بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2021 12:00ص الدكتور عبد الإله ميقاتي: نواةٌ ذات سبع سنابل

حجم الخط
نضب منبع من ينابيع الخير، وخبا نور من أنوار العلم، ونحن في حاجة قُصوى إلى كل ومضة من نور.

إنه صديقي الأستاذ الدكتور عبد الإله ميقاتي، عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان، ورئيس مجلس أمناء جامعة العزم، والمشرف العام على «جمعية العزم والسعادة الاجتماعية»، والمدير السابق لمجمع العزم التربوي، وعمدة الكشاف العربي، والرئيس السابق لمكتب رعاية الأيتام وعضو المجلس التنفيذي، وعضو الهيئة العليا لبيت الزكاة والخيرات، ومؤسس ومدير عام واحة العلوم والتكنولوجيا في لبنان، والأكاديمي العريق، والكاتب المؤلف، والعَلَم والمفكر الإسلامي.

الدكتور عبد الاله ميقاتي ابن البيت العريق وصاحب اليد البيضاء، الخلوق النبيل الأصيل المتواضع الهادئ الطباع، الوادع المتفائل الرصين المستقيم، المُحبّ الشهم المعطاء المتسامح، النزيه الصادق الشفاف الوفي.

كان قريباً إلى النفس يكتسب محبة الناس بسلاسة وسهولة، راقياً في تعامله ولا تفارقه ابتسامته المُشرقة السمحاء عند لقائه الناس، يجتذبهم بدماثته وحصافته وطيب معشره، ويستهويهم بحُسن الاستماع والحديث اللبق، ويكتسبهم بصدقيته وحواره بالحسنى والكلمة الطيّبة، وقوة منطقه المُدعّم بالإثباتات والإسناد. رجل «حقّاوي» و«دغري»، جريء لا يخشى في الحق لومة لائم. وقد حاز محبة ووفاء كل من عمل أو تعامل معهم.

حمل في قلبه وفكره وجوارحه هموم الناس وأوجاعهم، وكان حاضراً دوماً ويسعى بالخير ويعمل بصمت وفي الخفاء لخدمتهم قدر استطاعته، والحقُّ يقال إن سفينة العمل الاجتماعي والإنساني كانت تُبحر بأمان مع هذا الربّان، وإن خسارة فادحة أصابت مجتمعنا بغيابه.

الدكتور عبد الاله لم يكلّ ولم يملّ، ولم يهتزّ إيمانه بأهدافه، ولم يتراجع قيد أنملة عن تطلعاته، ولم يطلب لنفسه شيئاً. ضرب في مسيرته المثل الصالح في خشية الله والتقوى، والتواضع والقيادة الحكيمة، وهو لم يبتغِ سوى مرضاة الله، وقد ذاع صيته الطيّب في الأوساط كافة.

نموذج يُحتذى ورجل حكيم غزير العلم والمعرفة والثقافة والفكر والأدب، ذو فكر متنوّر ومهنية عالية، انبرى بكل همّة لخدمة القضايا الإسلامية والوطنية بكل إخلاص وتفانٍ. رفد العلم والثقافة بكوكبة من أنفس المراجع والكتب والدراسات والمقالات. وهو مفكر إسلامي مؤمن سيماه في وجهه من أثر السجود. مؤلف كتاب «خواطر إيمانية» الذي جمع فيه مبادئ الشريعة الإسلامية وقيمها، وكان الأول والسبّاق في تناول وتصنيف موضوع فقه النعمة في كتابه المرجع «مدخل الى فقه النعمة» الذي لاقى ترحيباً ورواجاً واهتماماً فائقين.

هذا المدماك صاحب القلب الكبير غادرنا في أصعب ظرف في تاريخ لبنان، بعد حياة حافلة في خدمة الآخرين، حاز فيها محبة ووفاء كل من عمل أو تعامل معهم.

أيها الفقيد الغالي... شكراً لكل ثانية من عطائك، وكل نبضة من قلبك الكبير، وكل قطرة عرق من جبينك الناصع الشامخ، وكل ومضة من عقلك المبدع... شكراً لعُمر من العطاء والاخلاص، تركت فيه بصمات مميّزة ضمن العمل الأكاديمي والثقافي والاجتماعي. عشت فيه كبيرا في قيمك وتوفاك الله كبيراً في أعين الناس ووجدانهم ومحبتهم لك وإكبارهم إياك.

كم صعبٌ ومرهق للروح والفكر أن اعتاد الفراغ بعد ان كنا نتواصل بشكل شبه يومي منذ نحو ربع قرن! وأذكر كلماتك التي رصَّعت بها مقدمة كتابي «وبعدين» طُبعت على صفحات الكتاب ونُقشت في ثنايا قلبي في الوقت ذاته.

أيها الصديق الصدّوق... مهما كتبت فلن أفيك حقّك. رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه، وفي ذمّة الله وحفظه ولطفه وعفوه ورعايته، في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والشهداء والصدّيقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون وأحسبه عند الله شهيداً...

يا فقيدنا الغالي، ستبقى بيننا عنواناً للمكرُمات والمناقب والمثل الصالح، فاذهب الى ربك قرير العين فقد أنبتت نواتك الكريمة سبعَ سنابل وأكثر.