بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الأول 2019 06:05ص المادة 95 طوق نجاة وخشبة خلاص لبنان

حجم الخط
 إزاء استمرار نزيف الإقتصاد اللبناني منذ العام 2005، كان لزاماً اليوم على تيار العهد ممثلاً بفريق عمله الإدراك بأن أبناء شعبنا باتوا بأكثريتهم من الرازحين  تحت خط الفقر المدقع والجوع الكافر.

وثبت أن كل الأكثريّة ليست من بقايا الماركسية في لبنان، لأن عبارة بقايا تنطبق على أقلية قليلة لا على اكثرية عارمة، من هنا لم يعد يعقل أن يعمد العهد الى غضّ الطرف عن تشييد الأسواق الشعبيّة في مختلف المناطق اللبنانية، أسوةً بسوق الأحد مع فارق ان تواظب تلك الاسواق  على العمل طيلة أيام الأسبوع،وعن إزالة بسطات الفقراء وأكشاك قهوتهم وعربات خضارهم من على ارصفة الشوارع، وعن عدم المطالبة بتخفيض قيمة محاضر الضبط الجنونيّة بحق مخالفات السير، فضلاً عن أننّا لم نرَ ذلك التيار يصطحب العجزة الشاردين في الشوارع، نتيجة غدر الإفقار بهم،من أمام مبنى ضمان شيخوختهم الكائن بين القمامات الى الأماكن المناسبة التي تمنحهم الرعاية الصحيّة التي تليق بهيبة الشيخ وكرامته. لا غبار على أن هذه القضايا تتحمل مسؤوليتها وزارة الداخلية.

 لكن في حال أقدم بعض اليائسين على الإنتحار جرّاء قطع أرزاقهم وأعناقهم، فإن الرأي العام المحلي والدولي سيلقي باللائمة على العهد ممثلاّ بسيّده، لا على وزارة الداخلية، لذا كان المطلوب من رئيس الجمهورية الايمان ايماناً راسخاً بأن الغاية في هذا الوضع المأساوي تبرّر الوسيلة.على أساس أن الإحتياط كان يجب أن يكون واجباً منذ بداية العهد، وعلى أساس أن للضرورة أحكاماً. كان ينبغي على رئيس الجمهورية الإتفاق مع وزارة الداخليّة، عقد لقاءات متواصلة لحل كل هذه القضايا العالقة عبر تشريع الضرورة منذ بداية عهده.

 لكن تصرف ذلك العهد بحق الفقراء يشبه تماماً، تصرّف رجال الدين في روسيا، الذين كانوا يمنحون الفلاح الروسي العامل مدة 12 ساعة في اراضي اديرتهم ، القليل من الطعام مساءً. وعندما احتج الفلّاحون على هذا العمل بالسخرة وطالبوهم بدفع المال عوضاً عن منح طعامٍ لا يكفي لسد جوع عائلاتهم. كان الجواب الاكليريكي، عليكم التحلي بالمزيد من الصبر، لأنً الخبز السماوي أشهى بكثير من الخبز الارضي! «كتاب  مخطوطات مجهولة لفؤاد الشمالي، وهو إبن بلدة السهيلة الكسروانيّة، ومؤسس الحزب الشيوعي اللبناني السوري عام 1924. وبعدها كانت الثورة البولشيفيّة في العام 1917. من هنا فإن الفقراء في لبنان يريدون أكل الخبز الأرضي. من هنا كانت الوعود بالبحبوحة والتي لم تقترن بدخول مندرجاتها حيز التنفيذ على أرض الواقع مجرد وعود للفقراء بمنحهم الخبز السماوي بعد فترة قد تطول مدتها  أو تقصر. 

ليس المطلوب من العهد اجتراح الاعاجيب.لأن ما باستطاعة طرف في لبنان أن يكون شفيعاً لأمور مستعصيّة، عبر إعادة الوضع الإقتصادي الى سابق عهده.لذا لا يجب أن نتأمل بسابع المستحيلات.

 لقد كان المطلوب من تيار العهد، وقف النزيف المعيش، وهذا ما لم يتحقّق حتّى الآن. لكن ما هو مؤسف للغاية أن يسمع من يعيش في وادي الدموع اللبناني جمعاً من الشباب العوني يقول أن أولويتنا هي إسعادة حقوق المسيحيين!! وبالفعل صدق هذا الكلام إذ أن العهد إنهمك طيلة نصف عمره في التركيز على هذا الأمر فقط، بدليل مهزلة أشهر الثلث المعطل. وكأنّ فرنسا كانت محقّة عندما منحت طائفة معيّنة امتيازات تخوّلها حكم الطوائف الأخرى بقبضة من حديد. 

ولم تكن حرب التحرير عام 1989، الا مباراةً بالتراشق المدفعي، للدفاع عن اللقب، من اجل الموت في سبيل حقوق غير مكتسبة، والقتال على أكمل وجه للحفاظ عليها من دون وجه حق، وذلك لحفظ ماء الوجه!! وكأن دستور عام 1943 كان الجائزة الكبرى!! وكأنّ اتفاق الطائف، الذي دعا الى التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، على قاعدة التآخي والمساواة، من أجل اتخاذ القرارات الصائبة، المتعلّقة بالشؤون المصيرية للبلاد، هو جائزة ترضية بالنسبة لمناصري الدستور القديم!! أمّا الإنتقام من اتفاق الطائف فقد صبّ جام غضبه على الناجحين في وظائف الفئتين الثالثة والرابعةـ، فاحتُجزت لقمة عيشهم في القصر الجمهوري خلافاً لأحكام الدستور القائلة بأن المناصفة غير موجودة بتاتاً في وظائف تلك الفئتين، الثالثة والرابعة. رغم أنّ سيد العهد كان قد اقسم  على حماية دستور الأمة اللبنانية، في خطاب قسمه.

منطقياً من حق رئيس الجمهورية، كما من حق كل مواطن لبناني، اقتراح اعتماد المناصفة في وظائف تلك الفئتين عبر المناصفة بتعديل دستوري، لكن بالحوار المباشر مع رئيس الحكومة، ومع مجلس الوزراء مجتمعاً، قد تطول فترته. وفي حال اخفق الرئيس عون في تحقيق مراده، يكون الإنطباع السائد،أن بقيّة الاطراف ترفض التعديل، لأنّها تعتبر أن الطرف الذي انتصر عسكرياً في الحرب الأهلية، يعتذر عن اعادة مكاسبه للفريق الذي خرج منها مهزوماً.

إذن وبعدما بات لبنان وطناً منكوباً. يقبع في حِجر صحي تحيط به أحزمة البؤس، وجبال النفايات والهواء المسرطن، والشعارات الطائفية المقيتة. من هنا يمكن القول أن خطاب تيار العهد الذي زخر بمفردات وعبارات طائفيّة تعبر عن احباطٍ مسيحي، لا وجود لكيانه، الا في عالم الخيال والاوهام، عمّق نزيف الهجرة وضاعف من معدلات البطالة التي لامست نسبتها الـ 41% بين صفوف الشباب، وفي زمن العقوبات الأميركية على حزب الله. 

وهنا كان الخطأ الفادح لأن لقمة العيش والوضع المعيشي كان يجب أن يكونا من صلب اهتمام العهد،عوضاً عن التلهي بوساوس قهرية أضاعت الوقت وأرهقت كاهل الخزينة اللبنانية المنهكة أساساً منذ العام 2005 أقله. من هنا تبقى مقولة الرئيس بري، من دون إلغاء الطائفيّة السياسيّة لن يعود الإزدهار الإقتصادي الى الوطن في غاية الأهمية خصوصًا في أصعب ظرفٍ معيشي يمرّ به وطن جبران خليل جبران لأن بقاء المتاريس الطائفية جاثمة في النفوس، يُبقي لغة الكراهية والبغض والحقد حيّة ترزق من ينابيع الجهل، ويُبقي التواصل بين اللبنانيين محتجزاً في أقبية التعصب الديني والطائفي ويُبقي الحركة التجارية مشلولة، أسيرة قضبان واحات ورحاب التعاسة. 

إنّ تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية، يحتاج لإتمام مهمته الى فترةٍ قد تفوق العشر سنوات، بدءاً من تاريخ وضع ورشتها على السكة الصحيحة  في كنف الندوة النيابية ، وتكمن أهمية تلك الهيئة بعمل علماء نفس واجتماع ونقاد ومحللين ضمن عداد فريقها المولج ولوج حرم وقاعات المدارس والمعاهد والجامعات والجمعيات، لإقامة المحاضرات الزاخرة والمفعمة بشتى وسائل وأساليب الإقناع ، حتى التمكن من استئصال تلك الجرثومة الخبيثة من النفوس ولو بعد فترة من الزمن، كما أسلفت، وعندما تتكلل مهمتها بالنجاح الفائق يكون عرس لبنان الكبير،وعندها لن يعود إنسان يسأل آخر فور تعرفه اليه ، ما اسم طائفتك وأين يقع مسقط رأسك، ولا يعود سكان منطقة مقتنعين بتوجسهم من استئجار مواطنٍ من دينٍ مغاير لدينهم، لشقة سكنية في منطقتهم،بل يكون استقباله مذيلاً بمطلع ترنيمة تقول ، تعال بيننا أقمّ عندنا وخذ من قلوبنا لك مسكناً، وستزداد الزيجات بين انسانٍ من دين معين  وانسانة من دين مغاير له، لأنّ الوعي المكتسب حديثاً يُبقي مصنع السلم الأهلي، الذي بدوره أيضاً يكون قد أفحم الجميع بأن الإنسان وجد قبل وجود الاديان ، وبأن الاديان وجدت لتوّحد لا لتفرق. لأنها ليست قبائل وعشائر وأحزاب. وعندها تصبح لدينا جامعة وطنية لبنانية، بدلاً من بقائها منقسمة الى فرعين فرع أول مسلم وفرع ثانٍ مسيحي. 

ويمسي الإنسان اللبناني محترماً للرأي الآخر في الوطن، حتى لرأي من لا يؤمن بعجائب السماء أي بالفلسفة المادية، لأنه يكون قد أقرّ واعترف بأن الحرية، تعشق مقولة الناس أجناس، لأنّ البطن بستان. ولا يعود المواطن اللبناني يفاخر بالقول: يجب أن نمحض الولاء لهذا المسؤول، لأنّه ابن قريتنا ومنطقتنا وطائفتنا حتى لو كنّا نعلم أنّ معظم مواقفه السياسية غير مرغوب بها في جادة الصواب، ولا يعود مواطن لبناني يقول لآخر أهلاً وسهلاً بك في قريتي أو مدينتي ، لأنه يكون قد أحسّ أنّه من الحقّ القول لأخيه في الوطن، أهلاً وسهلاً بك في وطنك ويمسي إبن صيدا مهتماً بإنماء مدينة جونية، ويصبح إبن المتن شغوفاً بإنماء الضنيّة وعكّار،ويعتلي الدستور المدني اللّا طائفي، عرش الحكم الذي يحترم بنوده ومندرجاته الرؤساء والوزراء والنواب، عبر تنفيذ ما تمليه عليهم مثاليته، ويجلس الرجل المناسب في مكانه المناسب وفق كفاءته ونزاهته لا وفق اسم دينه وطائفته، وخارج اطار اسطورة اسمها مناصفة أو مثالثة أو مسادسة.