بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيار 2021 12:00ص الدولة العربية ومفترق الطرق

حجم الخط
المواطن العربي النقي الوجدان واللسان، الحر والمستقل عن كل الراغبين والطامعين بالأرض العربية وثرواتها ومواقعها، يعيش حالة غير مسبوقة من القلق الشديد وعدم الاطمئنان على حاضره الذي يخشى تداعياته الخطيرة وغده المجهول مصيره المفتوح على كل الاحتمالات، وخائف على مستقبله القريب وما سيحمله من مخاطر على وجوده وعلى كيان دولته، فالمواطن بات يعلم ان القرار في معظم دوله العربية ليس كله بيد الحاكم بل جلّه بيد قوى أجنبية باتت ممسكة بمصير هذه الدولة أو تلك وهي تمنح وتمنع حسب مصالحها ومخططاتها وهذا مسلك العدو الغازي والمحتل والصديق المستقدم للعون والمساعدة وحماية النظام. ولو رغب الحاكم أن يتخلص من هذه التدخّلات ومن وطأتها وسيطرتها على البلاد والعباد، وصاية كانت أو انتدابا أو احتلالا. وقد ترجم ذلك بإقامة قواعد عسكرية دائمة للبقاء فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بوجود ميليشيا مسلحة وقوى مرتزقة لبقاء نفوذها وسيطرتها وبعضها يتجاسر لإنشاء دساتير وأنظمة وقوانين من عندياتها، كما حصل في العراق بدستور بريمر المحتل الأميركي وما يخطط لسوريا دستورا ونظاما، وكذا السودان وليبيا والحبل على الجرار.

هذه الدولة العربية أو تلك باتت رهينة لدول أخرى صديقة أو عدوة ولمليشيات تابعة لها ولمصالحها والمواطن المغلوب على أمره يسأل تجاه كل ذلك هل من أمل لإستعادة الشرعية والسيادة للدولة وللحاكم معا، أم على شعوب المنطقة الرافضة لكل هذا الواقع البالغ السوء التكيّف مع ما سيفرص عليها بالحديد والنار من وصايات وانتدابات واحتلالات أخرى كالتي فرضت على المنطقة إثر الحرب العالمية الثانية وأدّت لزرع القوة الصهيونية ليكون لها شعب ودولة على الأرض العربية، هي إسرائيل، أم إيجاد دويلات عرقية وإثنية وطائفية ومذهبية داخل كل دولة وموصولة بدولة أجنبية أخرى.

وقلق المواطن العربي يذهب به للسؤال هل دولنا أمام سايكس بيكو جديد وبقوى وطبعة جديدة وبتقسيمات أكثر فداحة من سابقتها، وليعذرني الأخوة والأصدقاء أصحاب ضخ الأمل بذريعة إضاءة شمعة خير من لعن الظلام لكن ما العمل طالما الظلام يتوسّع ويزداد والشموع فُقدت؟!

ما نستعرضه من حال دولنا المتخاصمة فيما بينها، حروب داخلية أهلية وأحداث خراب ودمار وهدم عواصم ومدن وحضارات والأخطر هجرة الشعب لأوطانه بالملايين دون أي بحث لخطة أو قرارات للعودة وبات النزوح عن الأوطان هو السمة السائدة. هذا يا سادة توصيف الموصف وتقسيم المقسم وتفتيت المفتت. وهل يجوز تجاهل ما يجري وإغماض البصر والسمع عن كل ما يجري، وهل نسينا المبادئ والقيم والأهداف العربية والاخوة والتضامن والوحدة والدفاع العربي المشترك حتى وصل النسيان الى قضية العرب المركزية فلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية. ان الحقيقة التي على الأمة بكل دولها وشعوبها وطاقاتها وإمكانياتها تفيد بأن الدولة العربية وعلى مدى المئة عام لم ترقَ الى دولة بكل ما للدولة من مقومات والشعب الواحد لجعله شعوبا وبيئات متنوعة، كل يعمل لحماية بيئته وطائفته ومذهبه وبات التنازع على السلطة والسيطرة والنفوذ والتبعية للخارج ومصالحه إضافة الى ما يرسم للمنطقة من مشاريع و مخططات موغلة في عدائها للعرب جميعا منها مشروع الشرق الأوسط الجديد وما سميّ بصفقة القرن ومشاريع الارهاب الديني والسياسي واحداث الفراغ والخواء والإمساك بدول وعواصم لتكون رهينة لمجهول غير معلوم حتى الآن.

ان الأوضاع السائدة في معظم الدول العربية تتشابه مع الأوضاع الكوارثية السائدة في لبنان، هذا الوطن الذي كان جميلا بطبيعته وإنسانه ونظامه القديم والحديث، ومحظوظا من اخوانه الدول العربية وكثير من دول العالم، بات اليوم وبتعبير أعلى المقامات فيه سائر الى جهنم، وكل ما يجري فيه وعليه هو طي الكتمان وكأن استمراره وبقاء المنظومة السياسية المتسلّطة على مقدراته في سريّته وعدم الكشف على ما يحصل وتجهيل الفاعل والفاعلين مهما كانت نتائج الوقوعات الكارثية هذا ما نراه في تفجير المرفأ الرهيب وما حصده من ضحايا وخراب ودمار وما شاهدناه في عشرات الاغتيالات لأشخاص ومقامات فكرية وثقافية وإعلامية ومقامات دينية وتخريب الأوضاع المالية والاقتصادية والإطاحة بهيبة الدولة التي غدت دويلة لا حول لها ولا قوة وطغى الفساد والإفساد في كل جوانبها ومؤسساتها وإداراتها وكله تحت ذريعة الاهمال كما الهدر بدل السرقات.

المواطن اللبناني بات على قناعة راسخه انه لا دولة في لبنان والمنظومة التي تتربع على الحكم قوضت البلد وهي وحدها بكل أطرافها المسؤولة عن هذا الدمار والتخريب ولا أحد من هؤلاء يستحق الموقع الذي هو فيه خاصة حديثي النعمة والموقع. الوطن لا يحكم من هواة السياسة ومن المراهقين ولا من الطائفيين والمتمذهبين ولا من مليشيات الحرب، الأوطان بحاجة الى رجال حكم لا رجال سلطة وتسلّط ياتون للحكم بالتجربة والكفاءة لا بالوراثة ولا بالقرابة العائلية وحشو المواقع والمؤسسات بهم فيصبحون نوابا في المجلس النيابي وقضاة ونيابات عامة وحشو إدارات الدولة بالأزلام والمحاسيب من أجل تأمين رواتبهم من مالية الدولة وعلى حساب خزينتها، بئس ما هم فية من سوء وإساءات وقد أوصلوا البلاد الى الانهيار ولم يرف لهم جفن وجوّعوا الشعب وسرقوا وبددوا أموال الناس وجني العمر.

 وماذا بعد.. وماذا بعد..؟