بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 أيلول 2021 12:02ص الطبيعة لا تقبل الفراغ

حجم الخط
منذ نجاح الثورة الإيرانية في سنة 1979 وإستلام زمام الأمور والسلطة في البلاد، رفعت السلطة الإيرانية الجديدة شعار تصدير الثورة إلى الخارج، فكان الحائط الأول الذي اصطدمت به الإيديولوجيا الجديدة هي البوابة الشرقية المتمثلة بالعراق وصدام حسين المدعوم من دول الخليج أنذاك، حينها وقعت اطول حربٍ في العصرالحديث، حينها خرج العراق من هذه الحرب متعب ومفلس، ولكن هذه البوابة فُتحت وخلع للتوغل الايراني عندما سقط النظام سنة 2003، ذلك السقوط بدعم خليجي فسح وفتح شهية إيران بالتغول في العمق العربي وتحقيق نظرية الهلال الإيراني، فأصبحت الطريق معبدة من طهران إلى بيروت دون اي عوائق حقيقية، الإ أن هذا الحلم لم يكتمل كما تمنته ايران، ففي سنة 2011 قامت ثورة في سوريا كادت أن تنهي ذلك الحلم ولكنها قُمعت بالحديد والنار.

ليس هناك اي فراغٍ في هذا الدينا إلا وسوف يُملىء من طرفٍ معين، وهذه فطرة وسنة كونية، حتى الكون نفسه ووسعه الذي لا يستطيع ان يتصوره عقل البشر فهو ليس الفضاء الذي كنا نطنه في السابق، فهو مساحة هائلة المليء بالغازات والمجرات والنجوم ، كذلك الحال في السياسيات والتجاذبات الدولية، ففي الشرق الأوسط وخصوصًا الهلال الخصيب، منذ إنتهاء المشروع القومي والناصري، لم يأتي أي مشروع عربي آخر يملئ الفراغ الحاصل في المنظومة العربية السياسية القادرة على مواجهة الاخطار المحدقة بنا من كل جنبٍ وصوب، فهذا الفراغ سهّل مهمة الإيراني كي يبدأ يتوسع في مشروعه وثقافته التي في ظاهرها الإثنا عشرية وفي باطنها العقيدة الشعوبية والفارسية عدوة العربية منذ فجر التاريخ، لم تدرك الدول العربية وعلى رأسها الدول الخليجية حجم الخطر الداهم والقادم من الشرق وهذا ما حذر منه الراحل الملك الأردني حسين الذي تكلم عن الهلال الشيعي، فالعرب والدول الخليجية لم تلقي بالًا لهذا الخطر وأعتمدوا على الأميركي الذي ساهم في تحويل إيران إلى شرطي المنطقة وعزز الصراع الطائفي بين السنة والشيعة وكانت أولى نتائجه في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.

بعد صدمة نيكسون وانتهاء اتفاقية بريتن وودز ونكسة الدولار عالميًا، سارع هنري كيسنجر إلى الذهاب إلى الراحل الملك فيصل طارحًا فكرة البترودولار التي تنص على ربط بيع النفط بالدولار مقابل حماية أميركية للمملكة وأمنها، ولكن أين هي حماية الأميركيين في حادثة أرامكو وصواريخ الحوثيين وحرب اليمن وغيرها من أحداث؟ لا بد لنا ان نستذكر وعود الانكليز للشريف حسين بإقامة مملكة عربية وفي نفس الوقت كانت سايكس بيكو ووعد بلفور قيد التخطيط والتنفيذ، مثال الوعود الانكليزية للشريف حسين هي وعود الاميركي للدول العربية والخليجية، الفراغ السياسي العربي أعطى لإيران الضوء الأخضر، فسقطت بغداد ودمشق وصنعاء واليوم بيروت باتت بين قوسين أو أدنى من السقوط العلني.

ما تقوم به ايران هو طبيعي جدًا، فكل دولة تسعى لفرض ثقافتها وتتوسع على حساب الاخرين وهي ضمن سنة التدافع وصراع الحضارات والثقافات والايديولوجيات، ولكن بالمقابل أين هو المشروع والحاضن العربي الذي يجب أن يكون دوره مواجهة كل الأخطار الخارجية مثل المشروع الصهيوني والفارسي وغيره؟  كل فراغٍ تتركوه سوف يحل محله مشروعٍ اخر، نحن نحتاج إلى مشروع يعيدنا إلى الخارطة الحضارية في العلوم والتنكولوحيا والتنوع الثقافي والمؤسسات السياسية التي بدورها سوف تنتج أجيالٍ مسلحة بالعروبة والإيمان، نحتاج إلى مشروعٍ يستنهض الشباب اليائس والمتعب من كاهل الحياة والذي يسعى إلى الهروب من واقعه ويهاجر ويبيع قدراته وذكائه بأرخص الأثمان.

ليس الحل بمعاقبة الشعب اللبناني وعدم مساعدته، فالسلطة والاحزاب لا تمثل الشعب كله، فالشعب اليوم يحارب الاحزاب والسلطة الجائرة بكل طاقته، فإن تركه وحيدًا هو ظلمٌ له، كما أن تركه وحيدًا يعني إرتمائه في الحضن الإيراني ُمكرهًا عنه، فالسفينة الايرانية المحملة بالنفط هي بداية إعتبار لبنان محافظة إيرانية كما حصل لسوريا والعراق واليمن، ودخوله بشكٍل رسمي في المشروع الفارسي، فاللبناني جائع ومقهور ولم يعد قادرًا على أن يتحمل، والحل هو بدعمه للمواجهة وليس الانكفاء عنه، فالفراغ سوف يأتي من يملأه.