منذ نعومة أظافرنا، نكاد لا نسمع بمعركة الاستقلال إلا ويُذكر معها حزب النجادة الذي كانت له إسهاماتٍ كبيرة وكثيرة تحقيق ذلك الحدث، فهذا الحزب بقي راسخًا في وجدان وعقول الناس، وفي فترة ما بعد الاستقلال دخل الحياة السياسية البرلمانية ممثلاً بيروت واسهم داخل البرلمان بقوانين وتشريعات ومواقف وطنية، إلا أنه دخل في سباتٍ عميق نتيجة لاسباب عديدة منها عدم إنغماسه في دماء اللبنانيين في الحرب الأهلية، التي أزهقت أرواح عشرات الألوف التي أمتدت منذ سنة 1975 إلى 1990، وطبعًا وكما نعرف جميعًا أنه من يتصدر المشهد السياسي اللبناني اليوم هو من شارك في تلك الحرب، وكما أنه أيضًا يُشهد لهذا الحزب أنه لم يشارك في الفساد الذي حصل منذ سنة 1990، أي بعد انتهاء الحرب وعقد اتفاق الطائف وبقي محايدًا ودخل في نوع من العزلة السياسية لعدة أسبابٍ لن ندخل في شرحها الآن، ولكن يتساءل البعض لماذا يتم ذكر الحزب اليوم؟ أين هو مما يحصل من خراب ودمارٍ في المشهد اللبناني والتقاذف الحاصل بين أركان السلطة؟ أليست الأحزاب هي المسؤولة عن فقر الشعب اللبناني؟
يعيش لبنان اليوم في حالةٍ صعبةٍ وحرجةٍ تكاد تكون مفصلية في تاريخه تأسيسه ككيانٍ سياسيٍ أفرزته إتفاقية سايكس بيكو حتى وصل إلى مئويته الأولى، ولكنه وصل يعاني من أزمةٍ بينويةٍ مُعقدةٍ لدرجةٍ تكاد تحتاج إلى معجزةٍ كي يعود صحيحًا ومعافى كما كان من قبل. بعد ثورة 17 تشرين أصبحت الناس تنظر إلى الأحزاب نظرة معادية في معظم الأحيان بسبب ما أنتجته تلك الأحزاب من فسادٍ وسرقاتٍ للأموال وبيروقراطيةٍ قاتلةٍ في مؤسسات الدولة حيث أصبح ولاء معظم الموظفين للأحزاب وليس للدولة مما ساهم في النزعة النيوليبرالية، وتغلغلت الطائفية السياسية في مفاصل الدولة حيث عطلت القرارات السياسية بشكلٍ شبه تام، فنزلت الناس إلى الشوارع تهتف بإسقاط الأحزاب التي سببت التعاسة للشعب اللبناني، ولكن إن نظرنا في عمق الأزمة، نرى أن تلك الأحزاب لا تشبه الأحزاب السياسية الحقيقية التي تعلمناها في الجامعات وقرأنا عنها في الصحف والكتب. فالأحزاب هي نعمةٌ وضرورةٌ في الشأن العام في الفلسفة الديمقراطية التي تعزز روح المشاركة وتهدف إلى تثقيف المجتمع المدني وتحويله إلى مجتمعٍ نخبوي يهدف إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي وترشيد الإنفاق، فالأحزاب في الخارج هي من تحكم وهي من تدير شؤون البلاد والعباد، ففي الولايات المتحدة الأميركية أي نظام الحزبين رغم وجود عدة أحزاب أخرى، فإنها تُحكم من الحزبين إما الحزب الديمقراطي الذي يحكم اليوم بقيادة الرئيس بايدن، إو من قبل الحزب الجمهوري، كذلك الحال في بريطانيا وفي ألمانيا وغيرها من الدول المتطورة في التكنولوجيا وفي الأنظمة الإجتماعية، حيث ينحصر التنافس في من يقدم خدمات ومشاريع تنموية وإصلاحية للبلاد.
ولكن في لبنان فإن الوضع مختلف تمامًا، رغم أنه بلد ديمقراطي برلماني إلا أن الحياة السياسية منعدمة حيث لا معارضة سياسية حقيقية تواجه السلطة، فأصبح لبنان يفتقر إلى أحزابٍ سياسية تعمل في الشأن العام هدفها الأسمى هو تحقيق العدالة الإجتماعية والإنسانية ورفاه وفرص العمل حسب كفاءة الإنسان وليس حسب هويته الطائفية. فإن لبنان يعاني من التصحر في الفكر السياسي الذي يُعتبر طب المجتمع، وهذا التصحر كانت نتيجته الإرهاصات الحاصلة والتخبط، نتيجةً لذلك لا بد من استنهاض الحياة السياسية الحزبية التي سوف يكون دورها الأساسي هو نشر الوعي والثقافة السياسية بعيدًا عن الطائفية البغيضة كي يتم إنشاء جيلٍ يتمتع بالوعي الكافي كي يواجه الأخطار المحدقة التي تهدد لبنان.
منذ فترة وجيزة, بدأ العمل على تفعيل حزب النجادة بعد أن أصبح حاجةً ضروريةً في بيروت ولبنان كي يعود إلى مركزه الوطني والعروبي المحافظ الذي لعبه سابقًا في مرحلةٍ مفصليةٍ من إستقلال لبنان وقد نجح في تلك الفترة، ولا بد من تكرار تلك التجربة مجددًا اليوم، فلقد تم إنتخاب مكتب سياسي ورئيس جديد للحزب هو السيد محمد الفيومي ذو الكف النظيف ومن عائلة بيروتية عريقة ومحافظة، من أجل تفعيل دوره مجددًا، وينكب المكتب السياسي لوضع طرحٍ سياسيٍ يلامس تطلعات الناس في همومها المعيشية وخياراتها السياسية وطبعًا هذا يحتاج إلى وقتٍ وصيرورةٍ من الجهد والعمل بلا هوادة، ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوةٍ صغيرةٍ. وميزة هذا الحزب أنه يتمتع بتاريخٍ ناصع البياض غير ملطخ بالدماء ولا بالفساد إطلاقًا إنما تاريخه مليء بالنضال السياسي الذي حافظ على لبنان وساهم في تحقيق استقلاله.