بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 آب 2022 08:10ص الرئاسة الثالثة ليست ملكاً لرئيس الحكومة بل هي موقع أهل السنّة الأول

يجب الفصل بين الدفاع عن موقع رئاسة الوزراء وبين سلوك الرؤساء رغم تقصيرهم

حجم الخط
ينظر «حزب الله» إلى اتفاق الطائف ودستوره على أنّه جاء بدون مشاركته، وبالتالي فإنّه لا يمكن قبول اعتماده دستوراً نهائياً إلّا بعد تغييره وتطويعه، بعد أن وجد الحزب أنّ فكرة المؤتمر التأسيسي ستكون مكلفة عليه، وقد تستدعي تدخلات دولية وعربية، تحقّق شيئاً من التوازن وتمنعه من استكمال مشروعه، فقرّر اعتماد طريقة الهدم من الداخل وتدمير تماسك الصيغة الدستورية، من خلال فرض الوقائع السياسية بالقوة، كما حصل بعد انقلاب السابع من أيار 2008 في اتفاق الدوحة، الذي يمكن اعتباره المسمار الأول في نعش دستور الطائف.
كان على «حزب الله» انتظار إتمام تحالفه مع الجنرال ميشال عون من خلال وثيقة تفاهم مار مخايل عام 2006 ثم وصوله إلى رئاسة الجمهورية عام 2016 وما بينهما من معارك وحروب سياسية وأمنية هدفت بشكل مركّز إلى القضاء على مقوّمات وتأثير الدستور في الحياة السياسية.
عون والحرب المستمرة على دستور الطائف
خاض الجنرال ميشال عون حربي «التحرير» و«الإلغاء» تحت شعار رفض اتفاق الطائف وما أنتجه من دستور ومندرجات حكمت الحياة السياسية، مع ضرورة الإقرار بتعرّضها للكثير من الانتهاك على أيدي النظام السوري وحلفائه، الذين منعوا تطبيق الإصلاحات السياسية التي تضمنها «الطائف»، وشوّهوه وأحالوه إلى العناية الفائقة، تمهيداً لإعلان الوفاة.
قبل وصول عون إلى الحكم، كان مساره واضحاً في استهداف مقام رئاسة الوزراء، وذلك بوسائل مختلفة، كان أبرزها الابتزاز وتعطيل تشكيل الحكومة، باعتباره يحوز الكتلة المسيحية الأولى، واشتراطه وزارات محدّدة، وإطلاقه شعار «لعيون صهر الجنرال ما تكون حكومة».
قبل وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، كان دائم الاشتباك مع رؤساء الحكومات، فكانت علاقته سيئة مع الرئيس فؤاد السنيورة، وكذلك مع تمام سلام، ويذكر اللبنانيون الاشتباك الشهير بينه وبين جبران باسيل عندما اضطُرّ إلى إسكاته في جلسة مجلس الوزراء بعد ضرب يده على الطاولة.
رئيس بالإكراه
لم يلبث «حزب الله» أن فرض عون على الجميع بقوة التعطيل والإكراه، وجاء رئيساً للجمهورية بموجب ما تبقّى من دستور الطائف، لتكون النتيجة عهد جهنّم بأبعاده السياسية والاقتصادية والمالية والتربوية والصحية.. وقبل انتخاب عون، وبعد وصوله، كانت فكرة الصلاحيات الرئاسية هاجسه الأول، ولهذا رفع شعار «حقوق المسيحيين» ورمى ما خدع به لبنانيين كثراً، من شعارات المواطنة والعلمنة والمساواة، فساد التعطيل الطائفي حتى وصل قعر عدم التوقيع على توظيف مأموري الأحراج، ليكون أحد أسباب إشعال جبال لبنان، وإضافة «وقدات» إضافية إلى هذا الجهنم.
الصفقة الرئاسية وتنازلات الحريري
عمل عون بقوة على فرض أعراف غير دستورية، لتحويلها إلى قواعد في تشكيل الحكومات، وهو ما لاقى القبول من الرئيس سعد الحريري عندما شارك في الصفقة الرئاسية عام 2016 رغم المعارضة الشرسة من المجتمع السنّي، ووصول الأزمة إلى قيادة تيار المستقبل، ويذكر الجميع مواقف الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السابق أحمد فتفت وغيرهما، لكنّ الحريري مضى في سلسلة تنازلات، كان يستفيق بين الحين والآخر ليعترف بخطئها، ويعد بتصحيحها من دون جدوى.
مع إتمام الصفقة الرئاسية عام 2016 وانتخاب عون الإكراهي، دخل لبنان مرحلة جديدة من استهداف صلاحيات رئاسة الحكومة، مع استسلام الرئيس سعد الحريري لهيمنة عون، سجّل الأخير سلسلة أهداف أبرزها:
- الهيمنة على وضع جدول أعمال مجلس الوزراء، وهو من صلب صلاحيات رئيس الحكومة، حتى أنّ جلسات التقرير في البنود الهامة كان تُعقد حصراً في القصر الجمهوري برئاسة عون، وتحوّل السراي الحكومي إلى ما يشبه السكرتيريا، فلا صلاحيات ولا قرارات.
- فرض الشراكة لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، بدل أن يكون دوره الاطّلاع وفق الدستور، وهو ما جرى تكريسه مع الوقت، ونرى تداعياته الآن مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، والحملة التي يشنّها عليه التيار الوطني الحرّ.
سلسلة طويلة من النهش في مقام رئاسة الحكومة كان هدفها الأول قضم صلاحياتها والاستيلاء عليها لصالح عون وفريقه، مدعوماً بشكل متواصل من «حزب الله» وبقية الحلفاء.
هدف الحملة على ميقاتي تصفية رؤساء الحكومات القادرين على إدارة الحكم
لا يرتبط مشروع تحطيم صلاحيات رئاسة الحكومة بشخص الرئيس الذي يتولى التكليف والتأليف، بل هو مسار متراكم ومتصاعد لا يتوقف، هدفه في النهاية تصفية ما تبقّى من صلاحيات وتغيير النظام السياسي بطريقة الأمر الواقع، بدلاً من إثارة انتباه اللبنانيين والعالم من خلال مؤتمر تأسيسي يعلن وفاة الطائف ويفرض نظاماً سياسياً جديداً.
تقضي المرحلة المقبلة من حكم «حزب الله» في لبنان بتصفية صلاحيات رئاسة الحكومة تماماً، والإتيان برؤساء حكومات «باش كاتب» ميزتهم الأساس أنّهم لا وزن لهم ولا طعم ولا لون، حيث كان حسان دياب «تجربة» أوليّة، سيجري تعديلها وفق متطلبات المرحلة الآتية.
هذا المسار يستوجب ضرب ما تبقّى من رؤساء حكومات ذوي وزن وحضور، حتى لو كانوا مسايرين لـ«حزب الله» ولا يعارضون سياساته، لكنّهم يتمتعون بوزن سياسي وعلاقات خارجية وشخصية قادرة على المشاركة في إدارة الدولة، وهذه صفات يجب إزالتُها عن رئيس الحكومة في العهد الجديد، بنظر «حزب الله».
لذلك، فإنّ حملة التيار الوطني الحرّ الشرسة على الرئيس ميقاتي، لا تستهدف شخصه فحسب، بل هي عملية تصفية لآخر رئيس وزراء عنده شيء من مقومات الحكم، وهذا يجعل القضية منفصلة عن مسألة تقييم مسيرة ميقاتي السياسية ومدى تحمّله للمسؤوليات المُلقاة على عاتقه، وخاصة تجاه مدينته طرابلس الرازحة تحت خطوط الإفقار والتهميش والحرب الإعلامية والسياسية عليها.
وجد كثيرون من اللبنانيين، وخاصة أبناء طرابلس والشمال صعوبة في الفصل بين ضرورة الدفاع عن مقام وصلاحيات رئاسة الوزراء، وبين الاعتبارات الخاصة بشخص رئيس الحكومة الحالي.
الحقيقة أنّها معادلة صعبة، لأنّ الرئيس ميقاتي أدار ظهره لطرابلس في ذروة الأزمة، ولم يقدّم المبادرات المطلوبة منه كرئيس للحكومة وكرئيس تيار سياسي يعتبر أنّه في صلب المعادلة الطرابلسية، وإن كان قد استدرك مؤخراً فأسّس فريق إنماء الشمال الذي يأمل أن يكون محطة للتعويض النسبي عن فترات الإهمال السابقة.
رئاسة الوزراء ليست ملكاً لرئيس بل هي موقع أهل السنّة الأول
لا يمكن ترك الغيظ والغضب المسيطر على أهل السنّة من تقصير رئيس أو رؤساء الحكومات، أن يحكم في موقفهم تجاه ما يجري الآن من تهديم معلن لرئاسة الحكومة، وعلينا أن نتذكر أنّ هذه الصلاحيات دفعنا ثمنها 300 ألف ضحية في حرب هائلة انتهت باتفاق ودستور الطائف، فلا يجب السماح لـ«حزب الله» باستكمال حربه علينا بدون مقاومة، وأهمّ أشكال المقاومة الدفاع عن مقام رئاسة الوزراء، من قبل الجميع، أفراداً وأحزاباً ومؤسسات، وأن يجري استخدام وسائل التواصل الاجتماعي سريعاً في التعبير عن رفض الاعتداء على مقام الرئاسة الثالثة، فهي ليست ملكاً لهذا الرئيس أو ذاك. إنّها موقع أهل السنّة الأول في البلد.
مكر إيران الآكِل للدول
هذا هو المكر الإيراني الذي يعمل على طريقة السرطان الآكِل للدول، المدمِّر للمجتمعات، المفكِّك للأوطان: مسارٌ طويل من التخريب السياسي والدستوري والاجتماعي والاقتصادي، وصولاً إلى النموذج الإيراني، الذي يصبح فيه الشعب مستعبَداً محاصَراً، تطاله العقوبات فتزيده بؤساً وتقوّي جلاّديه فتزيدهم ظلماً وجوراً، وهذا ما بدأنا نحن في لبنان نعيشه بشكل مكشوف مع وصول عون إلى الحكم.