لم تعد السجالات حول تشكيل الحكومة مُجدية، بعد ان وصل البلد إلى الإنهيار شبه الكامل بسبب تراكم الازمات البلاحلول سياسياً وإقتصادياً ونقدياً ومعيشياً وإجتماعياً، ولم يعد يهم المواطن المغلوب على أمره والمفلس لمن تؤول هذه الحقيبة او تلك، ومن يملك الثلث الضامن ومن لا يملكه. ولم يعد يهتم بشعارات التوازنات والميثاقية وصحة التمثيل، بعدما تبيّن انها لا تغنيه ولا تُسمِنهُ من جوع.
ما صدر خلال الأيام القليلة الماضية من مواقف عن التيار الوطني الحر وتيار المستقبل و حزب الله واللقاء الديموقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل، لم يقدّم حلولاً مقبولة للأزمة الحكومية، لأن كل طرف من الأطراف السياسية يعتقد انه يملك الحق او الحقيقة او طريق الإنقاذ. برغم بعض الاقتراحات التي طُرحت ومنها حول تسمية الوزيرين لحقيبتي الداخلية والعدل، وحول رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20 او 22، يُقال أن ما يجري بات يؤكد وجود قطبة مخفية معقّدة وصعبة الحل تُعيق تشكيل الحكومة. ولا ندري هل هي داخلية ام خارجية. وسفر الرئيس المكلف سعد الحريري خلال الشهرين الماضيين وترك كرة التشكيل عند رئيس الجمهورية لسبب يقول انه يتعلق بحشد الدعم الدولي والعربي للبنان بعد تشكيل الحكومة، بدا غير مقنع للكثيرين. إذ كل الدول تقول شكلوا حكومة انتم اللبنانيون وتعالوا إلينا نتفق على أوجه الدعم ومعاييره وشروطه، ففي حسابات الدول لا شيء «ببلاش». كما انه من غير المنطقي وضع العربة قبل الحصان، فكيف نتكلم مع الدول عن الدعم قبل تشكيل الحكومة؟ وما هي الضمانات التي سنقدمها للدول المانحة حول شفافية ومصداقية الإصلاحات المطلوبة، قبل تشكيل حكومة مقبولة متوازنة قادرة على العمل والإنتاج، وقبل وضع بيانها الوزاري وبرنامجها التنفيذي لمشاريع الإصلاح؟ وقبل ان يوافق مجلس النواب على ما يحتاج من تشريعات قانونية لها؟
وثمة من يسأل ايضاً هل ان القطبة المخفية المعيقة تشكيل الحكومة تكمن في خطأ المبادرة الفرنسية، التي وضعت معاييرَ وشروطاً غير قابلة للتنفيذ في لبنان، بلد الخلافات والتوازنات والحسابات الدقيقة ولو الخاطئة، التي تتحكم بها منظومة سياسية لا زالت تعمل بالعقلية ذاتها التي اوصلت البلد الى المهالك، واحياناً إلى حافة الحرب الداخلية وتهديد الاستقرار الامني والسياسي؟
وهل ان القطبة المخفية هي في العامل الخارجي الضاغط والمؤثر على لبنان، بحكم تبعية الأطراف الداخلية للخارج لسبب او لآخر؟
يبدو ان هناك أكثر من قطبة مخفية تتحكم بكل الوضع اللبناني وبالتالي بتشكيل الحكومة وهي مجموع تلك القُطب الفردية المذكورة آنفاً، وإذا كان من نصيحة وحيدة مقبولة من الخارج فهي ليتوافق اللبنانيون على الحل ونحن جاهزون للدعم. لكن هل هذا الكلام جدي وحقيقي، ام للتهرب من تهمة الضغط على لبنان وابتزازه سياسياً لتغطية السبب الحقيقي وراء الإستنكاف الخارجي عن تحقيق التوافق، عبر ضغط أو «مونة» الدول كلُّ على حليفها أو صديقها في لبنان؟
المهم ان تشكيل الحكومة ما زال يراوح في نقطة الصفر بعد مواقف جبران بسيل ورد تيار المستقبل عليه، وأي اتفاق سيحصل قد يشمل إعادة توزيع اكثر من حقيبة ولأكثر من طائفة هذا إذا حصل التوافق قبل وصول الدولار إلى ما فوق العشرة آلاف ليرة كما يُقدّر بعض الخبراء.