بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2018 12:58ص الزبائنية المُقونَنة في ثنايا القانون الإنتخابي الجديد

حجم الخط
مسألة الزبائنية ليست بجديدة على الساحة اللبنانية، خصوصاً في مواسم الانتخابات النيابية، وهي العلاقة القائمة بين القوى السياسة والمواطنين بحيث تقدّم هذه القوى الخدمات للناخبين مقابل ولائهم السياسي. وتشمل الخدمات القيّمة كالوظائف، والمنح الدراسية، وكذلك المدفوعات للرعاية الطبية وغيرها من المساعدات العينية.
تلعب الزبائنية دورا كبيرا في تحديد نتائج الانتخابات، فمن خلالها يتوقّع الناخبون من نوّابهم أن يوفّروا لهم «الخدمات»، لا سيما أنّ مؤسسات الدولة قد فشلت في تصميم وتنفيذ السياسات التي تجعل الخدمات العامة متاحة للجميع، مثل فرص العمل، والتعليم المجاني، والتغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة وغيرها. وبالتالي يقوم العديد من الناخبين بدعم حزب أو مرشحٍ معين بدلاً من آخر بناءً على الخدمات المقدمة للناخبين أو «الإكراميات وشوفة الخاطر» النقدية المدفوعة يوم الانتخابات. وفي المقابل يتوقع الزعماء والنواب الولاء التام لهم ولأحزابهم، ويمنحون خدمات قيّمة لمكافأة مواليهم المخلصين على دعمهم الفعّال، وبخاصة أولئك «المفاتيح الانتخابيّة» الذين يمارسون سلطتهم على مجموعات كبيرة من المقترعين في زمن الانتخابات فيحثونهم على اقتراع هذا المرشّح او ذاك. ويرى البعض في الزبائنية وسيلةً لتحقيق المكاسب من دون الانتباه الى وجهها المُظلم، إذ انها نتاج قرار سياسي اتخذته اركان الطبقة السياسية القابضة على مفاصل الدولة ومقدراتها، فهذه الطبقة تفضّل توفير الخدمات للناخبين الافراد عوضاً عن تصميم السياسات التي تخدم المجتمع برمّته وذلك لإعطاء الأحزاب السياسية أداة كاسرة تمكنها من التلاعب بالانتخابات لمصلحتها عن طريق جعل الناخبين رهينة لديها. وقد تصل هيمنة القوى السياسية الى حد الامتناع عن توفير الخدمات أو سحبها من الناخبين الذين امتنعوا أو توقفوا عن دعم المرشح أو الحزب المعني، وبخاصة في المناطق حيث يعتمد السكان إلى حد كبير على قوة سياسية واحدة توفّر العمالة والخدمات التعليمية أو الصحية. اذاً العلاقة الزبائنية القائمة بين القوى السياسية والمواطنين ليست متوازنة، وذلك يعني أن المواطنين غير قادرين على انتخاب ممثليهم بحرّية أو محاسبتهم حيث القوى السياسية هي التي تكافئ أو تعاقب الناخبين على خيارهم الانتخابي.
في سياق الانتخابات النيابية المرتقبة، يجدر الإشارة الى أنّ القانون الانتخابي الجديد قد نجح في الحفاظ على الزبائنية من خلال عدة عوامل أبرزها اعتماد الصوت التفضيلي الأوحد ورفع سقف الإنفاق على الانتخابات، والسماح للجمعيات الخيرية التابعة للقوى السياسية بتوفير خدمات مشروطة خلال الانتخابات والتي تعطي أفضلية للأحزاب والمرشحين القدامى الذين يمارسون الزبائنية بشكل مستدام على حساب المرشحين الجدد الذين يحاولون الولوج الى البرلمان. ان معركة الصوت التفضيلي ستدفع المرشحين حتماً الى شراء الأصوات عبر توزيع بعض المال أو الخدمات على الناخبين. بيد أن هذا المدخول الاضافي الذي سينتفع منه الناخب يوم الانتخابات هو مؤقت، وسيدفع الناخب ثمن «الاكرامية» اضعافا مضاعفة على مر سنوات قادمة، علماً ان القوى السياسية لا توفر الخدمات بشكل طوعي بل تنتظر حتى يطالب بها المواطنون لكي يذلّوهم ويصنعوا منهم رهينة مطواعة الى اجلٍ غير معروف.
الحقيقة المرّة هي أن حرمان الناس من الخدمات العامة المكرّسة لهم حقوقياً وقانونياً هي نهج بل استراتيجية تعمد اليها القوى السياسية للتحكّم بأعناق الناس.. فيما تجاهر معظم القوى السياسية بمكافحتها الفساد وآفة الرشاوى ثم تجهد لقوننتها من خلال مواد قانونية هجينة تشرّع الزبائنية وتمرير الصفقات.. فينطبق عليهم المثل القائل بتلك التي تحاضر بالعِفّة!