بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تموز 2022 12:00ص الديموقراطية اللبنانية الضاحكة: إميل لحود يطيح بالحكومة الشمعونية الأولى

كيف تبادل الكتلويون والدستوريون خطف النائب محمد قزعون عام 1937؟

النائب الراحل اميل جرجس لحود النائب الراحل اميل جرجس لحود
حجم الخط
كثيرة تقلبات السياسيين في لبنان منذ زمن بعيد، وقد يكون مبدأ ميكافيلي «الغاية تبرّر الوسيلة» له ملعبه الواسع، بيد ان التجارب والممارسات لا تخلو من مبدئية تميّز بها كثيرون في التاريخ السياسي اللبناني، لنعود إلى النصف الثاني من عام 1935، بعد انتخاب إميل إده رئيساً للجمهورية في دورة الإقتراع الثانية بأكثرية 14 نائباً، مقابل 11 لبشارة الخوري، والصوت الإضافي في الدورة الثانية لصالح إده كان لعضو الكتلة الدستورية النائب كميل شمعون الذي لم يعيّن في حكومة إميل إده الأولى برئاسة خير الدين الأحدب وزيراً، فكان أن عاد إلى الكتلة الدستورية بزعامة بشارة الخوري، أي أن مجلس النواب أصبح مؤلفاً من 13 نائباً للكتلة الوطنية مقابل 12 للكتلة الدستورية.
الصوت الواحد للموالاة زيادة عن المعارضة لم يكن يقنع الدستوريين، ويقول الرئيس بشارة الخوري في مذكراته «حقائق لبنانية - الجزء الأول»: في يوم التاسع من آذار 1937 أيقظني من نومي صبري حمادة وميشال زكور ليعلماني باستعداد الدكتور محمد أمين قزعون للانضمام إلى الدستوريين بحيث يصبحون أكثرية، وهو يطلب الاجتماع بنا ليعلن الإنضمام إلينا ببيان معلل، فسررنا بالأمر وابتدأنا اتصالنا به وقررنا إجتماعاً عاماً للدستوريين في دارنا مساء 11 آذار، وبينما نحن نعدّ بياناً عن انضمام النائب إلينا وأننا أصبحنا أكثرية نستطيع حجب الثقة عن الوزارة سمعنا دوياً هائلاً أمام البيت، أعقبه إطلاق رصاص على صالة الاجتماع، فارتجّ المسكن وجواره ورأينا حفرة كبيرة في الحديقة وآثار رصاص على حائط الشرفة أمام قاعة اجتماعنا وقد تحطم زجاج بيتنا وبيت جارنا ميشال شيحا.
وعلى الأثر اتصل المفوض السامي بي شخصياً وأوفد المسيو بوشيد مدير الأمن العام الفرنسي ليباشر التحقيق، فطفنا معه في البيت وهمس في أذني: «يريدون أن يلصقوا التهمة بالشيخ فريد الخازن صديقكم، وعلى الرغم من صداقتي للرئيس إميل إده سأقول للمفوض السامي أن الجريمة ليست مفتعلة، بل هي محاولة قتل ضدكم وضد أصدقائكم، وخصوصاً أن الرصاص دوى أثناء انفجار القنبلة وصوّب إلى محل اجتماعكم، إنما علينا أن نكشف المجرم وخير الدين الأحدب رئيس الوزارة ونور الدين الرفاعي مدير البوليس والفرد ثابت مدع عام للإستئناف».
ويصف الرئيس صبري حمادة لمجلة «الأسبوع العربي – 23 تشرين الأول 1967» كيف عمل لتحويل الدكتور قزعون من الموالاة إلى المعارضة، بقوله: «ليس هذا المهم، بل الأهم بكثير تكليف خير الدين الأحدب بتشكيل الوزارة التي اقتصرت، دائماً وأبداً على من انتخبه من النواب»، وكان عدد من الموالين قد عاد إلى ما كان عليه بعودة كميل شمعون إلى حظيرتنا، لم يرق لنا نحن أي المعسكر الثاني خلو الحكومة من أحدنا، فرأيت أن ننتزع منهم الاكثرية ونستميل أحد الذين يعتمدون عليهم، فقصدت من توّي ميشال زكور في منزله، أقنعته حجتي فرافقني في زيارة للشيخ بشارة الخوري الذي أقرّ عدم اقرارنا لخير الدين الأحدب في إقصائنا المتعمد عن الحقائب الوزارية.
ومن ثم أخذت على عاتقي تحويل نائب موالٍ إلى نائب معارض، فنجحت في مسعاي، وجئت بالدكتور محمد قزعون، ولو أتيح له أن يرجم في الغيب ويعرف ما سيتعرض له من جراء ذلك، لبقي حيث كان، يتربع سعيداً في صفوف الموالين.
يضيف الرئيس حمادة: «ما أن علم خير الدين الأحدب بالأمر حتى أرسل من يخطف الدكتور قزعون ويحتجزه في منزل وأحد من آل حمادة الواقع بالقرب من صيدلية حمادة، ولم يقف رئيس الوزراء عند هذا الحد، بل كلّف آخرين بإلقاء قنابل على منزل الشيخ بشارة الخوري وإطلاق الرصاص علينا فيما نحن مجتمعون في الداخل».
ويتابع: «حين تمكنت من معرفة المكان الذي احتجز فيه الدكتور قزعون اقتحمته، والتعبير هنا صحيح لا مجاز فيه، فالمنزل في الواقع كان مطوقاً برجال خير الدين الأحدب المسلحين، وقد كلّف بعضهم بحراسة النائب المحتجز الذي قال لي بأسى حين رآني: ما زلت على وعدي لكني محتجز كما ترى».
ويقول الرئيس حمادة: «عدت إلى اقتحام صفوف الحرس مرة ثانية برفقة الدكتور قزعون ولكنه ما كاد يصل إلى منزله حتى عاودوا الكرّة وخطفوه مرة ثانية، وعهدوا به إلى أبو زهير جلول، وكان من أخلص رجال رئيس الوزراء، ذهبت أطرق باب أبو زهير دون جدوى فقفزت فوق سور الحديقة وتمكنت بمشقة من العثور على الدكتور قزعون، والحق يقال أنه بالرغم مما تعرّض له من خطف واحتجاز على يد رجال مسلحين لم يمانع في التوقيع على ما طلبت التوقيع عليه.. وقد أدى ذلك التوقيع، وتحوّلنا من أقلية إلى أكثرية ولو بصوت واحد إلى حل المجلس لاحقاً.
وبأي حال، فقد أسفر هذا الواقع عن قيام حكومة إئتلافية في 14 آذار 1937 برئاسة خير الدين الأحدب الكتلوي وميشال زكور وأحمد الحسيني، (دستوريان) وحبيب أبي شهلا (كتلة وطنية) ونالت هذه الحكومة الثقة، لكن العلاقات بين أعضائها ظلت بين مد وجزر، وبهذا لم تعمر هذه الحكومة طويلاً، خصوصاً بعد وفاة ميشال زكور بسكتة قلبية، فعيّن أميل إده بدلاً منه جورج ثابت المحسوب على الكتلة الوطنية، وصارت هذه الحكومة كلها من لون واحد، خصوصاً بعد أن نجح الرئيس اميل إده بضم الوزير الحسيني إلى الكتلة الوطنية».
مونولج إميل لحود النفيس
ومن فصول «الديموقراطية الضاحكة» في لبنان، ما حصل مع الحكومة الأولى في عهد الرئيس كميل شمعون، وذلك ان النواب المحالفون للرئيس بشارة الخوري قرروا الانتقال الى صفوف المعارضة، وتبنّوا استراتيجية بسيطة أساسها اتهام الحكومة، وطرح جميع مطامعهم وتظلماتهم، واتفقوا على أن يكون لسان حالهم، واحدا من بينهم هو زميلهم إميل جرجس لحود، المسموع الكلمة لدى جميع الأوساط ، وصاحب الشعبية الواسعة والشاعر المعروف وخصوصا في الزجل الذي يعرف كيف يقرن بين الجاد والطريف بأسلوب فكاهي فريد من نوعه، وكيف يبتكر القصائد الهجائية التي يسمّونها «الردات».
صعد المحامي والنائب، والوزير السابق والشاعر اللامع اميل لحود الى منبر مجلس النواب، وشرع بإلقاء مونولوجه النفيس الذي ستثير تارة تصفيق النواب والحضور، وطورا ضحكات و«قهقات» الحضور جميعهم، لكن هذا المونولوج خلا تماما من الشتائم والتهجم على الأشخاص وبدا معتدلا جدا.
كم استغرق المشهد من الوقت؟
كان الوقت مفتوحا، لكن نهض أحد الوزراء بعد مرور ربع ساعة وغادر القاعة، وبعد وقت قصير من الصمود توجه وزيران آخران نحو باب الخروج ليتبعهما رئيس الحكومة خالد شهاب نفسه (كانت الحكومة رباعية).. وهكذا لم تمثل الحكومة مجددا أمام مجلس النواب، بل استقالت على الفور، مخافة من حمام ساخن آخر (الأسبوع العربي - 17 تشرين الأول 1967).