بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيلول 2019 06:00ص السنيورة يدق ناقوس الخطر: حلف الأقليات يُهدِّد الطائف!

شارحاً المخاطر الثلاثة المحدقة بلبنان... والمواجهة بتفعيل الورش ومجموعة رؤساء الحكومات

حجم الخط

كلام نصر الله عن العقوبات الأميركية زرع المزيدٍ من الفتنة بين اللبنانيين


ما يُقلق الرئيس السنيورة رؤيته أن حالاً من «الترويض» تعيشها البلاد على مستوى أركان الدولة والقيادات السياسية وحتى وسائل الإعلام التي يبدو أنها أضاعت البوصلة، فقد يكون مفهوماً أن تنقاد البيئة الشعبية لـ«حزب الله» لعملية غسل دماغ، لكن ذلك «الانصياع» الذي يُظهره الآخرون إزاء خطاب «حزب الله» وما يمارسونه حياله يحمل الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب! هو يعي تماماً أن أصحاب التسوية مُجبرين على البقاء تحت سقف التسوية، ولكن الرهانات على أن الخارج لن يترك لبنان يسقط، أو انه يمكن الابتزاز في مسألة اللاجئين أو الاتكاء على النفط هي رهانات خاطئة.

يسود اقتناع أن التحدي الأساسي اليوم يكمن في قدرة أركان الحكم والقيادات السياسية على تشخيص صحيح للمشاكل التي تواجه لبنان. فمن دون الاعتراف بجوهرها، لا يمكن الوصول إلى حل. ما هو واضح أنه كلما تقدمت البلاد خطوة إلى الأمام، تتراجع خطوات إلى الوراء، بما يؤشر إلى ان المشاكل هي أكبر بكثير من محاولات الاحتواء. ففي رأيه أن جوهر المشكلة نابع من البحث في المكان الخطأ عن الحلول للمخاطر التي تحيط بلبنان.

تذهب إلى مجلس الرئيس السنيورة وسط إدراك تام بأنه «الطبيب» الذي يُشخّص «الداء» بدقة وانعكاساته وما يحمله من خطر على حياة المريض إذا لم يكن مستوعباً لحاله ويتحلى بالإرادة والعزم على النهوض من جديد، وإذا لم يكن الدواء ناجعاً. لكن الرجل العالِم ببواطن الأمور، وبحال «المنازل الكثيرة» يبقى على «تحفظ قاتل» لمحدّثيه ولأولئك الخارجين عن «بيت الطاعة» الذي يطبع الواقع السياسي بغالبية مكوناته. فالكلام المُباح عنده قليل، والعِبرة في ذاك الكلام غير المباح الذي تفك طلاسمه من الصمت حيناً واستعانته بالمرويَّات وبآيات القرآن أو نصوص الإنجيل حيناً آخر.

هذا «اللبنان» يُواجه مخاطر مصيرية تحتاج إلى معالجات سياسية بامتياز. ففي لقاء دردشة مع مجموعة ضيّقة من الصحافيين، يُوصّف السنيورة هذه المخاطر بثلاثة عناوين لا يسردها وفق الأولويات كونها باتت متداخلة بعضها ببعض، وكل منها ينعكس على الآخر. الخطر الأول هو العنوان الاقتصادي - المالي، حيث هناك عجز كبير في الموازنة وفي ميزان المدفوعات للسنة الثامنة على التوالي، فيما النمو الاقتصادي يتراوح بين نصف إلى واحد بالمئة، في وقت يبدو فيه أن أزمة التوسّع في عجز الموازنة غير قابلة التحكم بمعالجاتها. فالأعباء السنوية تتراكم من خدمة دين ورواتب وأجور وعجز الكهرباء، من دون قدرة على تخفيض الرواتب وحتى البدء بتدابير أولية في ما خص الكهرباء على غرار تعديل التعرفة بما لا يمس بالشرائح المحدودة الدخل. فالناس بحاجة ماسّة لترى إنجازاً واحداً لاستعادة الثقة. ولو سُئل السنيورة في شأن الكهرباء، لاقترح التوجه فوراً إلى الصناديق العربية والدولية ذات المعايير العالية لجهة المنافسة والشفافية بغية بناء معامل الإنتاج، الأمر الذي يُثبت قدراً من الجدية والمسؤولية.

ويتمثل الخطر الثاني بالخطاب التهريجي الذي يزيد من حال الاحتقان. كل يحقن جماعته ويظن أن الآخرين لا يسمعون. هذا الواقع من الاحتقان يؤدي إلى التشكيك بالأركان الأساسية التي تقوم عليها البلاد من الدستور واتفاق الطائف إلى السلطة القضائية وحياديتها وإلى مؤسسات الدولة، وهو ما يزيد من حجم «اللاثقة» ما بين الناس والدولة، والناس والمجتمع السياسي، ويخلق حالة خوف، ويدفع النّاس إلى أن تكون أولويتها اللجوء إلى مربعاتها الطائفية، عدا عن أن هذه الحال تشكل مناخاً طارداً للكفاءات من اللبنانيين والمستثمرين.

 أما الخطر الثالث، فهو رمي البلاد في «ممر الأفيال». فبعدما جرى الإخلال بالتوازنات الداخلية، يجري الآن اللعب بالتوازنات الخارجية. السنيورة تحدث بوضوح وجرأة عن توريط أمين عام «حزب الله» للبنان في حرب، وأن ثمة كلاماً آخر كان لا بد من أن يصدر عن الدولة غير الذي قالته، والذي تظهر فيه أنها تتخلى عن دورها.

هل من حرب؟ سأل أحد الزملاء الرئيس السنيورة أكثر من مرة. كان جوابه: نحن في حالة حرب. وليس بالضرورة أن تكون الحرب بالقذائف. هناك حرب بالكلام.

تسأله عن مقاربة نصرالله الأخيرة للعقوبات الأميركية، فيرى أن كلامه يهدف إلى زرع مزيد من الفتنة بين اللبنانيين، معيداً إلى الذاكرة أن البنك العربي تم تغريمه بنحو مليار دولار نتيجة تحويل بقيمة ثلاثة آلاف دولار اعتبر مخالفاً للقوانين الأميركية، داعياً في هذا الإطار إلى التنبه من تبعات أي عمل متهور، ذلك أن احداً لا يمكنه مواجهة النظام المالي العالمي.

على أن رئيس الحكومة الأسبق الذي تولى الرئاسة الثالثة في أحلك الظروف وأظهر حنكة سياسة وتمايزاً في إدارة حرب تموز 2006، وأُنشئت في زمن حكومته المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، وصمد في وجه كل محاولات حصاره ومحاصرته، يُعبّر عن اعتقاده التام بأن رئيس الجمهورية يعي تماماً ما يقوم به.  يتوقف مستغرباً عند كلام رئيس الجمهورية عن الأتراك. فليس بريئاً ما تضمنته رسالته في الذكرى المئوية للبنان الكبير عن «إرهاب الدولة العثمانية». النقاش لا يطال هنا تلك الحقبة، ولكن أي حكمة في قول ما قيل وفي توقيته؟!  يُبدي خشية من المسار المتّبع في عملية تخويف لكسب المزيد من الناس على قاعدة الخوف والقلق على المصير.

الرؤية واضحة لديه أن اتفاق الطائف مستهدف لجهة محاولات ضرب العيش المشترك والذهاب إلى حلف الأقليات، الذي يهدف فعلياً لتفتيت البلد. وهذا الاتجاه في رأيه مخالف لتوجهات الفاتيكان ولإعلان البابا خلال زيارته أبو ظبي. هذه الطروحات تشمل مخاطر حقيقية على المسيحيين. وما هو أخطر هو المنحى الآخذ في التنامي بأن تحت مقولة حقوق المسيحيين والمناصفة ومقتضيات الوفاق الوطني، يتم التعامل مع الموضوع بأن حصة المسيحيين محفوظة ومؤمنة دون الحاجة إلى أن يكون ثمة جهد وعمل واستفتاء للشروط العلمية، وهذه دعوة لتدمير الإدارة كما تدمير المجتمع عبر تحويله إلى مجتمع متدني الكفاءات والجدارة. ما قبل العام 1975، كان التنافس بين المجتمعات اللبنانية على من يرسل الأكفاء إلى الإدارة. اليوم بات العكس هو القاعدة المتبعة والعنصر الفعال هو التبعية!.

ما سعى إلى تكراره هو أن المعالجات للمخاطر لم تعد كافية بالوسائل الاقتصادية - المالية، بل تحتاج إلى معالجات سياسية من أجل استعادة الثقة المفقودة، ومن أجل استعادة التوازن الداخلي والخارجي المفقودين. 

حين تسأله ما العمل؟ يقول إنه لن يتوقف عن بذل كل جهد يمكنه القيام به. فهناك ما يقارب عشر إلى إحدى عشرة ورشة يقوم بها. مرصد الطائف هو احدى أدوات المواجهة لمحاولات الخروج عن وثيقة الوفاق الوطني، وخلق أعراف خارج الدستور، ومساعي تعديل الطائف بالممارسة. ويؤكد أن مجموعة رؤساء الحكومات السابقين التي شهدت تحركاً لافتاً قبل أشهر قبل أن تخبو، ستعود إلى مواصلة حركتها، عازياً الجمود الذي أصابها إلى العطل الصيفية. وستكون هناك متابعة مع المملكة العربية السعودية بعد انتهاء موسم الحج الذي يتجنّد فيه كل المسؤولين من أجل انجاحه.