بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الأول 2021 08:20ص المخيمات الفلسطينية تتجاوز الفتنة.. إلى حين؟

الهجوم على وزير العمل بين البُعد الانتخابي وسوء الفهم

حجم الخط
مع كل مرّة يُقدم فيها المسؤولون الرسميون على مقاربة موضوع العمالة الفلسطينية في شكل أكثر عدلاً أو ليقدموا رؤية نوعا ما معدلة عن السابق، يخرج البعض رافضا في شكل قاطع أي مقاربة جديدة لهذا لموضوع مستحضرا التاريخ اللبناني الذي بات بعيدا خلال سنوات الحرب الاهلية، مستفيدا من ذلك طائفيا وموظفا إياه في تعزيز حضوره على هذا الصعيد.

لم يستأهل كل هذه الضجة والمزايدات الطائفية ذلك القرار رقم 96/1 الصادر عن وزير العمل مصطفى بيرم في 25 تشرين الثاني 2021، الذي نشر في الجريدة الرسمية في 9 كانون الأول 2021، والذي يتناول المهن التي يجب حصرها باللبنانيين فقط مع استثنائه في مادته الثانية الفلسطينيين والأجنبي المولود من أم لبنانية أو متزوجا من لبنانية، والمولودين في لبنان من حملة بطاقة مكتومي القيد من أحكام المادة الأولى من القرار التي تحصر غالبية المهن والوظائف والأشغال باللبنانيين فقط مع التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون.

فقد ساهم كثيرون في هذه الهجمة على صاحب القرار والفلسطينيين، من دون فهم ماهية القرار نفسه وسط سعار انتخابي بدأ سريعا حول الموضوع، قبل ان تهدأ الهجمات نسبيا مع توضيحات صدرت لمضمون القرار ما أحرج المهاجِمين أو هدّأهم. 

وإذا كان لبنان يمرّ اليوم في أسوأ ازمة أقتصادية له على الاطلاق منذ إنشائه، أسفرت عن بطالة هائلة وأخرى مقنعة، فإن القرار لا يبيح ما كان ممنوعاً على الفلسطينيين في السابق، كون ما جاء به وزير العمل مصطفى بيرم هو عبارة عن توفير هامش أوسع لنسبة العمالة الفلسطينية فقط، وضمن ما تتيحه القوانين ومن صلاحيات الوزير في الأصل، علما ان الازمة في المخيمات الفلسطينية هي اكبر منها في لبنان لا سيما في ظل الشروط التي تفرضها وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» وسط خشية الفلسطينيين من أية لحظة يُتخذ فيها قرار دولي بالتنصل نهائيا من تمويل هذه الوكالة التي تمثل النبض الباقي للفلسطينيين في دول الشتات.

سباق مسيحي على انتقاد القرار

في الناحية المقابلة للفلسطينيين، كان أول من انتقد القرار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يعتبر ان القرار يؤثر سلبا على العمالة اللبنانية، لكنه ايضا يعلم تماما ان الهجوم على هذا القرار يحقق له شعبية يحتاجها في الشارع المسيحي، ولذلك قد لا يأبه لما يؤدي إليه رفض قرار لوزير محسوب على حليفه «حزب الله» الذي تتزايد المواضيع الخلافية معه واللائحة بالخلافات بدأت تطول من دون أن تُطرح جدياً على الطاولة بين حليفي تفاهم مار مخايل..

لكن باسيل كان بارعا في استباقه أخصامه على الساحة المسيحية في انتقاد القرار وهم الذين تبعوه في مواقف لا تقل شراسة ضد القرار وأهمهم البطريرك الماروني بشارة الراعي وحزب «الكتائب» وطبعا «القوات اللبنانية» وغيرهم في مزايدة انتخابية واضحة كونه موضوع يلقى صدى إيجابيا لدى جماهيرهم.

وذلك يشير الى ان العقلية القديمة في النظرة الى الفلسطيني لم تتغيّر، والأخير متهم دوماً ليس فقط بالعبث بالاستقرار اللبناني وأمنه، بل بإشعال الحرب اللبنانية التي يتنصل منها اليمين اللبناني بالكامل. واليوم تعود هذه المقاربة الرافضة ليس فقط للفلسطينيين بل لكل اللاجئين، في رزقهم لا بل في وجودهم في الأصل على الأرض اللبنانية.

في المقابل أجرى الفلسطينيون مراجعة مُرّة لمسارهم خلال الاحداث اللبنانية، وهي للعلم مراجعة تلقت النقد اللاذع من قبل بعض حلفائهم في ذاك الزمان كونها مراجعة غير مفيدة ناهيك عن انها مغلوطة.

وشرع الفلسطينيون في حوار مع لبنان الرسمي والحزبي مؤكدين ابتعادهم عن الخلافات اللبنانية الداخلية وعدم اصطفافهم مع احد فيها، وايلائهم الاولوية لمطالبهم المعيشية ولرفع الظلم عنهم، وبهذا الإطار رحب هؤلاء بقرار وزير العمل ورأوا فيه خطوة على طريق تعزيز صمود اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم. 

وهذا كان دليلا جديدا على رفضهم للتوطين المتَهمين به دوما، لكن من دون التنازل عن حقوق مدنية نصّت عليها شرعة حقوق الإنسان والمواثيق والقوانين الدولية الراعية لحقوق اللاجئين، وتكرارهم وتذكيرهم لبنان الرسمي بأنه من الدول الموقعة على هذه القوانين والمعاهدات.

على ان القرار الذي استخدم فيه بيرم صلاحياته في قانون العمل اللبناني، تحديدا المادة 9، وحافظ فيه على المنحى المتبع تجاه الفلسطينيين منذ صدور مذكرة وزير العمل الأسبق طراد حمادة في العام 2005، وكانت الاولى على هذا الصعيد، مع توسع بيرم ببعض المهن، جاء أيضا ثمرة عمل للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي تسلم الدكتور باسل الحسن رئاستها قبل أسابيع.

وفي جعبة الهيئة الكثير من العمل للقيام به، وقد ترأس الحسن قبل أيام فعاليات اللجنة الاستشارية الإقليمية لـ»الأونروا» التي عقدت في الأردن. وقبل سنوات حاول الرئيس السابق للجنة الدكتور حسن منيمنة صياغة أطر ثابتة لعمل اللاجئين في لبنان تراعي حقوقهم ومصلحة لبنان بالتوازي، لكن الموضوع اتضح انه سياسي في الدرجة الاولى، وقد خرجت العلاقة مع الفصائل الفلسطينية من يد اللجنة لتمحورها حول الجانب الامني.

على هذا الصعيد أبلى الفلسطينيون البلاء الحسن وتعاونوا الى أقصى درجة مع الأجهزة اللبنانية وغيرها.. محققين انجازات كبيرة على صعيد استقرار المخيمات وضرب التنظيمات الارهابية فيها التي باتت عبارة عن شرذمات قليلة غير ذات فعالية.

مسؤولية «حماس» والأمن الوطني»

واليوم بعد التوتر الكبير الذي شاب مخيم البرج الشمالي قرب مدينة صور خلال الايام الماضية، تمكن المعنيون على الساحة الفلسطينية من محاصرة الفتنة المستجدة بين الأمن الوطني الذي سلّم أحد مطلقي النار الذي أودى بثلاثة عناصر من حركة «حماس»، لكن الى حين، اذ سرعان ما سرت خشية لدى ابناء البرج الشمالي من تصاعد التوتر وامتداده الى مخيمات أخرى.

ولا يزال القلق قائما حتى كتابة هذه الأسطر، وهو ما دفع «حماس»، التي تتهم مباشرة الأمن الوطني بارتكاب المجزرة وتطالب بتسليم كل المتهمين الى السلطات الرسمية، الى إلغاء حفل استقبالها الذي كان مقررا اليوم لمناسبة انطلاقتها، ما يعني ان هناك خشية من تطور الأمور سلباً وسط حالة جهوزية لدى الجانبين في ظل سيل من التهجمات على بعضهما البعض عبر البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي..

والحال ان هذا الواقع يضاعف مسؤولية الفصائل في الفترة المقبلة التي تُقبل المخيمات عليها وسط وضع لبناني غير مستقر تشوبه إشاعات حول تفجيرات أمنية قبيل الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.

وقد أثبت الأفرقاء الفلسطينيين ومعهم لاعبون لبنانيون في المخيمات وخاصة البرج الشمالي مثل حركة «أمل» المتواجدة في البلدة حيث المخيم، مسؤولية كبيرة ومرروا تشييع قتلى اطلاق النار أمس في صيدا، وفق مصادر فلسطينية تؤكد أن لا مصلحة لأحد في تصعيد التوتر ونقله من وسائل التواصل الاجتماعي الى الأرض ذات التماس مع وضع لبناني معقد ومفتوح على أي توتر في ظل تحيّن العدو لأية فرصة للانقضاض على سلم المخيمات ولبنان الذي اختبر هذا الأمر خلال احداث الطيونة.

لتواصل أكثر رسميّة مع الفصائل

في موازاة ذلك ورغم التقدم الذي تحقق ويعود في الأساس الى الجهد الفلسطيني اللبناني، ثمة نيّة لبنانية لمتابعة العمل على صعيد ضبط السلاح الفلسطيني في المخيمات وتعزيز استقرارها، تحديدا في المخيمات الكبيرة كما في عين الحلوة والتعمير، والتأكد انه سيستمر ولا يتأثر بأي تطور امني خارجي.

وستجهد لجنة الحوار لتنظيم العلاقة رسميا مع الفصائل الفلسطينية وهي شرعت في لقاءات مكثفة معهم في محاولة لإعادة مأسسة تلك العلاقة مع تفعيل المشاريع التنموية داخل المخيمات واعادة اطلاق الحوار مع الفلسطينيين، علما ان المهمة تشوبها صعوبة اكبر في مراحل توتر المخيمات عنها في مراحل الهدوء او حتى الاستقرار القلق.. 

لكنها ستكون محاولة طموحة من قبل لبنان الرسمي لمقاربة شاملة ذات رزمة واحدة في اطار استراتيجية موحدة تتضمن كل الاحتمالات المحيقة بالوضع الفلسطيني، كون لا يمكن فصل الأزمة المعيشية في المخيمات كما على صعيد بنيتها التحتية، عن أزمة لبنانية موازية تفاقمها.