مع كل يوم جديد تتعمق الفجوة بين قيادة «الحزب السوري القومي الإجتماعي» ورئيسه السابق أسعد حردان وسط تجمّد الوساطات وشروع كل من الفريقين في تثبيت مواقعه عند أنصاره.
والواقع أن الانقسام الحالي ليس الاول في حزب اشتهر بالانشقاقات مثلما عُرف ايضا بالتوحد كما في مرحلة الثمانينيات حين حصل ذلك بضغط سوري إستجابت له قيادات في الحزب على مضض في ظل نفوذ الرجل القوي في الحزب أسعد حردان الذي أمسك بمفاصل الامور طويلا.
وخلال مراحل سيطرة حردان على الحزب، تشكلت معارضة ضده من شخصيات تاريخية بعضها رحل عن الدنيا مثل محمود عبد الخالق وجبران عريجي بينما يستمر آخرون في مشاكسة حردان مثل أنطون خليل وغسان الاشقر وتوفيق مهنا وجورج ضاهر وغيرهم.. ونجح هؤلاء من داخل مؤسسات الحزب، تحدياً للمجلس الأعلى، في إبعاد حردان مؤقتا عن الرئاسة في السابق لعدم جواز التمديد له، ومع محاولة الاخير العودة أخيرا كانت صدمته في خروج من هم في داخل مجموعته التي ساندته طويلا، وهو ما أدى الى معركة حامية الوطيس في أيلول الماضي تمخضت عنها قيادة جديدة للحزب («اللواء» 19 تشرين الأول 2020) ما ترك آثارا عميقة على التموضعات التي كانت قائمة سابقا.
وبعد كل الخلافات التي اختلط فيها الدستوري في الحزب مع الشخصي، لا تبدو الأمور اليوم متجهة الى الحل وحتى الى التسوية رغم دخول شخصيات كبيرة على خط الوساطة ومنهم السفير السوري علي عبد الكريم علي والوزير والنائب السابق عبد الرحيم مراد وقيادات في سوريا على رأسها رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك.
في هذه الاثناء لوحظ عن حردان وحلفائه مثل نائبه في رئاسته وائل حسنية وغيرهما أنهما بدآ يتحركان وينشطان إعلاميا، وقام الاول الذي لجأ الى القضاء اللبناني لنقض قرارات محكمة الحزب، بتعيين مجلس عمد من أنصاره معتبرا أن شرعيته لم تُنقض.
في المقابل، ثمة استياء يعرب عن مزاج تاريخي داخل الحزب من اللجوء الى القضاء اللبناني بعيدا عن المحكمة الحزبية كون الحزب يمقت هذا القضاء الذي عانى منه تاريخيا منذ إعدام المؤسس أنطوان سعادة مرورا بمحاكمة الحزب خلال محاولة انقلابه في اوائل الستينيات وصولا الى إدانة حبيب الشرتوني باغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل..
القيادة تسترجع المُعارضين والمُنشقين
وقد شرعت قيادة الحزب في عمل صامت على الأرض وافتتحت تعيينات في المناطق والفروع ومنهم منفذين عامين في أماكن هامة، وشهد الحزب عودة عائلة «الشهيد» التاريخي في الحزب محمد سليم الذي كان على خلاف مستحكم مع حردان، عبر نجله حسين الذي حل على مديرية الصرفند في الجنوب. وفي صلة للأمر حدث تبدل كبير في منطقة حاصبيا ومرجعيون مسقط رأس حردان النائب عنها في المجلس النيابي، وعيّنت القيادة ماجد الحمرا منفذاً ما لقي صدى شعبيا لدى افتتاح مركز المنفذية. أما في منفذية الغرب الكبيرة في الجبل، فقد انتزع الحزب القيادي حسام عسراوي من مجموعة حردان بعد إرضائه عبر منفذ عام قريب منه لكن ذلك أثار بدوره تململاً في المنطقة علما بأن القيادة شرعت في اتصالات مع مختلف الشرائح هناك للتأسيس لحوار بنّاء. وبقي مكانين بالغي الرمزية حيث للحزب شعبية ملحوظة وهما المتن الشمالي مسقط رأس المؤسس سعادة والكورة وهناك تتريث القيادة قبل أي تعيين لاستمزاج الآراء الحزبية.
وكان لافتا للنظر أن الحزب بدأ استقطاب المعارضة التي قامت ضد حردان في إطار مجموعة «المجلس الأعلى» بينما استمر في الحوار مع آخرين فيه للمزيد من الجذب. إضافة الى استقطاب بعض من نأى بنفسه عن الحزب وانشق عنه قبل سنوات لتأسيس ما عرف بـ»حركة النهضة» بعد أن فقد الامل من التغيير من الداخل وهذا يعد تطورا كبيرا على صعيد عودة «القوميين» الى حزبهم.
ورغم كل جهود الوساطات التي وضعت اليوم في الثلاجة بعد تشدد الفريقين في رؤاهما، ثمة عوامل للانقسام قد لا تقوى عليها الوساطات أهمها خلاف الأجيال بين حردان ومجموعته من ناحية، والقيادة الجديدة الشابة نسبيا برئاسة ربيع بنات الى جانب وجوه صاعدة بقوة مثل زياد معلوف وحسان صقر من ناحية ثانية. ورغم الاتفاق على القضايا الاستراتيجية، فإن الفجوة بين تلك الاجيال تسقط نفسها حسب مراقبين، على قضايا مثل تموضع حردان مع «المنظومة» السياسية وخاصة بعد ما حدث في 17 تشرين الأول.
يحتفظ حردان بعلاقة متينة مع قوى في السلطة تمثل سنداً له مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويتقرب من زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وقد سمّاه لرئاسة الحكومة ضد قرار قيادة الحزب التي تُعد ذلك من «الكبائر». لكن الطرفين، حردان والقيادة، يقتربان كثيرا من «حزب الله» ومن دمشق بطبيعة الحال.
ومن غير المرجح ان يتم اي خرق كبير في مساعي الوساطة في الفترة المقبلة. وقد تعثرت مبادرة رئيس «مكتب المؤتمر القومي» حنا الناشف الذي لم يحقق الخرق المطلوب بعد لقائه مع الرئيس السابق فارس سعد بعلي المملوك في دمشق، بينما يلتزم اللاعبون الكبار بموقف «محايد» معلن، بينما أدى الخلاف الكبير الى تقنين واحيانا وقف الدعم المالي القادم من الخارج للحزب حتى حل الخلافات.
وخرجت قيادة الروشة في الحزب بفكرة عقد مؤتمر للحزب في أيار المقبل لكن الموضوع لا يزال خاضعا لبحث في ظل الوضع الحالي للبلاد، لكن الوقت يعمل لصالحها بعد ان شكلت أمرا واقعا وبدأت انتشارا في قواعد «القوميين» مستقطبة معارضين وناقمين على حردان الذي يعتصم وأنصاره في مركز جريدة «البناء» في الحمراء وهو أرجأ مؤتمره وانتخاباته في أوائل كانون الثاني الحالي، وثمة حديث عن عقده مؤتمرا في أيار المقبل تنبثق عنه إنتخابات.