بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الثاني 2019 06:10ص الكُرة في ملعب رئيس الجمهورية والفريق الرئاسي مرتَبِك بعد تعثُّر تسمية الصفدي

الحريري متمسِّك بتشكيل حكومة «تكنوقراط» حتى النهاية ويدعو لتحديد موعد الإستشارات النيابية سريعاً

حجم الخط

لم يعد ممكناً التذرُّع بما قاله  رئيس الجمهورية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بأنه وجد الرئيس الحريري متردداً في مسألة تولِّي مهمّات رئاسة الحكومة المقبلة



لماذا يتمسّك الرئيس سعد الحريري بموقفه تشكيل حكومة اختصاصيين «تكنوقراط» ويرفض طرح «التيار العوني» وحركة «امل» و«حزب الله» بتشكيل حكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين «تكنوسياسية» كما هو متعارف عليه؟

ينطلق الرئيس الحريري في اصراره على موقفه هذا بتشكيل حكومة «تكنوقراط» من أمرين أساسيين، الأوّل، التجاوب مع مطلب أساسي من مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ أكثر من شهر، بتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين، كي يضمن انطلاق الحكومة العتيدة في مهمتها بسلاسة وان تحظى بقبول الحراك المذكور في الشارع كما موافقة الأطراف السياسيين أيضاً، وتفادي حدوث أي اعتراض عليها أو ردود فعل سلبية ضدها أو التحرّك بمواجهتها واعاقة حركتها من خلال الاضرابات  والمظاهرات والاعتصامات كما حصل مع الحكومة المستقيلة، لأنه من دون التحسب لهذا الأمر وتحقيق الحد الأدنى من التفاهم عليه، يكون تشكيل الحكومة الجديدة عديم الجدوى ومضيعة لمزيد من الوقت وامعاناً في تأزيم الوضع أكثر.

الأمر الثاني، بما ان مهمة حكومة «التكنوقراط» إنقاذية بكل ما للكلمة من معنى، أي تتولى مهمة إنقاذ لبنان من مشكلة حقيقية، هي مشكلة الانهيار المالي والاقتصادي التي أصبحت تتهدده ولا يُمكن تأجيل مواجهتها لوقت آخر، فهي ستعمل بتنسيق فيما بين افرادها وتعمل بجدٍ لوضع الحلول الملائمة لهذه المشكلة من كل جوانبها، ومهمتها ستكون شبه محصورة بهذه المشكلة، إضافة إلى وضع مشروع قانون انتخابات جديد ولن يتعدى عمرها السنة أشهر وبعدها يتم تشكيل حكومة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد، أي ان تكون حكومة سياسية أو مختلطة، عندها لا يُمكن حصر شكل الحكومة بوضعية معينة في حال زوال الأسباب التي تفرض تشكيل حكومة «تكنوقراط» كما هي في الوقت الحالي.

ولذلك، فإن طرح تشكيل حكومة مختلطة «تكنوسياسية» في الوقت الحاضر، يتعارض كلياً مع مهمة حكومة الانقاذ المطلوبة، كون تركيبة الحكومة على هذا الشكل ستواجَه أولاً برفض فوري من حراك الشارع لأنها تتعارض كلياً مع أحد المطالب الأساسية التي وضعها في مقدمة مطالبه وهي تأليف حكومة «تكنوقراط» انقاذية، ما يؤدي حتماً إلى تصاعد النقمة ضدها واعتراض مهمتها والانتفاض عليها، وقد يؤدي الأمر في النهاية إلى اسقاطها نهائياً وحملها على الاستقالة، وثانياً، بما ان المطلوب من الحكومة المقبلة سرعة إنجاز المهمة المناطقة بها وهي وضع الحلول للمشكلة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، فإن تكرار استنساخ تشكيلة الحكومة المستقيلة ولو بتركيبة تجميلية جديدة أو بتغيير بعض أعضائها، لن يفيد بتغير الأداء السلبي الذي حكم عمل الحكومة المستقيلة واستفحال الصراعات والتباينات السياسية في ما بين مكوناتها، بل يؤدي حتماً إلى فرملة انطلاقتها وعدم قدرتها على إنجاز المهمة الأساس التي تشكّلت على أساسها، ما يعرض لبنان لمخاطر الانهيار في النهاية.

اما ما يروّج بأن هدف تشكيل حكومة «تكنوقراط» هو ابعاد هذا الطرف أو ذاك عن القرار الحكومي لغايات وأسباب لها علاقة بالخارج والصراع الإقليمي الدائر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، فهو مردود كلياً، كون أي حكومة «تكنوقراط» ستضم في عضويتها اشخاصاً ينتمون الى مختلف الطوائف والمذاهب ولن يكونوا من لون أو جهة واحدة، في حين ان رئيس حكومة «التكنوقراط» المفترض سعد الحريري هو نفسه الذي ترشحه الأطراف السياسية لتشكيل حكومة «تكنوسياسية»، فكيف يمكن الوثوق بآدائه إذا وافق على طلبها بتشكيل حكومة مختلطة «تكنوسياسية»، وفي الوقت نفسه يتم التشكيك بهذا الأداء إذا تشبث بموقفه لتشكيل حكومة «تكنوقراط» صرفة خلافاً لرغبتها وتوجهاتها؟

بعد كل التجاذبات التي حصلت في أعقاب استقالة الحكومة وبدء جولة من الاتصالات واللقاءات الاستباقية لتشكيل الحكومة الجديدة، وبعدما أعلن الرئيس الحريري تشبثه بقراره تشكيل حكومة اختصاصيين ورفضه اقتراح تشكيل حكومة مختلطة وأبلغ قراره النهائي لجميع الأطراف السياسيين المعنيين من دون استثناء، وفي المقابل أبدى رغبته بأن يكون خارج التسمية لرئاسة الحكومة المقبلة، معرباً عن استعداده لدعم ترشيح أي شخصية أخرى يتم التوافق عليها لهذا المنصب وسمى القاضي نواف سلام لهذه المهمة، غير ان طرحه هذا قوبل بالرفض من الأطراف السياسية الانفة الذكر، فيما سقط بعد ذلك خيار تسمية الوزير السابق محمّد الصفدي لهذه المهمة بفعل قيام الوزير جبران باسيل بالاعلان عن سيناريو اختياره لهذا المنصب وتحدي مسبق لموعد الاستشارات النيابية الملزمة وشكل وتركيبة الحكومة الجديدة ورسم خطها البياني خلافاً للأصول الدستورية المتبعة.

بعد كل هذه التطورات ووضوح كل المواقف إزاء موقف الرئيس الحريري النهائي وإصراره على المباشرة ببدء الاستشارات النيابية الملزمة لكي يتسنى للجميع تسمية الشخصية التي يختارونها لتولي رئاسة الحكومة المرتقبة، أصبحت الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية لكي يدعو للاستشارات النيابية بلا تردّد، لأنه لم يعد ممكناً التذرع بما قاله رئيس الجمهورية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة عندما سئل عن التأخر في عدم دعوته للاستشارات النيابية المذكورة بأنه وجد الرئيس الحريري متردداً في موقفه من مسألة ترشحه لتولي مهمات رئاسة الحكومة المقبلة.

ولا شك ان موقف الرئيس الحريري المتمسك بتشكيل حكومة «تكنوقراط» وعدم انصياعه لشروط الآخرين بتشكيل حكومة «تكنوسياسية»، قد اربك الفريق الرئاسي وتحديداً الوزير جبران باسيل الذي وجد نفسه بمأزق فعلي جرّاء ذلك، لتعذر وجود شخصية تتولى مهمات رئاسة الحكومة في هذا الظرف الصعب بحجم أو مستوى تمثيل الرئيس الحريري شعبياً وسياسياً أو حتى بمستوى معقول كي يتمكن من التقليع بالحكومة وبالعهد الذي يترنح تحت وطأة العنجهيات والغرور والتسلط الذي اغرقه بمتاهاتها طوال السنوات الثلاث الماضية وعطل من خلال إنجازات عديدة كان يمكن للحكومتين السابقتين القيام بها، ولا سيما منها الانتهاء من مشكلة الكهرباء التي تولى مهماتها باسيل شخصياً منذ قرابة العشر سنوات واستحصل على مليارات الدولارات بهدف تطويرها وتحسينها ومعظمها ذهب هدراً وبقيت المشكلة على حالتها تستنزف جيوب كل اللبنانيين حتى اليوم وأصبحت تشكّل مصدر الفساد الأوّل في إدارات الدولة كلها.

معروف الداعوق