بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الثاني 2020 08:13ص الصراع الأميركي - الروسي على النفط والغاز في ميزان الحراك

حجم الخط
عندما بدأت ثورة 17 تشرين الاول 2019، استبشر الفقراء، الأغلبية الساحقة من ابناء وطني خيرا، خصوصا لناحية استرداد الأموال المنهوبة وتحرير رغيفهم ولقمة عيشهم من زنازين المحاصصات الطائفية، وخفض الضرائب الباهظة على المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.

 واليوم وبعد مضي حوالى ثلاثة اشهر على بداية الثورة لم يتمكن القيّمون عليها بحذف الطبقة السياسية الفاسدة من الوجود، والمعضلة تكمن بأن الوضعين الاقتصادي والمعيشي في لبنان، بدءا يطلقان صرخات وصيحات الاستنجاد لإقالة عثرتهما لكي يعود الاعتبار لهما، ويلتقطا الانفاس ويتنفسا الصعداء، فرفض الحوار مع حكومة تكنوقراط تتواجد فيها شخصيات تكنوقراطية من الطبقة السياسية، او حكومة تكنو سياسية او حكومة سياسية، ما زال سيد الموقف. 

فمطلب الثوريين يستمر بتضييق الخناق على كل الحلول، ولسان حاله يفرض حروب الغاء على الجميع، ويذهب بعض القيمين على الثورة الى المطالبة بالسفير نواف سلام كرئيس للحكومة، وهي الشخصية التي ترفضها احزاب الثامن من آذار لأسباب سياسية كما تقول. اما شخصية الدكتور حسان دياب فهي ايضا مرفوضة بالنسبة اليهم لأنها مقرّبة من احزاب الثامن من آذار كما يقولون. وكأنّ القيمين على الثورة يتجاهلون بأن الصراع في لبنان صراع سياسي حاد بامتياز، بين موسكو وواشنطن على امور ثلاث النفط اللبناني، والغاز اللبناني، والنفوذ داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية. 

من هنا بات واجبا علينا التمييز بين الثوار الفقراء الذين لا يستطيعون كشبان وشابات اكمال نصف دينهم، وولوج القفص الذهبي، ليكونوا فلذات كبد الحياة اولا واخيرا، والبعض الآخر منهم أرغم على اجتراع الكأس المرة، ابغض الحلال الطلاق، جراء البطالة والضيق المادي، والبعض منهم افترشوا الساحات، لأن احد اقربائهم عمد الى انهاء حياته بنفسه نتيجة اجتياح القنوط الحاد، وقديما قال احد الحكماء، المنتحر جبان لانه فرّ من الحياة، التي يستحقها، وبين القيمين على الحراك الذين على ما يبدو، ووفق ما تبين انهم يخوضون حربا سياسية ضروسا مع فريق سياسي لبناني منتم الى محور معيّن. 

فموقع The grey zone الأميركي، قال ان الولايات المتحدة الاميركية تدعم الثورة اللبنانية، لتنفيذ سياستها ضد حزب الله، فضلا عن انه وبتاريخ 29 تشرين الثاني 2019، قال وزير الخارجية الاميركية، مايك بومبيو ان الاحتجاجات اللبنانية تعتبر تحركا شعبيا ضد نفوذ ايران في لبنان، بينما قال السفير الاسبق فيلتمان، ماذا لو استغلت روسيا موانئ لبنان، الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية، وفازت علينا، في شرقي وجنوب المتوسط؟ وكانت صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية قد اكدت بتاريخ 16 تشرين الثاني 2019 أن وثيقة اسرائيلية اميركية وصلت الى الرئيس ميشال عون، وقد نشرها في حينها ايضا موقع Geopolitics Albert في شهر نيسان المنصرم، تضمنت تهديدا بإيقاع لبنان في اتون الفوضى والحرب الاهلية، اذا لم يتم تحجيم حزب الله. والمعلوم ان القيمين على الحراك معظمهم من المناوئين سياسيا لفريق الثامن من آذار المؤيد لمحور موسكو دمشق طهران بكين. 

وهنا لست في صدد اتهام القيمين على الثورة بالعمالة لأحد، لكن على ما يبدو هنالك جوامع مشتركة ضد محور موسكو. وبالعودة الى الوراء اي منذ 11 شهرا، أذكر بأن اوساطا اميركية قالت بتاريخ 22/2/2019، ان واشنطن لن تتخلى عن لبنان وان انسحبت من سوريا. وكانت السفيرة الاميركية اليزابيث ريتشارد قد قالت للرئيس نجيب ميقاتي، أن واشنطن قلقة من تنامي نفوذ حزب الله في لبنان، ومن غير المسموح بعد اليوم تمادي الحزب بالدخول الى كل الملفات اللبنانية، كما انّ مصادر اميركية كانت قد قالت حينها، بأن الضغوط الاميركية ستزداد على لبنان لأن حزب الله بات يمتلك صواريخ دقيقة، وهذا يتخطى قواعد توازن الرعب القائم، كما ان قضية ترسيم الحدود هي من الأولويات الأميركية. 

اما موقع ايلاف العربي، فقد قال بتاريخ 17 تشرين الثاني 2019، اي بعد انطلاقة الثورة اللبنانية، بشهر واحد بأن الخطورة ستزداد كثيرا على تلك الثورة الرائعة والراقية، جراء قرارات ايرانية روسية تعتزم اجهاضها لتنصيب حزب الله الوكيل الأوحد على الاستقرار في لبنان، ويختم الموقع قائلا لقد ابلغت القيادة الايرانية الروس بأنها ستعيد لبنان الى الحياة الطبيعية حتى ولو بالقوة.

واشير الى ان شبكة سبوتنيك الروسية وبتاريخ 22/11/2019 كانت قد قالت ان واشنطن وبريطانيا وفرنسا، اشترطت على لبنان من اجل تقديم المساعدات المالية له تنفيذ شروط متعلقة بترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، بما في ذلك اشكاليات حول المناطق النفطية والغازية المتنازع عليها. بناء على هذا المقتضى يمكن القول، بأن موسكو تخوض حربا مع واشنطن على الساحة اللبنانية ليكون لها حصة الأسد في الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز، كما تريد الحلول في دعم المؤسسة العسكرية مكانها، وهذا يجعلني اذكر بأن مجلة نيوزويك الأميركية كانت قد تساءلت بتاريخ 8 أيار 2018 اي قبل سنة وثمانية اشهر عما اذا كانت موسكو ستوطد نفوذها في لبنان، بعد ان انتصرت في سوريا، عبر الحلول مكان اميركا في تسليح الجيش اللبناني.

 وبالفعل فقد بدأت محاولة الاطاحة بالنفوذ العسكري الاميركي داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية، عندما نقلت وكالة نوفروس الروسية عن قيادة الجيش الروسي بتاريخ 26 كانون الأول 2017 بأن موسكو طرحت على لبنان شراء اسلحة روسية يتم تسديد ثمنها، في غضون مدة 15 سنة ومن دون فوائد وأهم تلك الأسلحة 400 دبابة من طراز تي 72 وطوافات عسكرية متطورة قادرة على اطلاق صواريخ وإصابة الأهداف بدقة، و40 طائرة ميغ رفضها لبنان إبان تولي الوزير الياس المر وزارة الدفاع، و 600 ناقلة جند قادرة على نقل 6000 جندي دفعة واحدة الى اي نقطة في لبنان، في ظرف ساعتين من الزمن و6 بوارج حربية بطول 80 مترا للبارجة مجهزة بالصواريخ والمدافع، و150 الف بندقية كلاشنكوف موديل 2016، وقد افاد الموقع الصادر عن قيادة الجيش الروسي «موقع نوفروس» بأن الرئيس بوتين استاء جدا من رفض لبنان الهبة العسكرية الروسية، بسبب انصياعه الى الضغوط الأميركية.

ويبدو ان موسكو تريد ان تبني جيشا لبنانيا قويا بأسلحتها على ان تستمر ايران بتسليح حزب الله، بينما تهدف واشنطن الى بناء جيش لبناني قوي بأسلحتها شريطة ان تعمد الدولة اللبنانية الى تحجيم حزب الله عسكريا، أو ربما نزع سلاحه بالكامل. ويشرح مسؤول اميركي بتاريخ 29/12/2019 استراتيجية السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، فيقول ان استخراج الغاز في الشرق الاوسط، يمنح اوروبا فرصة ذهبية للاستغناء عن الغاز الروسي، فكانت ردة الفعل الروسية الاستثمار في حقلي النفط والغاز اللبنانيين، وهي تسعى الى تأجيج الصراعات في حوض المتوسط، خصوصا بين لبنان واسرائيل لأنها تسعى الى السيطرة على النفط والغاز في حوض المتوسط بمفردها. 

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قد قال بتاريخ 10 كانون الأول 2019 بأن الاحتجاجات في لبنان والعراق احدثت هزة ارضية وشكلت ارضا خصبة لاضعاف اعداء اسرائيل، كما ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق غادي ايزنكوت قال في اليوم عينه، في كلمة القاها في معهد ابحاث الأمن القومي في تل ابيب ان المواطنين اللبنانيين يخرجون الى الشوارع ليواجهوا عناصر حزب الله، وهذا عمل رائع او فرصة متاحة لإعادة لبنان الى اللبنانيين، وإخراجه من مرمى حجر عن الحدود البرية مع اسرائيل، وهنا يظهر الخوف الاميركي الغربي الاسرائيلي من امكانية خلافة روسيا للمعسكر السوفييتي الاشتراكي وسيطرتها على مقاليد الأمور في لبنان.

وأختم بالقول، حريّ بالفقراء والمساكين المستقلين وغير المنضوين تحت سقف أحزاب، المساعدة في تشكيل حكومة في اقرب وقت ممكن والابتعاد عن لعبة المحاور والصراعات، وتشكيل لجان منبثقة عنهم، للشروع الفوري في الحوار المجدي المفضي الى استعادة حقوقهم المكتسبة للقيام بواجباتهم تجاه وطنهم على قاعدة بما ان حقوقي تصلني عليّ القيام بواجباتي.