بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آب 2021 12:02ص العيش المشترك في خطر

حجم الخط
أوضاعنا الكارثية باتت تهدّد مصيرنا الوطني، وذلك ليس نتاجاً لحادثة معينة على طريق الحياة السياسية، وإنما إلى مسلسل الإجرام المستمر والذي بات يعصف بكل الشعب اللبناني. هذا الواقع يستدعي إلقاء الضوء على الكثير من القضايا التي نرزح تحت وطأتها، لأن في هذا سرّ ما يدور في لبنان من مآسٍ ومحن. ولعلّ إخراج لبنان من محيطه العربي، وإدخاله في محاور لا تمتّ إلى بيئته بصلة، هو مكمن المشكلة. وكذلك استقواء فئة على البلد، ومحاولة تحقيقها مكاسب سياسية على حساب العيش المشترك ووحدة المصير، ناهيك عن رهن البلد إلى الخارج، وعدم الاكتراث بما آل إليه الوطن بعد الدمار والفقر والجوع والبطالة والعتمة وفقدان الدواء والبنزين والمازوت، وانهيار العملة الوطنية أمام الدولار، وكوارث اجتماعية مرتقبة لا تحمد عقباها.

واقع القوة، يستغلّها البعض في إحكام سيطرته على الشعب، كما تستغلها القوى الإقليمية في التحكم بمصيرنا ومسار حياتنا. فلا المحكمة الدولية باتت تجدي نفعاً، ولا المجرمون يسلّمون إلى العدالة، ولا الحصانات ترفع، ولا الحكومات تشكّل، ولا الفساد يكافح، ولا التدقيق الجنائي يطبّق ولا الإصلاحات تنفذ، ولا الهبات الدولية تصلّ إلى الفئات المحتاجة. وهكذا دخلنا في دوامة من الانهيارات والأزمات، التي تتطوّر شيئاً فشيئاً لتؤدي إلى عودة الفلتان الأمني من جديد والعودة إلى الثأر وأخذ الحق باليد.

ولعلّ في هذا سرّ ما كان بين الأخوة اللبنانيين من نزاعات آلت إلى صدام خطير تطوّر إلى حرب أهلية بينهم دامت خمسة عشر سنة. وإذا بمسلسل التفجير يتواصل لنصل إلى جريمة انفجار المرفأ، التي راح ضحيتها المئات من اللبنانيين، بأكبر مؤامرة إرهابية بتاريخ لبنان الحديث. وفي بلد تشتدّ حال الفقر عامة بين الناس، وتذر حال الاضراب السياسي باقترانه في الحياة العامة، فإذا بالهوة تتسع بين الحاكم والمحكوم، وإذا بحركات الاحتجاج تنشط، والحريات تقمع.

وفي مناطق لبنانية متعدّدة، تستثار الحفائظ الطائفية والمذهبية، فإذا بهاجس الإضطراب بين فئات الشعب الواحد يتنامى، وإذا بهاجس حبّ السيطرة على البلد من قبل البعض يتعاظم. هذه الهموم والهواجس التي تعتمل في حنايا وثنايا مجتمعنا، إنما هي مفتعلة، وراؤها مدّبرون من الخارج، والقصد منها إدخال لبنان في محاور تفتّت مجتمعنا العربي، وتقسّمه وتضعّفه، لتكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة القوية، فيما المحيط عبارة عن دويلات أو كانتونات فئوية عاجزة أمامها. وبحيث بغمرة كل هذه المشاكل والشواغل والهموم، ينصرف همّ المواطن اللبناني والعربي عن قضيته المركزية فلسطين، ولا يعود يعي الخطر الصهيوني الرابض على حدوده، وتتوه عنه مصالحه القومية فيما بقي في حساباته لاعتبارات تتصل بشؤون مذهبية تهدّد مصير الأمة ومكانتها وكرامتها؛ وهكذا شغلوا المواطن اللبناني والعربي بهمومه عن شؤون مصيره.

لا أحد يفهم حتى الآن ما هو السبب وراء سياسات تعطيل الحكومات، ووقف الإصلاحات، ومنع الهبات الدولية من القدوم إلى لبنان. واللافت هو تمسّك البعض بنظرية المثالثة، لكي ينشلّ البلد أكثر مما هو مشلول، واللافت أكثر هو تمسّك البعض الآخر بالثلث المعطّل، وكأن البلد ليس معطّلاً. وأخيراً وليس آخراً، التمسك بحقيبتي الداخلية والتنازع مع الحلفاء على حقيبة المالية. وبالتالي، يتجلى بوضوح الإمعان في تمزيق الشعب اللبناني، وإثارة الفتن بين فئاته، وتعطيل آليات المساءلة والمحاسبة فيه والتواصل الحضاري بين أبنائه، والتمادي في تدمير المنشآت والمرافق الحيوية كمرفأ بيروت، وحتى الأحياء السكنية، ولاسيما شارع الجميزة. وأخيراً، يماط اللثام لدى البعض عن رغتهم بالفدرلة، وذلك خلافاً لإرادة الشعب اللبناني.

قدر بلدنا الصغير أن قيمته الاستراتجية تفوق حجمه، ولهذا تطمع بعض القوى الإقليمية به، الأمر الذي يجعلنا عرضة للتدخلات الخارجية، فبعض القوى تتدخل في شؤوننا اليومية على وجه ينذر بتعطيل الاستحقاقين الانتخابي والرئاسي، والدخول من جديد في عملية تمديد لولاية المجلس النيابي، وفي فراغ في سدة رئاسة الجمهورية. كانت محاولات ومساع داخلية لتأمين العبور نحو حكومة جديدة، أبرزها مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري إبّان تكليف الرئيس سعد الحريري، ولكنّ هذه المبادرة لم تؤت ثمارها، وذلك عائد حقيقة إلى سياسات التعطيل والتسويف التي اعتمدها البعض منهجاً للحكم. كما بات مسلّماً أن قرار بتّ المسألة هو في واقع الحال خارجي، ويرتبط بمحادثات فيينا.

ولكننا نتساءل هل من مصلحة البعض أن يقع لبنان في حالة الفوضى، إذا ما تعذّر تشكيل الحكومة؟ وهل في مصلحة البعض أن نصل إلى الانهيار الاقتصادي والمالي التام، وندخل في كوارث اجتماعية، لا سيما إذا لامس الدولار عتبة الـ 30 أو 40 ألف ليرة لبنانية؟ الجواب هو أننا دخلنا منذ الآن في مرحلة الاستحقاق الرئاسي، وأنه وللأسف باتت المصالح الخاصة تتصدّر المصالح العامة. ولذلك يهمّنا أن نشدّد بأننا نطالب بعهد جديد يعيد لبنان إلى محيطه العربي، ويعيد الاهتمام بمؤسسة الجيش اللبناني، التي هي المؤسسة الوحيدة التي يوجد حولها إجماع وطني، والمخوّلة حمل السلاح وحماية اللبنانيين.