بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آب 2022 12:00ص الرئيس ميشال سليمان.. يا صانع الحوار لن يُجدي أي حوار

حجم الخط
أذكر للتاريخ إذا أنصف عندما زرت فخامة رئيس الجمهورية الرئيس العماد ميشال سليمان في قصر بيت الدين المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية عشية الحوار الوطني بتاريخ 15-8-2012 حيث أثناء توجهي لزيارة فخامته تعرّضت لحادث سير بسبب أعمال الحفر والتزفيت على الطرقات من قبل وزارة الأشغال، مما أعاق وصولي بالوقت المحدد عند الساعة الرابعة، عندها تم الاتصال بي من قبل القصر للإستفسار عن سبب التأخير، فأخبرتهم بما حدث، كان الجواب إذا أردت أن يرسل سيارة لنقلي، قلت: سوف أذهب بسيارتي مهما كانت ظروفها، وعندما وصلت وجدت فخامته منشغل البال لما حصل معي، وأذكر ذلك اليوم جيداً حيث صدف عشية انطلاق الحوار الوطني، حيث شرّفني فخامته بجولة داخل أرجاء القصر الجمهوري في بيت الدين وتفقّد قاعة الحوار الوطني التي تجمع الفرقاء السياسيين المتخاصمين، قلت له: فخامة الرئيس هل تجرؤ القوى السياسية المتحكمة والمسيطرة على قرار الدولة وقرار الناس التي لا تنتمي لهذه المنظومة من السياسيين الانقساميين والمتخاصمين والمتحالفين معاً على ما تبقّى من مؤسسات وإدارات في الدولة اللبنانية على الحوار الوطني؟ وأذكر هنا مما قال فخامة الرئيس: «صديقي محمد، الحوار الوطني الديمقراطي وقبول الآخر وعدم الإستقواء هو المدخل الوحيد لحل المشاكل العالقة بين الأطراف السياسية المختلفة ونقل الصراعات من الشارع إلى الواجهة الصحيحة»، فشرحت لفخامة الرئيس ما يجري من معاناة على كافة الأصعدة وخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وانقطاع الكهرباء والماء والوضع الاقتصادي الضاغط على الناس، لأن رئيس الجمهورية صاحب الشخصية الجامعة هو من يملك الشرعية ومصدر السلطات وأساس نهوض الوطن، ولا ينتظر من أحد إعطائه صلاحيات. كان يعمل بكفاءة عاليه جداً من أجل وقف ما يحصل على الساحة الداخلية وتسبب بجرح عميق داخل الجسم اللبناني من تجاذبات وصراعات، فلاحظت فيه متابعة أوضاع الناس بأدق التفاصيل. عندما يكون شخص الرئيس إنساني آدمي متواضع ومتصالح مع ذاته فهو من يصنع حضوره وهو من يوجّه بصفته المرجع الأول في البلد، عندما يكون الرئيس سهران على مصالح الناس والدولة والمؤسسات لا أحد يستطيع أن يسيطر على صلاحياته..
وبعد انتهاء الزيارة وأثناء وداعه لي وبلفتة كريمة من فخامة الرئيس أبى إلّا أن يتفقّد ما حلّ بسيارتي وإذا كان بإمكاني العودة إلى مدينتي سالماً، هنا تعلم مدى قيمة الإنسان ومعدنه. كانت شمس تموز حارقة وكنا في شهر رمضان المبارك إذ كان لازما العودة بسرعة للإفطار في بيت العائلة الكل مجتمعين وكان أبي (رحمه الله) يشخص بصره ينتظر وصولي، إستودعته ورجعت أدراجي لأرى قطع الطرقات إعتراضاً على انقطاع الكهرباء وعلى الحالة الاجتماعية الذي كنا بألف نعمة عما نحن نعيشه اليوم من قهر وفقر ومعاناة وإذلال أمام البنوك والأفران والمستشفيات والصيدليات والمتاجر الغذائية وأمام محطات المحروقات، نحن نعيش في بلد كلّف خزينة الدولة نصف الدين العام من مليارات الدولارات على كهرباء وماء لم نجدهم، لن تنجح في مسيرتك لأنك لست مؤهلاً أن تكون من تجار السياسية وهدر مال الناس ومال العام وتدمير كافة القطاعات، في عهدك لم ينجرح شعور أي مواطن، أنظر إلى حماة الوحدة الوطنية المؤتمنين على الوطن والمواطن أصبحوا من العفاف يتألمون، لم ولن تكن من السياسيين الإنقساميين المختلفين والمتنازعين على السلطة لهذا لن تجدي أي حوار ولن يكون هناك حوار بل فرض آراء وسط هذا الصمت والظلام والظلامية والآحادية وغياب مشروع بناء المجتمع المتكامل والمتكافئ، أنت لم تنجح في ٣ إصلاحات دستورية ضرورية وغير معقدة: انتخاب سن الـ18، فصل النيابة عن الوزارة، وإعادة صلاحية تفسير الدستور الى المجلس الدستوري كما نص اتفاق الطائف.
حاولت ولم تنجح، وهناك إصلاحات أخرى مهمة ينبغي مناقشتها وقد تكلمت عنها مراراً... لم تنجح ربما ولكن عهدك عهد الازدهار والإنفتاح على الأشقاء العرب والأصدقاء رغم كل الظروف التي كانت ورغم كل الحملات الإعلامية لتشويه صورة العهد، يكفيك فخراً أنك استطعت أن لا تورث صهراً أو صديق أو ولد، وعندما سألني أحد الأصدقاء المشتركين لماذا لم يأتي بك إلى أي مركز من مراكز الدولة وأنت الصديق المخلص له والمضحي من أجل قيام الدولة العصرية، كان باستطاعته إعطاءك منصب أو مركز، أنظر السياسيين الآخرين كيف يتعاطون مع الأصدقاء، ما نفع الصداقة بدون إمتيازات، ردك كان آنذاك يومها بصراحة: محمد قول له إني تعاطيت معك كما تعاطيت مع أفراد أسرتي، قل له عاملني مثل أولاده وأصهرته وأولاد إخوته، لا وزارة لا وظائف لا أوسمة...
المحافظ عيّن قبل قاضيا قبل أن أصبح قائدا ومحافظا قبل أن أصبح رئيساً، هلق عرفت ليش حاولوا إفشال عهدك دون أن ينجحوا... وحاولوا ضرب المفهوم الصادق عن الصداقة الحقيقية بدون مصالح... يا صديقي لقد أعادنا حنينهم إلى عصر موسيليني وستالين وهتلر كانت أفكارهم ولغتهم لا بل أفعالهم أرحم مما نحن عليه اليوم.
عهدك عهد الأوادم الصادقين رغم عتبي عليك، كان بإمكاننا أن نتعلَّمَ الطريقةَ الصحيحةَ بدمار البلد وتشتيت الناس وإفلاسها وتهجير العائلات والتغيّر الديمغرافي وإنشاء دويلات فدرالية، كما يحلو لبعضهم من أجل مكسب ومصالح شخصية وخارجية...
يا صانع الحوار لن يجدي أي حوار ولن يكون هناك حوار.