13 آب 2022 12:00ص الشرق الأوسط وتداعيات الحرب العالمية الأولى

حجم الخط
يستعمل مسمّى الحرب الكونية  كمصطلح للدلالة على الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وقد يكون مردّ  استعماله الى انتشار العمليات العسكرية المترتبة عن الحربين في أغلبية قارات العالم .
نقاط الالتقاء بين الحربين هو وجود معسكرين، أحدهما يتمثل بأربع قوى رئيسية هي : الولايات المتحدة الأميركية، روسيا ( الإتحاد السوفياتي)، بريطانيا وفرنسا، يقابله محور آخر ارتكز حول ألمانيا (القيصرية ومن ثم النازية)، وعدد من الدول المتنقّلة بين محور وآخر بين الحربين، مثل اليابان وإيطاليا .
رغم فداحة الخسائر التي لحقت بالبشرية جراء تلك الحربين، فإن التداعيات أو بالأحرى النتائج المترتّبة عنهما هي الأهم، فصحيح أن الحرب العالمية الثانية قد أنهت الصراع العسكري الكبير بعد هزيمة دول المحور، لكن التداعيات السياسية كانت أكبر وأعمق وأخطر فيما يتعلق بالحرب العالمية الأولى.
قد يقول أحد إنّ الحرب العالمية الأولى انتهت في العام 1918، وأعقبتها الحرب العالمية الثانية، فلماذا التركيز على الحرب العالمية الأولى وآثارها وما تركته من نتائج؟
بالعودة الى ما رافق الحرب الأولى، فإن نتائجها تركت آثاراً ما زالت ماثلة أمامنا حتى تاريخه، وليست تلك النتائج محصورة في شرقنا فقط، بل هي ممتدة أيضاً الى أوروبا بشرقها وتحديداً في منطقة البلقان . فمن نتائج تلك الحرب انتهاء ثلاث من أكبر إمبراطوريات العالم حينها ألا وهي : الألمانية، النمساوية -الهنغارية والعثمانية، وما يهمنا هو نتائج تلك الحرب على الشرق، ففي حالة الدولة العثمانية، كانت الحرب العالمية الأولى سبباً رئيسياً في نشوء الدولة التركية الحديثة على أنقاض سلطنة آل عثمان بعد خسارة ولاياتها العربية نتيجة تلك الحرب، فقامت دولة قومية تركية احتفظت بجزء كبير من أراضي العثمانيين بعد حرب الاستقلال التي قادها مصطفى كمال، في مقابل ذلك خسرت تركيا منطقة غنية بالنفط هي كركوك بمقتضى معاهدة سيفر، لكن فرنسا كدولة مسيطرة على سوريا ولبنان أعطت تركيا لواء اسكندرون. 
كان العرب كقومية أكثر الشعوب تضرّراً من نتائج تلك الحرب، ففي خضمّ المعارك العسكرية الدائرة حينها، وقعت ثلاثة أحداث أثّرت بشكل كبير على  مستقبل منطقة الشرق الأوسط، فجرت مراسلات الحسين- مكماهون بين عامي 1915 و1916، وإتفاقية سايكس – بيكو في العام 1916، ووعد بلفور في العام 1917، فهذه الأحداث الثلاثة نتائجها ملموسة حتى حاضرنا، وأهمها نشوء دول المنطقة، وأخطرها إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين – رغم إعلان ذلك الكيان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية – فكانت الحرب العالمية الأولى هي شرارة التدفّق الصهيوني على القدس وباقي مدن فلسطين .
اما عدم الاستقرار في المنطقة فمردّه الى نتائج الحرب العالمية الأولى ونتيجة مؤتمر الصلح، حيث تمّ وضع فلسطين تحت وصاية دولية، تمهيداً لإنشاء كيان معادي لأهل المنطقة وفصل آسيا عن أفريقيا وحماية المصالح البريطانية في قناة السويس.
لبنان والعراق دولتان تم إنشاؤهما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، لكن العراق لم ينعم يوماً بسنوات طوال من الهدوء، فوقع ضمن سلسلة من الانقلابات والحروب التي أنهكت شعب بلاد الرافدين واستنزفت ثرواته، أما لبنان فحتى تاريخه، إشكاليات العام 1920 مازالت هي هي .
أما بخصوص الهضبة الإيرانية، فمشكلة الأحواز مترتّبة عن قرار بريطاني بضم المنطقة الى إيران، هذا فضلاً عن مشكلة الحدود بينها وبين العراق .
شرقنا هذا مرت عليه أحداث وحروب عديدة، لكن الحرب العالمية الأولى طبعته بطابع خاص ورسمت مستقبله وعدم استقراره .

كاتب – باحث سياسي