بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 كانون الأول 2022 12:00ص العيد والإنسان... ومهنة الدموع

حجم الخط
مخطئ من يعتقد أن السعادة تسكن في الجيب أو الحقيبة أو في دفتر التوفير المصرفي، إنّ السعادة تسكن في لحظات زيارة الابتسامة والسعادة في قلوب الفقراء والمرضى والمتروكين والمنقطعين، الذين لم يجدوا من يتشاركوا معه الابتسامة في زمن بعيد.
في زمن العيد حين يجتمع الأغنياء على موائد الكؤوس حيث الصيحات والزغاريد وصخب الموسيقى. يدفأون ويسكرون ويبذّرون أموالهم، يكون في مكان آخر من العالم فقراء على موائد الخبز اليابس والكؤوس الفارغة حيث الصمت والدموع وضجر الانزواء يرتجفون من البرد والصقيع. لان لا مال يكفيهم بشراء لهم وسيلة التدفئة.
هؤلاء المتروكون في مكان آخر، هم الذين أنجبوا وربّوا وجاعوا ليطعموا أولادهم، ومرضوا ليجعلوا من أطفالهم أحياء وسهروا لينام مرضاهم. وحين كبر بعض الأولاد انكروا آباءهم وأمهاتهم والذين رحموا أهلهم من هؤلاء أودعوهم المآوي والملاجئ حيث هناك يبدأ العد العكسي لمغادرة عالمنا المظلم الظالم، الذي جعل منهم وسيلة إنجاب وأوعية تُرمى عندما تفرغ من الزيت.
هل فكر بعضهم ليلة العيد وهم مع عائلاتهم يشربون ويسكرون ان هناك في المآوي أمّهات وآباء يحملون المسبحة الى طفل المغارة والعائلة المقدّسة والصلاة على نيّة أولادهم في ليلة العيد؟! فيما هم بين جدران أربعة ونافذة صغيرة يتأملون منها الليل ولون البرق وصوت الرعد وقد تكون ليلتهم الليلة الأخيرة في حساب روزنامة العمر القصير؟!
غفر لهم ربي فهم لا يدرون ماذا يفعلون، ألم توصينا باكرام الأب والأم؟! فنحن نكرم بطوننا وملذاتها وأحشاءنا النتنة، وننسى ان لنا أهلا ذابوا لينيروا ليالينا السوداء، فعلى الأقل اهدنا لنتذكرهم ليلة العيد، وتكون معهم تحتضنهم ونشرب معا كأس العيد الحقيقي، الذي فيه نقول لطفل المغارة: شكرا، فنحن مثلك في هذه الليلة مع عائلتنا، نحتفل بذكرى ميلادك فتولد الحقيقة، ولا عيد من دون الإنسان، والإنسان فيما يعمل الجميع إلى إنارة الطرقات وإضاءة الأشجار ونشر زينة الميلاد لاستقبال العام الجديد بالبهجة والأفراح. نعود إلى وطننا لنلتقي بشوق وفرح أحبابنا اللبنانيين ومعهم نمضي عطلة الأعياد فتستقبلنا غصّة وتسبقنا دمعة من طريق المطار حتى نهر الموت، أطفال لا تطال رؤوسهم نوافذ السيارات، وهم «يتعمشقون» بأبوابها عند إشارة السير ويستجدون القروش البيضاء من المارة علّهم يشعرون بالعيد وفرحته وبهجته.
للوهلة الأولى تدمع عيوننا وتشفق قلوبنا على ابن الخمس سنوات وطفلة السنوات السبع وبأشواقنا العاطفية لاحتضانهم وتقديم كل ما نستطيع لهم وجعلهم يشعرون بالعيد، فلا نبخل عليهم للشعور بفرح العيد مثل الآخرين، ولكن سرعان ما تتفاجأ ان ما يجمعونه يصبّ في جيوب مستخدميهم على الجانب الآخر من الطريق، ونصاب بصدمة لأن دموعهم لم تمسحها القروش البيضاء إنما مسحتها أكمامهم السود ووضعها في جيوب المستفيد الأول وعادوا ليذرفوا دموع جديدة لقاء مبلغ جديد.
هل هذا هو الفقر أم هي مهنة الدموع؟ هل يجب أن نشفق على هؤلاء الأطفال المشرّدين الحفاة يوم العيد، للمستفيدين الكبار وهم ضحايا انجبوهم وأرضعوهم فكرة التسوّل عوضا عن العيش بكرامة الّـتي من المفترض أن نكون من حقوقهم الطبيعية.
ترى أين هذه الدولة ولماذا لم تجمع هؤلاء المستفيدين الذين يستغلون الأطفال للمكاسب بالملايين وزجّهم في السجون وجمعهم واحتضانهم؟ ألا تعلمون ان هؤلاء هم في المستقبل القريب مشروع قتلة وسارقين؟ ألا يكفي هذا الوطن من العاهات ما أصابه منذ عقود؟ أيتها الدولة الغافية ليلة العيد، ان الراعي الصالح يترك قطيعة كله ليفتش عن خروف ضائع وأنت تعلمين أن هؤلاء أضاعوا عمرهم الصغير بحياة وحشية، وقد يصبحون بعد فترة من مفترسي القطيع بأكمله، فان كان في هذه الدولة من راعٍ صالح فيحمل عصاه ويجوب الشوارع ليلة العيد يجمعهم لأنهم قنابل موقوتة في مستقبل الوطن.