بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2020 12:02ص المنظومةُ تُخيّر اللبنانيّين: التحقيق أو الفوضى!

عرقلة التشكيل تحمل أبعاداً عدّة.. والردّ على نتائج الانتخابات الطلابية لم يتأخر

حجم الخط
كل مؤشرات التأزم الراهن وممارسات السلطة إزاء أكثر من ملف واستحقاق، تحيل إلى تقاطعات مشابهة ظلّلَت المشهد الداخل اللبناني في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 وما تلاها من جرائم، حيث تجنّدت منظومة متكاملة، سياسيّة وإعلامية وأمنية ومليشيوية، للتضليل ومنع الوصول إلى التحقيق الدولي مستخدمة كل وسائل الضغط والترهيب. واليوم، ثمّة من يريد تخيير اللبنانيين بين خيارين: التحقيق في جريمة مرفأ بيروت أو الفوضى، بما يشمل التلويح بالاغتيالات، هزّ الاستقرار، التجويع، تهديد اللبنانيين، التهويل على القضاء أو بالقضاء من خلال استخدام جزء منه للكيدية والتشفيّ، أو التنكيل به ببعد طائفي، وصولاً إلى رشوة المجتمع الدولي بملفات داخلية أو إقليمية يحتاجها.

أكثر من ذلك، وفيما انتظر اللبنانيون مجيء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت، معوّلين أن «يكتشف» ولو متأخراً كذبَ ودجلَ وعبثيّة ولامبالاة الطبقة السياسيّة التي أفشلت مبادرته لحل الأزمة، ويكون ذلك دافعاً للتشدد أكثر، فإذا بكورونا، وكأنه متواطىء معهم، يمنعه من المجيء، ويمنحهم فرصة جديدة للنجاة بارتكاباتهم!!

لغز العنبر 12 والانتظار القاتل

هكذا تستمر العبثيّة والفراغ القاتل متحكماً في ثنايا المشهد اللبناني؛ فبدل التقدم بالتحقيق في الجريمة ضدّ الإنسانية التي حصلت في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، تزداد التعقيدات والمعوقات التي تحول دون إحراز أي خطوة باتجاه فكّ لغز ما حصل، وما كان يحصل، في «العنبر رقم 12»! وفيما اللبنانيون، وبينهم ذوو مئتي ضحية، وآلاف الجرحى ومئات آلاف المتضررين، ينتظرون منذ أكثر من أربعة أشهر ما يجيب عن أسئلة تؤرّق بالهم، يغرق مسار التحقيق في جدليات من شأنها التوهانُ أكثر فأكثر عن الوصول إلى الحقيقة.

طموح إلغاء الطائف مقامرة غير محسوبة العواقب، والظنّ بأن السُنّة أنهكوا لدرجة الإسقاط توهّم وجهل

لا نعرف ما الذي دفع القاضي فادي صوّان إلى اختيار مجموعة أسماء والادعاء عليها، من ضمن لائحة تمّ تسريبها للإعلام لرؤساء ووزراء ومسؤولين كانوا على اطلاع بخطوة القنبلة النووية التي كانت مخبأة في مرفأ بيروت، ناهيك عمّن هم بحكم خبراتهم أو مسؤولياتهم الدستورية «كانوا يعلمون» قبيل كارثة 4 آب؟! لا يفترض بأحد أن يتدخل في عمل القاضي، أو الاستراتيجية التي يعتمدها للتعامل مع الملف (إن سمح له بإكمال مهمته)، لكن يفترض أنه يعرف تماماً أن الانتقائية في الاستدعاء أو الإدعاء ستقابل برود أفعال تراوح بين الاعتراض أو الاعتراض لأكثر من سبب دستوري وطائفي وسياسي.

ما يلاحظه المتابعون على خط الاستدعاءات والتوقيفات أن المهم– إلى جانب أن يطال التوقيف من قصّر وأهمل- معرفة من استقدم 2750 طناً من نترات الأمونيوم، ومن أدخلها، ومن حماها، ومن استعمل أجزاءً منها، وكيف وأين، فتصبح يوم الانفجار المشؤوم نحو 500 طن فقط، ومن تسبّب بتدمير بيروت على أهلها مفتعلاً جريمة ضدّ الإنسانية كاملة الأوصاف والحيثيات، ومن اقتطع جزءاً من المرفأ وجعله محرماً على الدولة وأجهزتها.. من دون أن يرف له جفن أو ضمير!؟ من فعل كل ذلك، يبدو أنه مرتاح على وضعه لدرجة أنه يستطيع حرفَ أنظار الشعب بأكثر من قضية وملف، ويستطيع أن يضلّل التحقيق، وأن يبتز القضاء، أو يبتزّ به، وأن يرسم سيناريوات ويسوقها بين الناس وفي الإعلام، وأن يضبط إيقاع كل ذلك وفق رغبته ومشتهاه!

التعويل، يبقى على استقلالية القضاء، وصموده أمام الضغوطات أو التهديدات وهي بلا شكّ كبيرة جداً، لأن ذلك مقدمة ضرورية لتهاوي المنظومة التي تتمنّع حتى الساعة، وتبدأ بفضح بعضها البعض. وإلى حين الوصول إلى تلك اللحظة، لا يجب التخلي عن مطلب التحقيق الدولي والضغط في سبيل ذلك بكل السبل والوسائل، توصّلاً لكشف كل ما جرى.

الشأن الحكومة.. «مرتا مرتا»

وكما في ملف التحقيق، كذلك في الشأن الحكومي؛ وبدل الإنجاز يحضر تبادل العتب الدستوري، والتدلل على أشلاء الوطن المدمّر، على طريقة «تيريز تيريز (على وزن مرتا مرتا).. تطلبين أشياء كثيرة، فيما المطلوب» وقف المهاترات والكيدية وتدمير المؤسسات باسم الدستور والصلاحيات، وكل ذلك يثبت، للمرّة الألف، أن أحد أبشع وجوه الأزمة افتقاد لبنان لرجال الدولة، ويؤكّد المؤكد، بأن الدستور استحال إلى وجهة نظر وأداة للتشفي والعرقلة والكيديات.

في المعطيات المتوفرة في المدى القريب، لا حكومة في المدى الراهن، وهي ستبقى معلقة على البازار الإيراني واللعب الداخلي على تناقضات ما يجري في الإقليم.

أما في المدى الأوسع، فالأمور معلقة على إسقاط الطائف بشكل محدد، بما يعنيه وما يمثّله، وهذا هو القاسم المشترك بين أتباع حلف الأقليات المقيت الذين يتوهمون أن السُنّة خسروا في سوريا والعراق، وأنهكوا في لبنان لدرجة أنه حان وقت إسقاطهم. المقامرة هذه غير محسوبة العواقب والنتائج، وفيها من التوهّم والجهل والاستقواء والإجرام الكثير... وللحديث عنها تتمة لاحقة.

الآتي.. أسوأ!

في الخلاصة، في الطريق إلى تكشّف من تحمله مقبلات الأيام؛ لبنان على موعد مع:

التعقيدات الداخلية ستستمر وقد تتصاعد، سواء على الصعيد الحكومي أو على صعيد التحقيق بجريمة المرفأ، وجزء من هذه المماطلة هي مجرد انتظارات إقليمية، إيرانية تحديداً، لمعرفة رؤية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لقضايا الشرق الأوسط وخيارات التعامل مع النظام الإيراني.

المنظومة المتحكّمة ستواصل إحتيالاتها، لتحصين نفسها، أو إعادة إنتاج مشروعيتها لتكون جزءاً من المرحلة المقبلة.. مهما كان الثمن. والأكيد أنها ستستخدم كل شيء.. كل شيء، بما فيه عصا القضاء والأجهزة والتجويع في سبيل ذلك.

التحقيقات القائمة لن تتقدم (التحقيق الجنائي في مصرف لبنان، والتحقيق بجرائم البواخر وملحقاتها، وبجريمة المرفأ...)، ولن يكتشف اللبنانيون من المسؤول عن إفلاسهم وتجويعهم وقتلهم!

العهد، البائس والنحس، سيستمر بالإنكار، وستتصرف الحاشية وكأن الأمور في أحسن أحوالها، وستزيد من تلاعبها على نصوص الدستور وعلى المشاعر الطائفية، وما على اللبنانيين إلا الانتظار.

ستواصل السلطة استخدام الدستور والقضاء والأجهزة والشائعات والكيديات لخنق ثورة الشعب، وما جرى ما الطلاب الجامعيين خلال تظاهرات السبت أوضح مثال، وأصدق ردّ من المنظومة المتحكّمة على فوز المستقلين في الانتخابات الطالبية في الجامعات.

وأخيراً، الاستنزاف، وتآكل الدولة، والانهيار، والإفلاس، والعزلة، أيضاً ستتواصل، وكل ذلك..كلّه، على مرآى ومسمع من المجتمع الدولي. ولله الأمر من قبل ومن بعد.