بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيار 2022 12:03ص اللواء سامي الخطيب... فارس غادرها في زمن عزّت فيه الفروسية

حجم الخط
إن الكتابة عن شخصية مهمة عسيرة لما تواجهه من استحالة الإحاطة بالجوانب الغنية المتعددة التي سكنت تلك النفس الكبيرة.
إن تلك المزايا والقدرات الفريدة لشخصية اللواء سامي الخطيب تتكامل كوحدة في إطار من التجلّي.
وكانت الكلمة عند اللواء سامي الخطيب مقدّسة بكل ما تعنيه الكلمة وذات أهداف نبيلة وسامية، فهي لا تعرف عما كان يريده منها بل يحرص دائماً على إيصالها نظيفة وراقية في آنٍ معاً. وهذا ما جعل منها كلمة رسولية صادقة في زمن عزّ فيه هذا النوع من الكلمات!
وقد عرفت اللواء سامي الخطيب وأعجبني فيه ثلاث خصال:
الأولى: إذا قرأت أحد كتبه تعلّمت منه غیر درس، وتمتعت بعباراته التي تميّزت دائما بالرقّة والعذوبة والعمق. والحقيقة أنه لم يكن، في كتابات مكان للخفّة أو الإثارة، بل هي دائماً عبارات رصينة وذكية وهادفة.
الثانية: ومثلما كانت كلمته المكتوية راقية... هكذا كانت كلمته التي يتحدث بها إلى الناس من أصدقائه وإخوانه وزملائه. ولذلك أحبّه جميع الذين عرفوه، أحبّوه بكل صدق تماما مثلما أحبهم هو، حتى الذين لم يعرفوه ولم يتحدثوا إليه كانوا إذا رأوه مرة وتفهّموه أعجبوا بشخصيته التي كانت تعكس رقيّا ومهابة لا يتوافران في غيره من الرجال.
أما الخصلة الثالثة التي عرفتها في اللواء سامي الخطيب هي أنه كان كريماً وصديقاً ودودا لجميع الذين عرفهم وعرفوه، وأعتقد أن هؤلاء، على كثرتهم، ليس فيهم واحد غادره يوما شاكيا. ولعل هذه الميزة النادرة التي يفتقر إليها الكثير من رجال هذه الأيام هي التي ساعدت إضافة إلى أدبه العالي وتهذيبه الراقي، على أن يكون عملاقاً. وهذه الخصال الثلاث الحميدة إسماً وسمعة نادرين.
فهو الأصيل نشأة وتربية اللواء سامي الخطيب، وهو المثقف تفكيراً وسلوكاً، وهو القائد إدارة وتنظيما وتخطيطا وتقويما، وهو الإنسان تسامحاً وفهماً وقبولاً. هو كل هذا وأكثر. لقد كرّس حياته لقضية وطنه في فكره وتحصيله وعطائه، سبيكة جادت يد الزمان سبكها من معادن شتّی جانست بينها، فكانت نادرة رفيعة القيمة. أن يدفع بعطائه وأن يجعل منه عتاداً لصون أمته من الضياع في منزلقات عالم سريع الإيقاع، عظیم الحوادث، يضج بالظلم ليدحض الحق ويغمط أهله؛ أمثال في براعته ونزاهته وقدرته على الحركة.
لقد أدرك اللواء الخطيب الفذّ الحاجة إلى بلورة رؤية استراتيجية تتفاعل من خلالها سير تحديات العصر على كل صعيد، إنطلاقاً من التعاون الجديّ والتنسيق الحصيف فتجنّد لخدمة هذه القضية الرسالة، وعمل بدون كلل وبإيمان عميق.
البسمة لا تفارق وجهه، ترسم الأمل والتفاؤل لمستقبل أفضل، أنيق في زيّه وفي حديثه العذب، لا ينطق إلا بحلو الكلام، معجون بالوداعة، يحضن في داخله تواضع الكبار، زاهدا في الدنيا، بعيداً عن البهرجة.
ستشتاق إليك المنابر الوطنية، صوتاً يدوي مدافعاً لقضاياها وستبقى رمزاً راسخاً فينا، في نضالك الصادق.. في القيم التي تحملها، في موقفك الجريء، في إنسانيتك واحترامك للآخرين.
الذين عرفوا اللواء سامي الخطيب، والذين قرأوا له وهم كُثر، سيفتقدونه، كثيرا، كما أهله والمقرّبون، لأنه كان مثقفاً ومجتهداً، وكاتباً جريئاً، كان فاعلاً في شؤونه بقضايا بلاده وأمته، إيماناً صافية لا تشوبه شائبة. عمل لها بشرف وثبات وأمانة، وكان رجلاً باسم لا تفارق الابتسامة وجهه، وإنساناً نبيلاً بكل معنى الكلمة والمخلص لأصحابه، والمتفاني في الدفاع عن قضايا بلاده وقومه الذي خسرناه في الجسد يبقى حيّاً معنا في فكره ونضاله.
شخصية دينامية عزّ نظيرها، فهو لا يكلُّ ولا يملُّ سعياً وراء مزيد من تواصلٍ وتفكيرٍ وإنشاء الجديد واقتراح المزيد من النشاطات.
وعلى الرغم من التكلفة الجسمية والنفسية التي تستدعيها هذه النشاطات، فان اللواء سامي الخطيب يتجاوز ذاته ويتعدّى ما يستحقه جسمه ونفسه وأسرته، تعبيراً عن إيمانه العميق ورسالته، واستمعت إلى كلمات، فلمست فضله وتواضعه وسعة أفقه وصدره، ومقدرته على تقدير الناس والقضايا والأشخاص تقدير موضوعية، كما وقفت على عمق انتمائه لأمته وقضاياها والمنافحة عنها بشجاعة وقوة ووضوح، الأمر الذي ينمُّ عن إيمان وعمل به صلات واسعة، فهو يستقطب من حوله طاقات خبرة واسعة الاطّلاع وقادرة على العمل في مواقع كثيرة داخل لبنان وخارجه.
يفيض اللواء سامي الخطيب طيبة وبشراً، لم أره إلا باشّاً تعلو الابتسامة وجهه وتتقدم جهده وجهاده لمواجهة المعضلات والعقبات، كلما سمعته يشكو، وله المقدرة على تجاوز الكثير مما يشكّل أسباب ضمور صداقات وعلاقات، يتقدم في طريقه بتصميم ولا يهمّه ضوء أو تعتيم مما يهم كثيرين يتعلقون بوسائل الإعلام أو يتعرضون لما تعرضه من فصول مضحكة ومبكية، وقد لمست حسن ظنه بالناس ودفعه بالتي هي أحسن متمثلا الآية الكريمة: {وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حمیم}، كما لمست صدقه وحرصه على أداء عمله بصورة حسنة، مطبقا القول الكريم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، بصرف النظر عن مواقف الآخرين وتقديراتهم، وهو شخص متابع دؤوب لا يتعب ولا يكلّ، يحمل على كاهله سنوات العمر وثمارها الثقال، ويمضي في خدمة المعرفة والعقيدة وتجده عندما تخبره، حلاّل مشكلات من تلك التي تعترض عادة، ذات أهداف نبيلة تحرص على أن تؤدي رسالة وتشكّل حضورا بنّاء وتقدّم خدمات بصمت.
قدرٌ كبير من العمق والصدق والأمانة التي تكشف عن نبل الرجل، وسمو الأخلاق واكتناز المعرفة والخصال الطيبة التي يتحلّى وعلى سمو الإنسان فيه، وعلى تواصله بنوازع زمانه من قلق وآمال.
وهنا نتوقف عند سيرة حول شخصيته وغناها، وبما يتمتع به من مآثر جمّة من خلال الاطّلاع على إنتاجه ونشاطه الدائب نذر نفسه ووقف حياته في سبيلها، ومن الهم الوطني الذي تفجر وتميّز في مواقفه ما وراء أسوار شخصيته وجدرانها، وخاصة حين يكون البطل رسالة بحد ذاتها. ولسنا هنا في مجال الإطراء لشخصية اللواء سامي الخطيب وميزاتها وقيمها التي غمرت نفسه، وقد ترك بصماته الواضحة في محبة الناس الذين بادلوه المحبة والإخلاص.
مرة أخرى تحية لهذا الإنسان الرائع فهو مدرسة في العطاء.
رحمه الله بقدر ما أعطى هذا الوطن..
ونسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد برحمته، ويسكنه فسيح جناته.
بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاء اللواء سامي الخطيب في 26/5/2022...
كنت وفيّاً معي في زمن ضاع فيه الوفاء.