعد فشل محاولته استنضاج «طبخة حكوميّة» لا دستوريّة، وذلك لتسمية رئيس للحكومة القادمة، أو «تعيينه» بواقع الحال، يوم الاثنين الواقع فيه التاسع من كانون الأول. 

وإن كانت الأوساط السياسيّة تداولت عبر الإعلام أن بدعة «المشاورات» التي حصلت منذ الثلاثين من تشرين الأوّل لم تؤتِ ثمارها، الّا أن «الطبخة» الفاسدة وضعت الخطوط العريضة على شكل الحكومة وعدد مقاعدها وتوزيع حقائبها، وتمّ التوافق مبدئياً على الاساسيّات التي تبقى رهن البازارات واتفاقات الربع الساعة الأخير. ويتوقّع البعض ان يتم التفاوض على تسوية رئاسيّة جديدة يعود معها الرئيس المستقيل سعد الحريري الى السراي الحكومي مُقابل وصول الوزير السابق جبران باسيل الى قصر بعبدا.   

وحتّى هذه الساعة، يبدو أن «المرشّح» لرئاسة الحكومة الاوفر حظاً هو المهندس سمير الخطيب، والذي ما ان دخل اسمه في «البازار الحكومي» حتّى جاء جواب الشارع المُنتفض بالرفض في ظلّ استنكار شديد بداعي تجاهُل مطالبه، وسخط الشارع السُّني بعلة محاولة تطويق وتطويع المركز السُّنّي الأوّل في الدولة اللبنانيّة. 

أخطاء مُميتة 

خلال المرحلة الراهنة يؤخذ على الرئيس سعد الحريري وقوفه متفرّجاً حيال ما يقوم به رئيس الجمهورية والوزير السابق جبران باسيل من تمزيق لوثيقة الوفاق الوطني «الطائف» والدستور، وهما اللذيْن لا يتركان فرصة إلا ويؤكدان فيها على سعيهما لاستعادة صلاحيات رئيس الجمهوريّة القديمة وتطويق وتطويع مقام رئاسة الحكومة ليصبح شاغله «باش كاتب» لدى الأوّل.

كذلك يؤخذ عليه السماح بتهشيم الصلاحيات الدستورية لمقام رئاسة الحكومة عبر المشاركة في بدعة «المشاورات» التي جرت بصفته «مرشحاً» من خارج آلية التكليف الدستوريّة بموجب الاستشارات المُلزمة بين رئيس الجمهوريّة والكُتل النيابيّة، التي ينتج عنها تكليف رئيس للحكومة يقوم بمهمّة التأليف. 

وبعد اعلان عدم رغبته تولّي الحكومة، دخل في لعبة «ترشيح» شخصية بديلة، ايضاً من خارج الآلية الدستورية، وسمح بأن يُشرف الوزير السابق باسيل على تشكيل الحكومة ووضع المعايير والشروط، ممّا ينتقص من صلاحية الرئيس المكلّف لصالح رئيس الجمهورية وباقي الاطراف السياسية واعطائهم مكتسبات لا يعطيها لهم الدستور وتصبح اعرافاً فيما بعد. فهذا المقام ملكٌ للدستور والشعب – مصدر السلطات. 

وعند استقالته قيل انه أقدم على ذلك إرضاءً للشعب الرابط في الساحات وفي كل المناطق، ومطلبه استقالة الحكومة، واسقاط النظام الطائفي الفاسد، ولكنّه عاد ودخل في اللعبة السياسيّة عينها وأعلن ترشيحه للمهندس سمير الخطيب الذي سرعان ما خرجت احتجاجات رافضة لـ«صفقة» تكليف الخطيب، وإعادة إنتاج ما يشبه الحكومة السابقة. وبالتالي لم يحتكم الحريري الى الشعب الذي قال انّه استقال تلبية لمطالبه. 

يداه اوكتا وفوههُ نفَخ!

كان رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي ينتظرون من الحريري بيان دعم علنيا للخطيب يسبق تحديد موعد الاستشارات النيابية. لكن الحريري قرر عدم إعلان دعمه للخطيب قبل تحديد موعد الاستشارات، إثر بيان رؤساء الحكومة السابقين، كونه سيتعرض إلى انتقادات جمة لتجاوزه الطائف، فجاء ردّ بعبدا سريعاً بالدعوة الى الاستشارات، في حين ردْ الشارع بصرخة مدويّة رافضة لتسمية الخطيب، لأن ذلك تحايل على الدستور و«الطائف» باعتبار ان «الطبخة» كانت قد أنضجت قبل الدعوة الى الاستشارات.

بهذا أوقع الحريري نفسه بين المطرقة والسندان، فاذا مضى قدماً بخيار الخطيب والمشاركة في حكومته ومنحها الثّقة، يكون قد التزم بما رسماه عون وباسيل وهشّم اتفاق الطائف وموقع رئاسة الحكومة. ويتوقّع ان يؤدي هذا الخيار الى تأليب الشارع المنتفض والشارع السنّي ضدّه وخلخلة العلاقة مع رؤساء الحكومة السابقين، ما سيفتح الأمور على احتمالات كثيرة. وفي المُقابل قد يؤسس خيار الحريري هذا لعودته الى السراي بعد انقضاء فترة ترؤس الخطيب للحكومة المؤقتة، وكذلك تسهيل مشاركته في اعمار سوريا.

وإذا تراجع الحريري عن دعم الخطيب وتسميته، فسيُتّهم بعدم المصداقيّة وانه مُقيّد من «نادي» رؤساء الحكومة السابقين، في حين سيلجأ رئيس الجمهوريّة وحلفاؤه الى تكليف شخصية يرونها مناسبة، ممّا سيؤجج الخلافات بين الطوائف والمذاهب، ويؤدي الى انقسام الطائفة السنية بين مؤيّد ومعارض. وإذا فشلت مساعي التكليف ستستمرّ حكومة تصريف الاعمال في ظل تواتر طرح تفعيلها بهدف «تعويمها» ومساعٍ لضخ أموال في البلد.

باب الاحتمالات مفتوح، ولكن لا شكّ أن الحريري وضع نفسه امام خياريْن احلاهما مُرّ، وحبّذا لو لم يتجاهل الحريري النصائح الموجّهة له بعدم تسميّة أي شخصية أُخرى لكي لا يُرتّب عليه أي مسؤوليّة في حال فشلت هذه الشخصيّة لأي سبب كان، لما كان في هذه الورطة الكبرى.

وفي حال سار الحريري في تسمية الخطيب يكون قد ارتكب خطأً قاتلاً في السياسة، سيدفع ثمنه غالياً بين جمهوره وفي الشارع السُّنّي، الذي زاده أداؤه نقمة واحباطاً، ولا شكّ في انّ ردّ «التحيّة» سيأتي خلال الاستحقاقات القادمة وفي الشارع.