بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 أيار 2020 10:53ص الخوف في لبنان من الثورة السلمية لا من الفوضى والعنف

قراءة الإشارات والرياح والتوقف أمام الأضواء الحمر ليست من هوايات أصحاب السلطة

حجم الخط

لبنان محكوم بمعادلة خطرة وخطيرة لا سابق لها حتى في سنوات الحرب الطويلة: لا خروج من حفرة عميقة، ولا توقف عن الحفر. نظام اقتصادي حرّ مفلس مأزوم ومعطّل بالجوع إلى المال والسلطة، وسط تجويع الناس. ونظام سياسي فاشل مأزوم عاجز عن إصلاح ذاته ومستمر، منفصل في الداخل عن الواقع وفي عزلة مع العرب والغرب بخيار مفروض بالقوة واضطرار مرفوض شعبياً وتاريخياً.

والأخطر أن هناك مخططات لتوظيف هذا الوضع وزيادته سوءاً في الحصول على مكاسب سلطوية، تبقى وهمية في هذه الحفرة أو في الانتقال إلى وضع آخر مختلف ومرشَّح لمواجهة عواصف وزلازل في منطقة رمال متحركة إقليمياً ودولياً. والسلاح التقليدي هو دفع البلد المثقل بالأزمات النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية إلى الفوضى والعنف. فالعمودان الأخيران الباقيان للبلد هما الليرة والجيش. والليرة تنهار بسرعة هائلة بعد السطو على المال العام ثم المال الخاص كودائع في المصارف. والجيش يُراد زجه في مواجهة شعب جائع جعلوه فقيراً، قرأ في الكتب المدرسية ما قاله أحد أبطال الإسلام أبو ذر الغفاري "عجبتُ لمن لا يجد قوت عياله كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه".

وليس صحيحاً أن أصحاب السلطة قلقون حيال اندفاع الجائعين الغاضبين في شوارع طرابلس وصيدا وسواهما، وقيام بعضهم بإحراق مصارف وأماكن أخرى. الصحيح أن ما يخيفهم هو الثورة الشعبية السلمية الديمقراطية، التي بدأت في الخريف الماضي واستمرت أشهراً، ثم أجبرها فيروس كورونا على الانكفاء قبل العودة منذ أيام. فالظروف باتت ناضجة لمرحلة ثانية من الثورة الشعبية. وأرض الثورة التي كانت خصبة بسوء سياسات المسؤولين، أسهم العجز عن وقف الانهيار قبل إنتاج خطة على الورق والعجز عن تحقيق حلول، في "تخصيبها"، لأن ازدياد حدّة الأزمات هو وقود إضافي للثورة. فلا الجوع وحده هو ما دفع الناس إلى الشارع، ولا الغضب وحده هو محرك الشبان والشابات الذين لديهم أحلام وتصورات للإصلاح الجذري الديمقراطي، بما يخرج لبنان من لعنة الأزمة العميقة الدائمة في النظام والأزمات التي تتوالد على سطحها. أما أعمال الفوضى والعنف، فإنّ مواجهتها بالقوة سهلة على أصحاب السلطة، ولو كان الثمن على حساب الآلة الأمنية للسلطة بالصدام مع شعبها. وعلى العكس، فإنّ الثورة الشعبية السلمية تبقى عصية على التطويع والاحتواء بكل الوسائل والألاعيب السياسية واللجوء إلى "احتياط" العصبيات الطائفية والمذهبية.

وحين يقول يان كوبيتش، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، إنّ ما جرى في طرابلس هو "إشارة تحذير إلى القادة السياسيين"، فإنه يعرف أن إشارات كثيرة سبقتها، إشارات من الداخل ونصائح من عواصم لعبت أدواراً في مساعدة لبنان، موجزها: قوموا بإصلاحات ملموسة وحقيقية ونحن على استعداد لمساعدتكم في الخروج من الحفرة. لكنّ قراءة الإشارات المكتوبة على الجدار ليست، ومعها قراءة الرياح والتوقف أمام الأضواء الحمر، من هوايات أصحاب السلطة، بعضهم عن عناد وبعضهم الآخر عن قصد للوصول إلى ما يخدمه في معادلة نظرية: العجز عن تقديم حلول للأزمات يقود إلى الخراب الذي يقود إلى الفوضى والعنف، اللّذين يفتحان فرصة أمام حكم سلطوي بلا ضوابط تحت عنوان وقف العنف والفوضى وإصلاح الخراب.

وهذا، عند تطبيق المعادلة عملياً، يقود إلى حل هو "أم الأزمات" وأسوأ منها جميعاً. فلا مجال لأن ينجح حكم سلطوي في لبنان، لأنه يصطدم بتوازنات ثابتة بين الطوائف ولو تغيّرت الأوزان. ولا أحد يستطيع أن يصنع معجزة اقتصادية من العجز، وهو يمسك بسلطة في هاوية الأزمات، مرفوضة في الداخل ومعزولة في الخارج، وولادة للمزيد من العنف.

لكن اللعبة ليست مغلقة تماماً. والأحداث لا تتحرك في اتجاه واحد. فالإرادة هي الرصيد الأكبر، بحيث يقول مثل صيني "بحركة من اليد، تستطيع أن تصنع غيوماً، وبحركة ثانية، تستطيع أن تصنع مطراً". وقديماً، قال الفيلسوف سبينوزا "ليس هناك أمل من دون خوف، ولا خوف من دون أمل".

المصدر: "اندبندنت عربية"