بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2020 12:00ص المُختار شوقي مخول سيبقى طيفه حاضراً رغم الرحيل

حجم الخط
يمضي شوقي حسيب مخول عن 74 عاماً، حملت العديد من المحطات والمآثر المُتنوّعة، مُنذ أنْ أبصر النور في منزل مُختار الهلالية حسيب مخول، ليحمل الأمانة من بعده مُختاراً للهلالية لسنوات عدّة.

لا يقتصر ما كان يقوم به المُختار شوقي على المخترة فقط، وهو الذي يُواكب حياة الإنسان مُنذ ولاته حتى وفاته، فقد حمل ختمه وتوقيعه تأريخ ولادة عشرات الآلاف ممَّنْ أبصروا النور في مُستشفيات عدّة تقع ضمن النطاق الجغرافي للبلدة، سواء مَنْ يُسجّل في سجلاتها أو خارجها، وكذلك هو واقع الحال بالنسبة للإفادات المُتعدّدة لأبناء البلدة والمُقيمين، وصولاً إلى شهادات الوفاة أيضاً.

في منزل المُختار حسيب مخول، وسط بلدة الهلالية، حيث الشارع الذي حمل اسمه، تابع المُختار شوقي المُهمة عن الوالد، وقاصده لم يكن بحاجة إلى جهد ليصل إليه، فتجد المُختار شوقي يجلس أمام المنزل مع عدد من الأصدقاء، أو داخله، ولا حاجة لقرع جرس المنزل، فبابه مفتوح لكل قاصد، منذ الصباح وحتى ساعة مُتأخّرة من الليل، وحتى أبناء البلدة المُقيمين في بيروت، كان موعد لقائهم في بيت المختار. 

المُختار شوقي، مُربٍّ، على مدى سنوات عدّة، في «مقاصد» - صيدا و”راهبات” - عبرا، صاحب أُذُن موسيقية، خرّج أجيالاً، وبعضهم أصبح من المُبدعين والمُتفوّقين، خاصة بالعزف على «البيانو».

مُثقّفٌ، كان يستعين به كثر للإشراف على دراسة أو بحث، أو تحضير كلمة، وخطيب بليغ، باعتلائه المنابر، بصوته الرخيم، وتمريره نقد أو مطلب بأسلوب مُميّز، كما قالت له «الختيارة»، ما يلفت انتباه الحاضرين للمُناسبات.

مُقدام، وصاحب واجب وهمّة، ونخوة وشهامة، تجده في طليعة المُبادرين المُقدامين، أينما كانت المُناسبة وتعدّدت دوافعها، ويُحفَظ له أنّه في أوائل مَنْ عمل على تعزيز العيش الطبيعي في بلدة الهلالية، التي تُشكّل صلة وصل ما بين صيدا وشرقها وصولاً إلى جزين، ذات النسيج الطائفي والمذهبي والاجتماعي المُتنوّع، فارتبط بعلاقات مع مُختلف الأطياف الصيداوية والجنوبية، من أجل خدمة هذه المنطقة النموذجية المُتآخية، وهو الذي درس اللاهوت فعرف المسيحية حقيقة، كما عرف الإسلام، وجسّد ذلك بشكل عملاني.

التفاني والمُثابرة على العمل، وتميّز خطّه بالكتابة، شكّلا عاملاً إضافياً للراحل بالاستعانة به ليعمل مع رئيس دائرة النفوس في صيدا القائمقام وسام حايك ومأمور النفوس حنا السمرا، على إعادة نسخ كامل سجلات النفوس في دائرة صيدا، بعدما كاد الزمن أنْ يمحوَ وقوعاتها، ما حفظها من التلاشي.

تُسجّل للراحل مُشاركته بتأسيس «رابطة مخاتير قضاء صيدا - الزهراني» في العام 1999، التي تولّى منصب نائب رئيسها لدورات عدّة.

كذلك، الجوانب التاريخية والاجتماعية والبيئية، دائماً حاضرة لدى المُختار شوقي، فكان يُوليها كل اهتمام، فشكّل مع عدد من الأصدقاء المُهتمين بهذا المجال «مركز صيدا للدراسات التاريخية والأثرية»، مُقدّماً مكتبه، مقرّاً لها، بهدف توثيق تاريخ صيدا ومنطقتها، وجهد لسنوات عدّة على جمع الوثائق والمُستندات المُتعدّدة بينها من تركيا والعديد من الدول، ومنها ما يُؤرّخ لبلدة الهلالية، فنجح بأنْ أشرف على توثيقها وتبويبها، لكن القدر لم يُمهله لإصدار هذا الكتاب، الذي يُعتبر ثروةً قيّمة، ومرجعاً توثيقياً هاماً ليس لبلدة الهلالية فقط، بل للمنطقة.

اهتم بالبيئة، وزراعة الأشجار في الشارع، خاصة أمام المنزل، فتبدو مُميّزة ناضرة. وفي مثل هذه الأيام من كل عام كان يُبادر مُستبقاً آخرين إلى الإسراع بإنجاز تحضيرات استقبال ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، بإضاءة ونشر مُجسّمات الأغنام في الحديقة المُجاورة للمنزل.

امتاز المُختار شوقي بـ«كاريزما» خاصة، إنْ فهمته أصبح سنداً مُتفانياً، وإنْ جرحته تحول إلى سيف مُسلط، فقد امتلك صراحة ووضوحاً وشجاعة، وجرأة، والأخيرة كانت تُزعج مَنْ لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة، ولا يفقهون أبعاد ما كان يُدركه، أو يخشون حضوره. 

يرحل المُختار شوقي، فجأة، كما كان يتمنّى، دون أنْ يُحمّل أحداً أي ثقل، فحمل آلام ومُعاناة مرض السكري وضغط الدم، وأمراض القلب، وغسيل الكلى، التي أنجز يوم الإثنين، إحدى جلساتهها الأسبوعية الثلاث، قبل أنْ يعود إلى منزله، ويُغمض عينيه على كرسيه، في رحلة الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء...

ستبقى بصماته واضحةً، في الهلالية، والعديد من معالمها، وإعادة بناء كنيسة البلدة بعد تدميرها، التي ستحتضن قداساً لراحة نفسه.

العزاء لزوجته المُتفانية، «المُختارة» عايدة قزّي وابنتهما هبة مخول، وأفراد العائلة، والرحمة للراحل شوقي مخول، المُختار إبن المُختار، الذي سيبقى طيفه حاضراً على الرغم من الرحيل المُؤلم...