بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 شباط 2021 12:00ص «الناس وين وإنتو وين... هزلت.. ومن دون نقطة عالسطر»!!

حجم الخط
كيف يُمكن لنا أن لا نتحسَّر وأن لا نشعر بمرارة ما بعدها مرارة حين نسمع ونشهد ونتابع على مدار الساعة ما يشبه «سوق عكاظ» بين من يُفترض بهم أن يكونوا على قدر أهل العزم والمسؤولية في بلد بات يتهاوى فيه كل شيء، بدءاً من القيم والأخلاق لدى من يتولون زمام الأمور في وطن الأرز لبنان على كل المستويات والصعد، مروراً بكل ما يتخبّط به المجتمع اللبناني من أزمات اقتصادية ومعيشية ومالية وصحية على حدّ سواء، وصولاً إلى سمعة لبنان إقليمياً ودولياً التي  شابها الكثير من علامات الاستفهام لدى العديد من الدول في الخارج بسبب استهتار المسؤولين والمعنيين بالشأن الداخلي وبشؤون وشجون الناس المصيرية والحياتية التي شارفت الوصول إلى الحضيض، فبات الوضع كارثياً وعلى شفير الهاوية.

كل ذلك، في حين أن المسؤولين والسياسيين يتلهَّون بصغائر الأمور في ما بينهم، ويتبادلون التهم والمشاحنات والمهاترات السياسية ليل نهار، ويُتبعون ذلك «بحرب عشواء» لبيانات وبيانات مضادة، ما بين قصر بعبدا وبيت الوسط من جهة،وبين التيارين البرتقالي والأزرق من جهة أخرى، في ردّ من هنا وردّ من هناك وكأن الوضع أصبح يشبه «حفلات الزجل» بغياب «الدف» الذي يرافق عادة الزجّالين» في رداتهم على بعضهم البعض، مع التأكيد أن المواطن اللبناني أصبح «من دون دف بيرقص». وبات كالطائر المذبوح يئن من الألم.

من هنا، كيف يُمكن لأي كان أن يتصور أن ما يحصل في لبنان حالياً هو مجرّد أزمة عابرة.. لا أنها «كارثة الكوارث» على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والنقدية والحياتية والصحية وحتى الأمنية منها، حيث أن ما حصل في طرابلس الفيحاء مؤخراً يُؤكّد ذلك، إذ حاولت أيادي الشر والفتنة أن تمتد إليها وإلى تاريخها الحضاري العريق لتحرق وتدمر وتخرب معالمها الثقافية وإداراتها الرسمية إن كان في سراياها أو في القصر البلدي أو المحكمة الشرعية وغيرها، في محاولة لتبادل الرسائل السياسية والأمنية بين أطراف عديدة لإثارة الفتنة وإطلاق الشرارة الأولى التي كانت ستمتد - لا سمح الله - لتستعر نارها في ما بعد وتشعل البلد بأسره لولا تدارك الأسوأ وإطفاء هذا اللهيب قبل استفحاله كالنار في الهشيم.

ففي حين لم تنجح حتى الآن كل المحاولات والوساطات والجهود المبذولة على أكثر من صعيد ما بين الرئيس عون والرئيس المكلف سعد الحريري لتذليل العقبات والصعوبات من أجل تسهيل تأليف حكومة جديدة من الإخصائيين، طال انتظارها،وبدلاً من أن يعمل كل طرف منهما على إخماد نار الخلافات بينهما المتأجِّجة تمهيداً للتوصل إلى قاسم مشترك أو إلى حدّ أدنى من التوافق على شكل مثل تلك الحكومة العتيدة، نجد أن كل طرف منهما ينام ويستفيق على بيان من هنا وبيان من هناك وردود مضادة تعكس في طياتها مدى الفجوة الكبيرة بين الطرفين وما يمثلون من أطراف سياسية أخرى، بغض النظر عن كل ما يقوله أو يدَّعيه هذا الطرف أو ذاك بشأن مواد الدستور وصلاحيات كل منهما، وهذا ما يجعل صورة المشهد اللبناني قاتمة وعكس بوضوح قلة الثقة التي باتت شبه معدومة بين الرجلين، فكيف إذاً سيمكن لهما العمل معا؛ً في حال تشكّلت الحكومة الجديدة بعد جهد جهيد، وماذا ينتظر لبنان في هكذا حالة بعد أخذ الصورة التذكارية للوزراء الجدد، وكم هو عدد المطبات السياسية والحزبية والفئوية والطائفية والمذهبية والمناطقية التي ستشكل عوائق وعثرات أمام انطلاق مثل تلك الحكومة في عملها، بدءاً من صياغة البيان الوزاري مروراً بجلسات الثقة تحت قبة البرلمان وانتهاءً بالجلوس معاً على طاولة مجلس الوزراء مرّة أو مرتين اسبوعياً على الأقل لإتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية لإنقاذ البلد ومواجهة الأزمات التي عانى منها دون أن يستطيع أحد حتى الآن لجم التخبط والانهيار الذي من شأنه جرّ البلد نحو المجهول.

غلاء فاحش، احتكار من قبل التجار ما بعده احتكار، بطالة تزداد يوماً بعد يوم، دولار يسابق في ارتفاع سعره الوقت والزمن من دون سقف أو حدود، وباء الكورونا يجرف في طريقه كل من يصادفه كبيراً كان أو صغيراً، دواء شبه مفقود حتى تكاد لا تجد حبة «بانادول» في صيدلية ما، أما التحقيق في انفجار المرفأ المشؤوم فحدِّث عنه ولا حرج، وهو لا يزال غائباً عن السمع، سجون مكتظة بالكثير من الأبرياء دون محاكمات، في حين أن الكورونا لا ترحم أحداً منهم، تدقيق جنائي ما زال حتى الآن ينتظر إشارة الانطلاق للبدء في عمله لكشف المستور، أموال المودعين في المصارف ضاعت وتاهت بين أيدي سارقيها والناهبين من أصحاب النفوذ، تهريب أموال بمليارات الدولارات إلى الخارج من خلال السطو على المال العام، وللقضاء السويسري أو غيره أن يقول كلمته الفصل في هذا السياق، قضاء لبنان نزيه وعدد من القضاة الفاسدين دون رقيب أو حسيب، حكومة تصريف أعمال «لا بتهش ولا بتنش»، قضية ترسيم الحدود نامت على الحدود حتى إشعار آخر، وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. صفقات، اختلاسات، سمسرات من قبل المسؤولين والسياسيين والحكام الفاسدين «من فج وغميق»، مستشفيات حكومية وخاصة تعج بمصابي وباء كورونا حتى ضاقت بهم أروقتها وبات المصابون بهذا الوباء ينتظرون في غرف الطوارئ وحتى في سياراتهم، والعديد منهم يموتون على أبواب تلك المستشفيات. حتى أن أجهزة الأوكسجين جاء من يرفع أسعارها بشكل مضاعف وخيالي لكي يقطع آخر نفس للبنانيين الذين هم بحاجة إلى الأوكسجين، مساعدات أتت من دول شقيقة وصديقة إضافة إلى مستشفيات ميدانية لم توزع كما يجب، والعنوان واضح «المدينة الرياضية» في بيروت. أزمة محروقات وطحين بين الحين والآخر، قطع طرقات وحرق إطارات للتعبير عن مدى المعاناة ووجع الناس، سياحة معدومة، اقتصاد منهار فيما الليرة اللبنانية تتهاوى قيمتها الشرائية «على مد عينك والنظر».

هذه الصورة القاتمة عن كل هذا الواقع المأساوي المرير في لبنان هي للدلالة فقط على مدى حجم الكارثة التي يعاني منها لبنان والشعب اللبناني، فيما الكبار من المسؤولين يركزون صلب اهتماماتهم على حصة من هنا وأخرى من هناك، «ووزير بالزايد أو وزير بالناقص» وحكومة مَهَمَّة من 18 أو من 20 وزيراً، كما وأن للثلث المعطل حساباته الخاصة لديهم مع تأكيد من هنا ونفي من هناك، أما بيان الرئيس برّي الأخير حول هذا الموضوع فله دلالاته  وهو معطر بكل ما للكلمة من معنى، دون أن ننسى لمن ستكون حصة الوزير الأرمني في ما بينهم، ناهيك بتفسير الدستور ومواده كلٌّ على قياسه والدستور من ذلك براء، أما الأغرب من كل ذلك ما يتحفنا به كل صباح ومساء الوزراء والنواب والسياسيون من تصريحات وتغريدات ونظريات ومواقف وآراء تكاد لا تغني عن جوع.

وحين تصل الأمور إلى اقتسام الحصص والمغانم وفق مصالح كل طرف أو حزب أو تيّار أو طائفة أو مذهب أو منطقة تستذكر مقولة «عالسكين يا بطيخ» وهذا موقف معلن للرئيس برّي في أكثر من مجلس ومناسبة حين يطرح الموضوع على صعيد اقتسام الحصص وتوزيعها على بعضهم البعض، وأطرف ما جاء على لسان أحدهم في هذا المجال «بطيخ يكسر بعضو» باعتبار أن أسعار الفخار أصبحت غالية في هذا الزمن.

أما لمن ينتظر الفرج والترياق من الخارج لا سيما بعد اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخير بالرئيس ميشال عون، وربما بالرئيس المكلف سعد الحريري، فلا يُمكن لأحد أن يعلّق الآمال على ذلك بشكل حاسم وجازم، لا سيما عندما يجد الرئيس ماكرون والآخرون أن مسؤولي وحكام وسياسيِّي هذا البلد هم في واد والناس في واد آخر، وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي باختصار وبكلمات وجيزة بكل وضوح.

كل ذلك يجعلنا نختصر المشهد بكلمات تعبّر عن وجع ومرارة اللبنانيين، كل اللبنانيين، للقول لكل المسؤولين والسياسيين «استحوا، هزلت، الناس وين وإنتو وين ومن دون نقطة على السطر».!!