بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2020 12:02ص الطائف يُنهي حفلات الجنون واغتيال الرئيس الحريري يعيد البلد إلى مآزقه

الحوار اللبناني - اللبناني 1943 - 2020: وطن على حد الأزمات (3/4)

اتفاق الطائف عام 1989: وكان الحل العربي اتفاق الطائف عام 1989: وكان الحل العربي
حجم الخط
الدعوة إلى الحوار هي الشعار الدائم في لبنان منذ ان كان صغيرا، وبعد ان صار كبيرا ظلت الدعوة الى الحوار هي الشعار الذهبي، حتى ليبدو الامر وكأننا ما نزال نعيش في وطن قيد التأسيس. 

وعليه، عندكل ازمة ومنعطف كانت الدعوة: هلموا الى الحوار.. وكانت أيضا الدعوات إلى اللقاء والوحدة.. والحوار والتفاهم الخ... هكذا اطلق الرئيس صائب سلام يوما شعار: «التفهم والتفاهم «و» لبنان واحد لا لبنانان»، وعليه اطلقت شعارات: التلاقي الوطني والتفاهم الوطني وشعارات وفلسفات مختلفة على نحو: «العيش المشترك، التعايش الوطني، والتوازن الوطني «وهلم جرا من شعارات ودعوات، فيما كان وما زال المطلوب بكل بساطة الخروج من ذهنية المصالح الخاصة والتحاصص السياسي والمذهبي و الطائفي وتوزيع المغانم. 

منذ 1975 حتى 1989 شهد لبنان الكثير من الحروب والأزمات والحوارات التي لم تضع حدا لمعاناة اللبنانيين، إلى أن جاء الحل المنتظر من العرب، ففي 23 آذار 1989 عقد مؤتمر القمة العربية غير العادية في الدار البيضاء، وكان واضحاً من انعقاد هذا المؤتمر ان قرار إنهاء الأزمة اللبنانية قد اتخذ ووجب اقفال ملفها نهائياً، وجاء في مقررات القمة انه تقرر تشكيل لجنة عربية ثلاثية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والملك المغربي الحسن الثاني، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد مهمتها مساعدة لبنان على الخروج من أزمته وإنهاء معاناته الطويلة، وإعادة الاوضاع الطبيعية إليه وتحقيق الوفاق الوطني بين أبنائه ومساعدة الشرعية اللبنانية القائمة على الوفاق وتعزيز جهود الدولة اللبنانية لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وبسط سلطة الدولة اللبنانية كاملة على جميع التراب اللبناني بهدف حماية امتها واستقرارها بنوابها وسلطتها الفعلية ومؤسساتها المركزية على كامل التراب اللبناني، تمهيداً لإعادة إعمار لبنان وتمكينه من استئناف دوره الطبيعي ضمن الاسرة العربية. وهكذا باشرت اللجنة العربية عملها وأوفدت الاخضر الابراهيمي لبدء المساعي والاتصالات مع كل اطراف الازمة اللبنانية، فأصدرت في مطلع شهر ايلول 1989 قرارات بدعوة النواب اللبنانيين الى الاجتماع في الطائف في الثلاثين من شهر أيلول 1989، بعد أن أعلنت وقفاً لإطلاق النار ورفع الحصار البحري المتبادل وفتح مطار بيروت الدولي والإشراف على وقف إطلاق النار. في 17 أيلول وصل الابراهيمي وبدأ مساعيه وكان مؤتمر الطائف الذي انتج وثيقة الوفاق الوطني. 

زلزال 14 شباط 2005 وحوار مجلس النواب

إذا كان اللبنانيون ظنوا ان اتفاق الطائف حمل نهاية ازماتهم وانقساماتهم، لكن حلمهم خاب، أمام المأزق الذي اخذت تدخل به البلاد منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، واتساع شقة الخلاف بين اللبنانيين، بحيث باءت كل المبادرات لرأب الصدع الآخذ بالتوسع بالفشل، في وقت لم تتمكن المحادثات الثنائية من الوصول الى أي حد من التفاهمات التي يمكنها ان تلجم التدهور السياسي الخطير، كان واضحا ان الانقسام العربي الحاد ينعكس بثقله على النزاعات اللبنانية، وإن كانت تحت شعار وحماية ومساعدة لبنان، فيما التدخلات الدولية وخصوصا الأميركية والفرنسية تزيد الانقسامات حدة وتهدد بأوخم العواقب، وبدا ان البلد يتجه بسرعة نحو الفتنة، هنا ابتدع الرئيس نبيه بري الحوار الوطني الذي ضم 14 طرفا سياسيا برئاسة 14 قطبا لبنانيا، واعتبار أن كل كتلة نيابية مؤلفة من أربعة نواب، يحق لها المشاركة، وقد أطلق عليهم الرئيس بري أثناء الدعوة الى الحوار «باب أول»، وكل قطب جاء بالطبع بمعاونين ومستشارين فبلغ عدد الحضور على طاولة الحوار 42 شخصا في الطبقة الثالثة من المجلس النيابي، وكان لافتا انه مع اليوم الأول للحوار الوطني في الثاني من آذار 2006، مغادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى واشنطن في زيارة طويلة، بعد أن حضر جلسة الافتتاح للمؤتمر، حيث شن من العاصمة الأميركية حملة واسعة طالت الجميع، مؤكدا بعد كل لقاء مسؤول أميركي موقفه من ضرورة تنفيذ القرار 1559، واستقالة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود وإنهاء دور المقاومة، وهو ما كان له صداه داخل المؤتمر. 

يذكر أن رئيس المجلس النيابي كان قد حدد اعمال المؤتمر على النحو الاتي: 

{ موضوع التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومتفرعاته أي: 

- لجنة التحقيق الدولية 

- المحكمة الدولية 

- توسيع صلاحيات لجنة التحقيق. 

{ موضوع القرار 1559 ومتفرعاته:

موضوع العلاقات اللبنانية -  السورية ومتفرعاته ٍ. 

وبعد أسبوع من الحوارتخلله عطلة ليوم واحد اتضح ان الحوار لا يسير على النحو الذي يأمله اللبنانيون، بالرغم من التصريحات المتفائلة التي صدرت عن الأطراف، فأعلن الرئيس نبيه بري عن تأجيل الحوار أسبوعا. 

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس بري في خلاصة هذه الجولة، حاول ان يرطب الأجواء ويوحي أن الأجواء كانت إيجابية من اجل أن يواصل المؤتمر اعماله التي تقرر استئنافها في 14 اذار. 

وفي نهاية جولة الحوار في 14 آذار أعلن الرئيس بري تأجيل جلسات الحوار إلى 22 آذار وحدد ما توصل إليه المؤتمرون على النحو الآتي: «تعلمون انه في الثاني من آذار في بداية الحوار انتهى ذلك اليوم بإعلان أن المتحاورين أجمعوا على موضوع الحقيقة ومتفرعاتها في ما يخص الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي أقرّ موضوع لجنة التحقيق الدولية، وموضوع المحكمة الدولية، وموضوع توسيع مهمات لجنة التحقيق. بعد ذلك، وعلى مدى أيام عديدة بينها أمس واليوم، توصل المتحاورون إلى إجماع وتوافق تامّ على مواضيع عدة لا تقل أهمية في ما يتعلق بالموضوع الوطني عما سبق أن أقرّ».

في الموضوع الفلسطيني، انطلاقاً من وثيقة الوفاق الوطني وما نصّت عليه تحت عنوان بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية، والتزاما بمضمونها، وبعد تأكيد ضرورة احترام الفلسطينيين لسلطة الدولة والتزام قوانينها ورفض التوطين ودعم حق العودة للإخوة الفلسطينيين، اتفق المجتمعون على ما يأتي: 

أولاً: حثّ الحكومة اللبنانية على متابعة جهودها في معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والإنسانية بالنسبة الى الفلسطينيين داخل المخيمات والفلسطينيين المقيمين خارجها في لبنان، مع ما يقتضيه ذلك من تسهيلات قانونية ومن متابعة جادة لدى المجتمع الدولي وتحمّل مسؤولياته لتأمين العيش اللائق الكريم للفلسطينيين الى حين عودتهم الى ديارهم.  

ثانياً: بناء على قرار مجلس الوزراء في موضوع معالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتزامه لجهة إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في مهلة قدّرها ستة أشهر، ومعالجة قضية السلاح داخل المخيمات مع تأكيد مسؤولية الدولة اللبنانية والتزامها حماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء، التزام المجتمعون العمل الجدي لتنفيذ ما ورد أعلاه ودعم جهود الحكومة للتوصل الى ذلك من طريق الحوار.  

ثالثا: اعتبار الفقرة الواردة في مقدمة الدستور لجهة ان لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، جزءاً من ميثاق العيش المشترك، وقد نصت الفقرة «ي» من الدستور على ان لا شرعية لأي سلطة تناقضها». 

أضاف الرئيس بري: «أما في موضوع العلاقات اللبنانية السورية، انطلاقا مما ورد في مقدمة الدستور، لجهة ان لبنان الوطن السيد الحر المستقل عربي الهوية والانتماء وما تكرس في وثيقة الوفاق الوطني الطائف لجهة العلاقات المميزة التي تقوم بينه وبين سوريا والتي تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وبعد تأكيد ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدين في شتى المجالات بما يحقق مصلحتهما في إطار سيادة كل منهما واستقلاله، اتفق المجتمعون على ان تنمية هذه الروابط تقتضي إرساءها على قواعد ثابتة وواضحة تؤدي الى تصحيح ما شاب هذه العلاقات من خلل. 

أما في ما يتعلّق بمزارع شبعا، فأجمع المتحاورون على لبنانية المزارع، وأكدوا دعمهم للحكومة في اتصالاتها لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتحديدها وفق الإجراءات والأصول المعتمدة لدى الامم المتحدة. 

 وبقي موضوع رئاسة الجمهورية،  حيث أجمع المتحاورون على وجوب مناقشة الموضوع لمعالجة أزمة الحكم القائمة في البلد.  

 كذلك في ما يتعلق بسلاح المقاومة لا يزال هذا الأمر قيد النقاش. ومن أجل ذلك ومن اجل أمور أخرى أيضاً لا تزال في حاجة الى علاج، أرجئت الجلسة الى الاربعاء في 22 الجاري». 

الأجواء ليست على ما يرام 

 وفي الموعد المحدد عقدت الجلسة الحوارية الجديدة، وكان واضحا منذ بدايتها أن الأجواء ليست على ما يرام بالرغم من محاولات إظهار الأمور على عكس ذلك، وهنا كان تأجيل جديد لمتابعة الحوار إلى الاثنين 27 آذار، حيث كان هناك جلسة قصيرة لم تتجاوز الساعتين ونصف الساعة، أعلن في ختامها الرئيس بري تأجيل الحوار إلى الثالث من نيسان 2006 لمتابعة البحث في الملف الرئاسي، التي بدورها لم تتوصل إلى اتفاق حول مسألة الرئاسة، وخصوصا ان تداعيات الانقسام في قمة الخرطوم، ألقت بظلالها على المناخ السياسي العام في البلاد، وهنا عمل الإطفائي الرئيس بري على تبريد الأجواء بتأجيل الحوار الى يوم الجمعة 28 نيسان 2006، حيث شهدت هذه الجلسة نقاشا طويلا حول مسألة الرئاسة، فطرح فريق 14 آذار استقالة الرئيس إميل لحود. 

في الفترة الفاصلة بين 3 نيسان و27 نيسان كان قد حصل المزيد من السجالات بين مختلف الافرقاء، لم تخلُ من الحدة، ولذلك كانت جلسة الحوار هذه حافلة بالعتاب انتهت إلى توضيحات من هنا وهناك، ليفاجئ الرئيس بري الجميع بسؤال، ما إذا كان عند أي طرف اشكالية ما حول القرارات السابقة المتفق عليها، منذ الجلسة الأولى للحوار، كمسألة المحكمة الدولية والعلاقات اللبنانية -  السورية والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات.. فلم يسجل احد أي ملاحظة، وهنا نقل الرئيس بري الحوار إلى الموضوع الرئاسي، مؤكدا أن هناك رئيس جمهورية موجود، ونحن لسنا في صدد إجراء انتخابات ولذلك يجب ان ينطلق النقاش من هذه النقطة بالذات، أي يجب وجود توافق، فهذا الاستحقاق لا يتحول الى استحقاق لبناني إلا من خلال التوافق. 

وحسم رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون باعلانه ترشيح نفسه للرئاسة، مما جعل الجميع يدخلون في صلب الموضوع، لكن بطريقة غريبة، بإعلان فريق 14 آذار ان لهم أيضا مرشحيهم ومنهم: نسيب لحود، بطرس حرب، نائلة معوض، شبلي الملاط وغيرهم... وتراوحت النقاشات بين الحدة والهدوء، وتوسعت مروحة الاتهامات، وبالتالي لم يتفق قادة الحوار حول الموضوع الرئاسي، فاتفق إذا جاز التعبير على الخلاف على هذا الموضوع، لتصبح هذه النقطة خارج طاولة الحوار الرئيسية، وتم تأجيل الحوار إلى 16 أيار. 

بعد تنظيم قادة الحوار خلافهم حول مسألة الرئاسة لم يبق على طاولة الحوار سوى سلاح المقاومة، حيث طرح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعد ان ادلى عدد من المتحاورين بدلوهم في هذا المجال، مطالعة استعرض فيها نشوء المقاومة وتطور دورها وعملها وانجازاتها، سائلا: من يحدد العدو ؟وهل إسرائيل عدو أم لا ؟

كانت مداخلة السيد نصرالله طويلة، اعلن خلالها ان المقاومة ستتخذ كل التدابير من اجل اطلاق الاسرى اللبنانيين في سجون العدو بما فيها أسر جنود صهاينة. 

بعد مطالعة السيد نصرالله طلب الجميع مهلة، وعلى ذلك حدد الموعد الجديد للحوار في 8 حزيران 2006، لكن هذه الجلسة ر لم تسفر عن أي نتيجة سوى الاتفاق على هدنة إعلامية ليؤجل الحوار الى 29 حزيران، فكان كل ما توصلت اليه هذه الجلسة هو تشخيص للعدو ليس الا. 

وكانت نهاية الحوار 

وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده مدير الحوار الرئيس نبيه بري في نهاية هذه الجولة ( التاسعة)، اكتفى بوصف المناقشات بأنها كانت جيدة ومطمئنة، معلنا رفع الحوار الى 25 تموز لاستكمال البحث في الاستراتيجية الدفاعية. لكن هذه الجلسة لم تعقد بسبب اندلاع حرب تموز 2006، بعد ان تمكنت المقاومة من أسر جنديين إسرائيليين في 12 تموز، حيث استمرت هذه الحرب لمدة 33 يوما، ليعلن مبتدع الحوار الرئيس نبيه بري في 25 تشرين الأول، عن اطلاق طاولة التشاور في 6 تشرين الثاني الذي انتهى من دون أي نتيجة وبخلاف واسع أدى الى استقالة الوزراء الشيعة الخمسة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ومعهم الوزير يعقوب الصراف.