بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2021 07:12ص «الديمقراطية التوافقية» عِلّة لبنان

حجم الخط
الكثير يتهم ثورة 17 تشرين، أنها السبب الأساسي في الأزمات التي أحاطت لبنان مُؤخرًا، من كل جنبٍ وصوب، ولكن للحقيقة، ما نعاني منه اليوم، هو عدم وجود باحثين ومفكرين وأكاديميات سياسية تُعنى بدراسة الواقع السياسي وإستشراف المستقبل، وكي يشخصّوا الحالة المرضية التي يعاني منها المجتمع السياسي والمجتمع الإنساني اليوم في لبنان، فإن لبنان كالمريض، الذي يُعاني من أمراضٍ مُزمنة وليست مرضًا واحدًا، إنما عدة أمراضٍ وُلدت مع ولادة الدولة القيصرية، فالفساد الحاصل لا يقتصر على فساد مالي أو إداري أو حتى المنظومة إطلاقًا، هناك خلل بنيوي أدى إلى هذا الإنفجار، الذي لن يطيب دون إستئصاله بشكل جذرّي، ولكنه بحاجةٍ إلى عدة عملياتٍ جراحية قد تُؤدي إلى موت المريض إن لم يُعالج بالشكل الصحيح والسريع، وأحد تلك الأمراض القاتلة هي الديمقراطية التوافقية، ما هي عيوب تلك الديمقراطية؟

 ينص الدستور في مقدمته، على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، فلقد تأسس لبنان منذ نشأته الأصلية في عهد متصرفية جبل لبنان، ثم دولة لبنان الكبير سنة 1920على أُسسٍ طائفية، فهو عبارة عن بقعة جغرافية جمعت أطرافٍ وشعوبٍ وثقافاتٍ وحضاراتٍ مختلفة، أجبرتهم الظروف أن يعيشوا في أكذوبة العيش المُشترك، بسبب تلك الخلطة الديمغرافية الأثنية العجيبة، تم تكريس الديمقراطية التوافقية كمعيار للحكم، كالنموذج السويسري، الذي لا يشبه لبنان إطلاقًا، سويسرا أنهت صراعها وأتبعت سياسة الحياد منذ معاهدة فينا 1815 بعد الحروب البونابرتية، أما في لبنان، فهو يعيش في دوامة الصراعات الإقليمية، حيث يرتبط بها عقائديًا، وفكريًا وقوميًا وغيره، فلا حياد في لبنان.

جاءت الديمقراطية التوافقية كحل للنزاعات التي يعيشها لبنان، فهذه الطريقة تقوم على إنتراع فتيل الصراع من الشارع ونقله إلى السلطة التنفيذية، فهناك ينحصر الصراع بين النخب السياسية التي من المفترض أن تكون نخبوية. في سنة 2009، ربحت المعارضة اللبنانية أي 14 آذار في الإنتخابات البرلمانية وحازت على أغلبية المقاعد، فخرج أمين عام حزب الله، مُقترحًا تطبيق الديمقراطية التوافقية، الإنزلاق القاتل نحو المجهول، حينها بدأت الدولة الدخول في دوامة الصراع في كيفية تشكيل حكومة، بالتراضي مع كل الأطراف الممثلة في مجلس النواب، رغم التعقيدات في إتخاذ القرار، بسبب طبيعة النظام القائم، الذي رسخ التصادم في القرارات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الإ أن تلك المعضلة الجديدة، أصبحت أكثر خطورةً من تلك، بالمختصر نستطيع أن نصف هذه الديمقراطية المعتلة، بأنها إنهاء حالة المعارضة والموالاة والتي هي جوهر الديمقراطية، ووضع كل المتخاصمين على طاولةٍ واحدةٍ من أجل إدارة شؤون البلد، فهذه الخلطة العجيبة، أدت إلى تعميق وترسيخ الصراع البيروقراطي وكل أجهز الدولة المدنية والأمنية، وصل فيها الصراع إلى نوع من اللامركزية الإدارية في وزارات الدولة المركزية، التي من المفترض أن تأخذ أوامرها من رئيس الحكومة، وليس من الأحزاب التي ينتمي إليها الوزراء. هذا الصراع، أدى إلى فسادٍ إداريٍ وتعارض في القرارات، ناهيك عن الجدل البيزنطي، الذي أصبح سائدًا في جلسات الحكومية، إضافةً إلى إنعدام وجود أي نوع من الرقابة والمساءلة النيابية، لأن كل الوزراء ينتمون إلى الأحزاب الموجودة في مجلس النواب، ومسألة عدم المساءلة، تحفز الوزير على العمل بكل حرية، دون أي قيودٍ رقابية من الشعب، كما أنه أيضًا، يستحيل تشكيل حكومة تكنوقراطية، والأخطر من ذلك، هو مضيعة الوقت في تشكيل حكومةٍ جديدةٍ بديلة عن التي أستقالت، فلقد عاش الشعب اللبناني فتراتٍ دون أي حكومة، ولكن الفراغ الحكومي اليوم هو أفضل للأسف من حكومة تأسست من متناقضاتٍ سياسيةٍ وفكريةٍ وعقائدية، ففي أي شركة، عندما يتم تعيين رئيس مجلس إدارةٍ جديد، يقوم الرئيس بتعيين مقربين له كي يكونوا له مشتسارين وغير معرقلين.

لبنان هو عبارة عن تركيبة في غاية التعقيد الإجتماعي والسياسي، فقد تم تكريس العلّة «الديمقراطية التوافقية» التي هي عبارة عن قنبلة موقوتة في مجلس الوزراء، فصدى إنفجارها يتعدى البيروقراطية وصولاً إلى الطبيعة المجتمعية بحد ذاتها، فهذه الديمقراطية أدت إلى إنعدام وجود للديالكتيك المُنتج، إنما أدى إلى جدلٍ عقيم ثم إلى جدلية في كافة الإتجاهات والأصعدة، التي أدت إلى ضعفٍ في البنية المجتمعة وصيغة العيش الإنساني عمومًا والوطني خصوصًا. إن أردنا أن ننهض مجددًا، علينا أن نُنهي هذه الديمقراطية العفنة، كمرحلة أولى في محاربة العلل البنيوية في التركيبة اللبنانية.