بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2022 12:00ص اللبناني الأكثر غضباً في العالم لم يُترجم غضبه في صناديق الاقتراع

حجم الخط
هموم ومشاكل اللبنانيين، صارت لا تُعد ولا تحصى، بسبب الظروف العصيبة والصعبة جداً التي يمرّ بها منذ ثلاث سنوات من دون أن تلقى أي مشكلة يمرّ بها حلا، لا بل ان الأزمات تتزايد وتتراكم كل يوم، في وقت تتراجع فيه الخدمات العامة الأساسية بشكل مخيف على شتى المستويات، وتترهل البنى التحتية، وتزداد الحياة الاجتماعية والصحية والإنسانية تدهورا وبؤسا، وتكاد التغذية بالتيار الكهربائي تلامس الساعتين فقط يومياً وأحيانا ساعة، والمستشفيات لا تستقبل المرضى إن لم يكن لديهم أموالٌ نقدية وبالدولار، كما أن المياه تنقطع لأيام ولا تصل إلى المنازل ولا إلى الوحدات السكنية والأحياء والمؤسسات العامة والخاصة، بينما تسجل الليرة اللبنانية مزيدا من التدهور والتراجع بحيث فقدت أكثر من 95 بالمئة من قيمتها، وسجل معدّل البطالة ارتفاعا إلى أكثر من 40 بالمئة، في حين سجّل مؤشر التضخم أكثر من 250 بالمئة خلال فترة السنتين الأخيرتين، في ظل تدهور حياة اللبنانيين وانهيار الطبقة الوسطى، وتحوّل قسم واسع جدا من اللبنانيين الى ما دون خط الفقر، من دون أن يعبّروا عن غضبهم المكبوت، واستمرار نهج التشاطر على الواقع المرير الذي يعيشونه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر انه إذا انقطعت الكهرباء يلجأ اللبناني إلى المولدات والطاقة الشمسية والوسائل البديلة، والأمر نفسه بالنسبة لتقنين الخبز، وبالتالي فإن اللبناني يقبل ولا يرفض الوضع السيئ الذي يسبب نقمته وغضبه، وحتى أزماته النفسية.
أما ثالثة الأثافي التي عرفها اللبنانيون فكانت تبخّر ودائعهم المصرفية التي كانت قيمة أصولها قد بلغت عام 2019 ، نحو 120 مليار دولار، تحولت الى أرقام وهمية. دولاراتٌ، صار لها وجود فقط في سجلات المصارف من دون إمكانية للحصول عليها، ومع الفصل الأخير من عام 2021، بقي في القطاع المصرفي اللبناني أقل من 20 مليار دولار، ترافق مع انهيار اقتصادي شامل، اعتبره «البنك الدولي» الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، إذ اختفى أكثر من 100 مليار دولار من الودائع المصرفية من دون سابق إنذار، بحيث وصفت صحيفة «لوموند» الفرنسية ما جرى بـ «سرقة القرن».
هذا الواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون، لم ينعكس في صناديق الاقتراع، إذ أعاد الناخبون اللبنانيون الذين بلغت نسبة مشاركتهم أقل من خمسين بالمئة، إنتاج معظم الطبقة السياسية التي أنتجت هذا الواقع الأليم الذي جعل شعب لبنان أكثر الشعوب غضبا، حسب مؤسسة «ستاتيستا Statista» المتخصصة في الدراسات البحثية، التي نشرت في شهر حزيران تقرير مؤسّسة غالوب Inc Gallup للتحليلات والاستشارات، عن العواطف العالميّة لعام 2021 المختص بقياس المشاعر، بما في ذلك مستويات الغضب، في أكثر من 100 دولة حول العالم، عن النصف الثاني من العام 2021 وبداية العام 2022، وبحسب التقرير فقد احتلّ لبنان المرتبة الأولى في قائمة أكثر الشعوب غضباً، تليه تركيا ثم أرمينيا ليأتي العراق رابعاً وأفغانستان خامساً.
ووجد غالوب أن 49 بالمئة من الناس في لبنان، قد عانوا من الغضب في اليوم السابق للاستطلاع، وهو أعلى معدل مسجل في أي مكان في العالم.
من الواضح، أن الغضب بات يظهر في يوميات اللبنانيين بأشكال مختلفة منها: ارتفاع معدل الجريمة من أعمال السرقة والنشل والمخدرات وتعدد ضروب الاحتيال، مع ارتفاع ملحوظ في معدلات جرائم القتل، التي يكون الكثير منها من دون سبب منطقي أو جوهري. مع ازدياد نسبة الانتحار، خصوصا لدى الفئات التي لم تتمكن من التأقلم على الوضع الجديد للشعب اللبناني الذي اعتاد على مستوى معيّن من الرفاهية، ويعتبر هذا الواقع حسب خبراء علم النفس الاجتماعي انعكاسا طبيعيا لما يعيشه اللبناني جراء الأزمات المتراكمة التي تؤدي الى انهيار نظامهم النفسي وتخلق لهم الأمراض غير المرئية التي يكون لها تداعيات على يومياتهم. وهذا يترافق مع انعدام ثقة المواطن بدولته بسبب الأزمات المتعددة التي تواجهه في حياته اليومية، فلم يعد يثق بالقانون أو بالنظام، وهذا ما يخلق للفرد شعوراً بعدم الأمان النفسي والوظيفي والجسدي، الأمر الذي يؤثر سلباً على علاقة الأفراد ببعضهم، وعلى علاقة الفرد مع نفسه، ممّا يزيد من شعور الغضب الّذي يصبح الحل الأمثل والأسهل لكل المشكلات التي تواجه الفرد. بيد ان ما يثير الدهشة ان اللبناني الذي وصف بـ «الأكثر غضبا» هو الأقل تعبيرا عن هذا الغضب لدرجة انه رغم غضبه وحزنه وألمه وثورته يتفاعل مع الأزمات ويتعايش معها، فإذا انقطع البنزين تراه يقف في طوابير طويلة أمام محطات الوقود. كما يقف أمام الأفران بصفوف طويلة لتأمين ربطة خبز لعائلته. وهلمّ جرّا من مواقف وطوابير في الأزمات التي صارت من تفاصيل حياة اللبنانيين في هذه الأيام المرَّة.