وأرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة التشريعية للثلاثاء المقبل. جلسةٌ محمّلة بقوانين (محقّة): قوانين لمكافحة الفساد، مكافحة الجرائم المالية، قانون لضمان الشيخوخة وهي بمثابة القوانين (الطُّعم) لالهاء المتظاهرين والسعي لامتصاص غضبهم. لكن القانون المعجّل المكرّر الذي كان مدرجًا على طاولة مجلس الوزراء قبل الاستقالة وتعذّر على الحكومة تمريره والذي يشكّل هدف الجلسة التشريعية هو قانون العفو العام ذات المسوّدة المرعبة. وفقًا لهذه المسوّدة، هذا القانون يشمل المحكومين بجرائم مخدرات، اتجار، تهريب وترويج ويبلغ عددهم حوالي ثلاثين ألف محكوم.
كما يشمل تخفيض عقوبة الاعدام الى اشغال شاقة لمدة ٢٥ سنة، اما في ما يتعلق بالموقوفين الاسلاميين وهم المحكومون بقتل وخطف مدنيين وعسكريين واقتناء متفجرات.. ورغم تأكيد الرئيس بري ان القانون لن يشملهم الا ان مشروع اللجنة الوزارية يؤكد شمولهم بالعفو العام. ولتسليط الضو على هذا القانون، كان لـ "اللواء" حديثٌ مع المحامية رولا ابو شبكة المتخصصة في حقوق الانسان والتحكيم التي قالت: العفو العام و بحسب قانون العقوبات اللبناني هو العفو الذي تصدره السلطة التشريعية أي مجلس النواب لإزالة الصفة الجرمية عن أفعال جرمية ويمحو كل أثر من الآثار المترتبة عليها بمقتضى القوانين النافذة فيصبح الفعل كأنه لم يُجرَّم أصلًا. لكن يجوز أن يشمل العفو العام تخفيض للعقوبات في حين تبقى الجريمة قائمة. عادة يشمل قانون العفو جرائم محددة وقعت في فترة زمنية محددة قبل صدوره أي أثره رجعي ويستثني جرائم أخرى.
فمن الناحية العملية، العفو هو كالبراءة يؤدي الى الافراج عن المحكوم عليهم فور صدور القانون، ويستعيد المحكوم عليهم أهليتهم وحقوقهم التي فقدوها بموجب الأحكام الصادرة بحقهم وتُشطب الأحكام من سجلهم العدلي دون حاجة الى إعادة الاعتبار. لكن قانون العفو لا يشمل التدابير الاحترازية والتدابير الاصلاحية إلا إذا نصَّ قانون العفو صراحة على ذلك، ولا ترد الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة.
اما في ما يتعلق بايجابيات وسلبيات قوانين العفو، تابعت أبو شبكة لها أهداف معينة وأسبابها الموجبة، لكن العفو بشكل عام يخرق مبدأ سيادة القانون والمساواة أمام القانون والعدالة الاقتصادية لضحايا الجرائم المشمولة بالعفو.
والعفو العام يكون سلبياً عندما يأتي من السلطة التشريعية كمحاولة لإسترضاء الشارع أو بحثاً عن شعبوية أو لإستعماله للمقايضة السياسية أو لتمرير قوانين أخرى.
و يكون إيجابياً وعنصراً مشروعاً من عناصر النظم القانونية عندما يتم إقراره بحكمة وبعد دراسة متأنية، كونه يؤدي بهذه الحالة الى تمكين المجتمع المحلي من التعافي من الجروح التي خلفتها الحرب والى التشجيع على المصالحة وإحلال السلام.
واضافت: هطا القانون يُمنح في أغلب الحالات عن أفعال جرمية ارتُكبت أثناء نزاع مسلح.
وهذا في الواقع يخالف القانون الدولي الإنساني الذي يُلزم الدول بملاحقة الإنتهاكات الخطيرة والتحقيق في جرائم الحرب ومعاقبة المرتكبين والحرص على عدم الإفلات من العقاب.
لكن لا يشترط في العفو العام ان يشمل جميع الجرائم المرتكبة أثناء الفترة المشمولة بالعفو ومن الممكن ان ترد استثناءات وغالبا ما تستثنى الجرائم التي تضر بهيبة الدولة مثل الإرهاب والتجسس والخيانة والجرائم الخطيرة مثل القتل القصدي و المخدرات.
لا يجب الخضوع الى الابتزاز أو المقايضة بين السلم والعدالة فهما لا يتناقضان بل يتكاملان. يمكننا فهم مبدأ العفو عندما يطال سجناء الرأي مثلاً أو عندما يهدف الى معالجة خلل تشريعي أو رفع ظلم كحالة العفو الخاص عن يوسف شعبان، لكن لا يمكن فهم العفو عن جرائم مالية أو فساد أو جرائم جنائية تطال حقوق الضحايا.
وختمت أبو شبكة: صدرت عدة قوانين عفو عام في لبنان منذ العام ١٩٥٨ لكن أبرز قانون عفو عام هو القانون الصادر في العام ١٩٩١كونه جاء عقب انتهاء الحرب الأهلية ومنح العفو عن الجرائم المرتكبة طيلة فترة الحرب أي منذ العام ١٩٧٥لغاية العام ١٩٩١. لم يكتف هذا القانون بالعفو المذكور بل أعطى الحكومة سلطات استثنائية لمدة محددة لإصدار عفو خاص له مفعول العفو العام عن كل شخص محكوم أو ملاحق بالجرائم المستثناة من قانون العفو.
هناك مآخذ كثيرة على هذا القانون لكن أبرزها أنه أرسى مبدأ الإفلات من العقاب دون أن يرسي أسس المصالحة الوطنية والسلام المستدام بين اللبنانيين ودون أن يأخذ بعين الاعتبار حقوق الضحايا. لذلك، بقيت ذاكرة الحرب قصص فردية ومسيّسة يرويها كل طرف من منظاره، ما يعيد الى أذهاننا عند كل أزمة وطنية شبح الحرب الأهلية. لا يجوز أن تمنع قوانين العفو من الحق في معرفة الحقيقة، وهو حق جماعي وحق فردي غير قابل للتصرف".