منذ بدء الحياة الدستورية في لبنان، حفلت الممارسة النيابية والسياسية بالكثير من الطرائف والنوادر، التي كان بعضها يقلب الأمور من حال الى حالة أخرى، ومنها ما يرويه الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري في «حقائق لبنانية - ج أول ص.217»، انه في شهر تموز 1937، باتت الكتلة الدستورية تشكّل الأكثرية النيابية. إذ «انضم إلينا النائبان خليل أبي اللمع وإبراهيم حيدر، فقرروا نزع الثقة من الحكومة التي يرأسها خير الدين الأحدب، فأحسّ الرئيس اميل اده والأحدب بالخطر، فحاولا سلخ الأمير خليل عنا، وأجابهما بعبارته التي ذهبت مثلا: (يا الوزارة يا بشارة) فولّياه الوزارة حالا».
ومن تفاصيل هذه الحادثة ما يرويه يوسف سالم في كتابه «50 سنة مع الناس» انهم حشروا الأمير خليل أبي اللمع في زاوية من منزل اميل اده وألحّوا عليه بالانحياز لهم، باذلين له الوعود المعسولة، وكان في لسان المير لثغة بحرف الشين، يلفظه (ثاء) فقال كلمة صارت لسنوات مثل يتندّر به السياسيون (يا بثارة يا الوذارة) فوعدوه بالوزارة.
ويروي أول رئيس مجلس نيابي في عهد الاستقلال الرئيس صبري حمادة (للأسبوع العربي في 17 تشرين الثاني1967): « بعد استباب الأمن في البلاد وعودة الحياة البرلمانية الى مجراها الصحيح، تخوّفت من ترؤسي جلسات تضم عمالقة، فأخذت على عاتقي دراسة جميع القوانين والأنظمة البرلمانية التي تمكنت من الحصول عليها، وأخشى من خشيتهم حبيب أبو شهلا الذي عرف بالحنكة والدهاء، صح ما توقعته، وإذ به ينقض علي أثناء انعقاد إحدى الجلسات، ويقول بعد جدال عنيف دار بيني وبينه حول مشروع كان مصرّا على إقراره من قبل المجلس: لو أن الرئيس حمادة يكلف نفسه عناء فتح الجزء الثاني من مجموعة داللوز ويطالع ما جاء بالصفحة 112 منه لوجد اجتهادا يؤكد وجهة نظري».
ويؤكد الرئيس حمادة هنا: «ان شيئا ما جعلني ارتاب في قول حبيب أبو شهلا، أدركت أنه اختلق هذا الاجتهاد، وان الجزء الثاني من مجموعة داللوز بريء مما نسب إليه، فصممت على على منازلة حبيب بنفس أسلحته».
ويتوجه حمادة هنا بالكلام الى أبو شهلا قائلا: «لو أن الزميل الكريم لم يتوقف عند الصفحة 112، وكلّف نفسه عناء مطالعة الجزء الثاني من مجموعة داللوز حتى الصفحة 114 لوجد اجتهادا آخرا يناقض ما جاء في الصفحة 112».
ويقول هنا: «ان حبيب أبو شهلا، فهم تماما اني فهمته، فضحك وأنهى النقاش عند هذا الحد».
ويروى انه في منتصف الولاية الثانية المجددة لأول رئيس استقلالي بشارة الخوري، ان الرئيس سامي الصلح الذي ترأس الحكومة في 12 شباط 1952، حضر الى مجلس النواب مع اشتداد المعارضة ضد العهد، بعصمة ورقتيه الشهيرتين، حيث كانت احداها في جيب وفيها هجوم على العهد وأخرى في جيب ثانية بعكسها، فسحب من جيبه الورقة التي فيها هجوم على العهد، خاتما بالقول: «لن أطرح الثقة، لأنني لا أريد الثقة منكم، وأنا ماضٍ لأقدم استقالتي»، لكنه لم يذهب الى القصر الجمهوري بل مضى الى بيته.