بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الأول 2018 12:41ص المثالثة في لبنان.. وهمّ أم حقيقة؟!

حجم الخط
كأنّ لبنان لا يكفيه الانقسام السياسي الحاد بين فئاته السياسية والدينية، ليأتي مَنْ يلوّح باقتراحات جديدة تزيد الانقسام القائم خطورةً على مصير البلد، فهناك مَنْ يطمح إلى إرساء قواعد مناقضة لصيغة الحكم الحالي المستندة إلى روحية اتفاق «الطائف» للعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، فقد انتشرت مؤخّراً أصداء عن توجّه جدّي لدى فريقٍ سياسيٍّ لإعادة النظر باتفاق الطائف، وطرح صيغة «المثالثة» على الأرجح.
ورَكَزَت الصيغة بين توجّهين، أوّلهما تقاسم السلطة بين الشيعة والسُنّة والموارنة دون سواهم من المذاهب، وثانيهما إعطاء الطائفة الشيعية منفردة الثلث، وثلث للمذاهب الإسلامية الأخرى، وثلث للمذاهب المسيحية مجتمعة.
من تداعيات صيغة «المثالثة»، فرض وقائع ديمغرافية مختلفة عن الواقع العددي على الأرض، وهي صيغةٌ مجحفة بحقّ عدد من الطوائف والمذاهب لصالح طائفة واحدة، وقد تنشأ بسببها صراعاتٍ على النِّسَب داخل الكتلة المسيحية والكتلة المسلمة من غير الشيعة، أو صراع مُستجد كلّما تغيّرت النسب بين الكتل أو ضمن الكتلة الواحدة.
والأخطر من ذلك هو ما تعنيه صيغة «المثالثة» عملياً من نسفٍ لسابقتها التي كرّست «المناصفة» الحالية، وتالياً إسقاط ما يُعرف بـ«الديمقراطية التوافقية» لصالح ديمقراطية تقوم على الأكثرية العددية، وذلك أنّ الصيغة ستفرز ثلاث كتل طائفية، كل منها يملك حق التعطيل، شرط اتفاق المذاهب داخل الكتلة الواحدة. المسيحية بكل فئاتها وأحزابها من جهة، والسُنّة والدروز والعلويون بجميع فئاتهم وأحزابهم من جهة أخرى، بينما يكون لـ»الثنائي الشيعي» الثلث الصافي والانفراد بحق التعطيل أو «الفيتو» وحدهم.
أمّا في حال تحالف الشيعة مع طائفة أخرى، فسيحوزون حينها الأغلبية المطلقة، التي تمكّنهم من التفرّد بالقرار السياسي.
وبالرغم من عدم طرح الفريق الشيعي إعادة النظر بـ«الطائف» أو صيغة «المثالثة»، مباشرة أو علناً حتى الآن، إلا أنّ هناك تطبيقاً لها من خلال الممارسة ومحاولة تكريس أعراف جديدة، منها: عرف يكون بموجبه وزير المال في أي حكومة لبنانية من المذهب الشيعي، بحيث يكون توقيعه الرابع في السلطة التنفيذية، بعد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص، في حين غياب نص دستوري يكرّس حصرية وزارة محدّدة بطائفة محدّدة.
وربما يشعر «الثنائي الشيعي» بأنّه من حق طائفتهم أنْ يكون لها موقع ثابت في السلطة التنفيذية، بالرغم من أنّ اتفاق الطائف، لم يلحظ أي موقع شيعي في هذه السلطة، لكن في المقابل خصَّ الطائفة الشيعية برئاسة السلطة التشريعية التي تتمتع بصلاحيات مُعزّزة تمكّنها من فرض سيطرة واسعة على النشاط التشريعي والحياة السياسية في لبنان. ولم يعد مستبعداً أنْ تتم الدعوة إلى تعديل اتفاق الطائف وصولاً، ربّما، إلى المطالبة بخلق منصب نائب رئيس الجمهورية، على أنْ يكون شيعياً، ويتمتّع بصلاحيات تنفيذية واضحة.
إنّ الطريق إلى المثالثة مفخّخة، ويمكنها أنْ تبدأ بدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد، وتنتهي بحربٍ أهليّةٍ جديدةٍ، والحقيقة أنّ لا أحد بإمكانه معرفة إلى أين ستؤول الأمور، ولكن، إنْ دلّت التطورات على الساحة اللبنانية على شيء، فهي تُنذر بأنّ الأزمة أكبر من خلاف سياسي، وأنّها ربما باتت أزمة حُكم يستعصي حلّها في المدى القريب.