بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 شباط 2023 12:00ص "النقاء الثوري" يُفرّق التشرينيين في الانتخابات البلدية لبيروت

فجوة مُستقبلية.. وإرباك في خريطة قوى السلطة

حجم الخط

أطلق وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي صافرة البداية للعد العكسي الشائك للانتخابات البلدية في أيار المقبل.

هو لا يستطيع غير ذلك تأكيداً لقدرته على إجرائها من موقعه المؤتمن عليها خاصة وأنه أنجز في الماضي القريب الانتخابات النيابية التي تحدث البعض عن إرجائها. يتخذ هذا التأكيد الطابع السياسي وهنا يكمن القرار وسط حديث عن استعداد أوروبي لتمويل تكاليف العملية الانتخابية البلدية.

في هذه الأثناء يبدو الجميع مترقباً للموضوع من دون عمل جديّ على الساحة باستثناء بعض الحراكات من المجتمع المدني والأهلي، مع حديث عن صعوبة إتفاق قوى السلطة على لائحة واحدة كما حصل في الانتخابات الأخيرة في العام 2016 حين فازت لائحة السلطة، في ظل نظام انتخابي أكثري، على لائحة المعارضة المجتمعة في إطار لائحة "بيروت مدينتي" التي حققت نتيجة لافتة شكلت حينها مفاجأة.

يشير الناشط في المجتمع المدني والخبير الانتخابي مروان الأيوبي، إلى تحديات تمثل أمام هذا الاستحقاق مثل أن جزءاً من القوى السياسية يريد تجنب هذا الاستحقاق الذي يرتدي الطابع العائلي الذي يخلق حساسيات في القرى، خشية حالة الانقسام التي ستحصل في الانتخابات، ومحاولة كل طرف تحصيل مكاسب على حساب الآخر في ظل حديث عن اللامركزية المالية والموسعة ما يفرض حسابات مختلفة.. إضافة الى محاولة البعض عدم تجيير إنجاز لهذه الحكومة منقوصة الصلاحية وانتظار العهد الجديد من رئيس وحكومة.

على أن العامل الأهم هنا بالنسبة الى العاصمة بيروت حيث الناخب السني هو الرئيسي، إذ أن لوائح الشطب تحتفظ بـ 234 الف ناخب سني و80 الف ناخب شيعي و160 ألف ناخب مسيحي، سيكون موقف زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري.

ذلك أن غياب الحريرية يغيّب بدوره المكوّن السني في شكل مباشر ويطرح أسئلة حول ماهية التحالفات ولو كان هناك بعض القوى السنية في العاصمة مثل "الجماعة الإسلامية" و"الأحباش" لكنهما لا تشكلان الكتلة السنية الوازنة، حسب الأيوبي.

خفوت نغمة تقسيم العاصمة

الغلبة السنية النسبية هي التي دفعت الى الحديث عن تقسيم بيروت الناتج عن الخوف المسيحي من التمثيل خشية ضرب العرف واستئثار 24 عضواً مسلماً بالمقاعد، حتى لو لم يقل المتوجسون هذا علناً لكنهم يضجون به في أوساطهم المغلقة. لكن العرف استقر على المناصفة في اعضاء المجلس البلدي وخَفُت الحديث عن التقسيم الذي يحتاج قراراً سياسياً كبيراً كون العاصمة لها رمزية وسيشكل التقسيم اشكالية كبيرة فيها ما أدى الى تراجع هذا الحديث اليوم من دون تراجع اشكالية الخلاف السياسي العميق بين المكونات المسيحية، وطبعا الفجوة السنية.

قبل أشهر جهد المعنيون بالاستحقاق النيابي لحث الناخب السني على التصويت. وأدت دار الفتوى دورا رئيسيا على هذا الصعيد ومعها أطراف من رحم المستقبل وكانت نسبة الإقبال مقبولة سنياً، لكن النسبة العامة تأثرت بانكفاء طوائف أخرى في بيروت الثانية (الغربية بالمصطلح الشعبي منذ الحرب).

يشدد الأيوبي على ثابتة أن نسبة التصويت في بيروت تاريخياً لم تتجاوز 25 إلى 27 في المئة، علماً انها انتخابات لاختيار نحو 110 مختاراً، جزء وازن منهم له خلفية متعاطفة مع المستقبل. "واليوم النسبة ستكون أمام تحدي كبير خاصة وأن نسبة كبيرة من البيارتة تقطن خارج بيروت ولا اهتمام لها ببلدية بعيدة عن نطاقها الجغرافي ولا تؤثر مباشرة في حياتها اليومية".

من هنا لا قوة كبرى قادرة، في ظل استمرار القرار الحريريّ، على سد جزء كبير من الفجوة المستقبلية، رغم تحركات للنائب نبيل بدر مع "الجماعة الإسلامية" وأخرى للرئيس فؤاد السنيورة.. وثمة سؤال حول ماهية تعاطي الأحزاب غير السنية مثل "حزب الله" وحركة "أمل" مع الناخب السني وهل سيخوض الحريري المعركة بالتمويه ومن وراء ستائر معيّنة؟ وكيف سيتحرك قياديو المستقبل مثل أحمد الحريري وأحمد هاشمية ومتى؟

الواقع أن خريطة الأحزاب مربكة لكنها تتواصل مع المكون السني مع التأكيد على صعوبة وحدتها في لائحة واحدة خاصة اذا لم تُحل الأزمة السياسية الحالية ولم يتم التوصل أقله الى انتخاب رئيس للجمهورية..

"بيروت مدينتي" شبح للماضي

على صعيد الحراك المدني، تغيرت أمور كثيرة منذ 2016 حتى اللحظة وحضرت قوى التغيير نتيجة انتفاضة 17 تشرين الأول 2019.

لكن خلافات جوهرية تعيق التحالف في لائحة موحدة في وجه السلطة، وهي تعكس طبيعة الخلاف حول من هو "النقي ثورياً" ومن هو من "مخلفات المنظومة"!

"بيروت مدينتي"، التي تحولت حزباً بعد أن كانت لائحة إنتخابية، باتت شبحاً للماضي وافترق مرشحوها عن رفاقهم في "الثورة" حتى منيت بهزيمة كبيرة، واليوم تجهد للائحة وتطرح الناشطة منى حلاق، لكن الحراكات المدنية غير جديّة سوى بعض الإتصالات بين القوى المعنية وينعكس انقسام نواب التغيير والقوى التغييرية خارج المجلس النيابي، على مساعي الوحدة.

هنا يحضر ائتلاف حالي سبق وجمع نفسه في الانتخابات النيابية من "تحالف وطني" أي النائب بولا يعقوبيان، و"بيروت تقاوم" النائب إبراهيم منيمنة، مع "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" بزعامة واصف الحركة، و"الكتلة الوطنية" وثمة حديث عن "حزب لنا" مع النائب حليمة قعقور، وهناك اتصالات لم تصل الى نتيجة مع "خط أحمر" أي النائب وضاح الصادق..

يؤكد الأيوبي، القيادي في مجموعة "المظلة البيروتية"، أن هؤلاء الأخيرين إستثنوا قوى أساسية في التغيير بحجة تقليديتها وطابعها المحافظ غامزين من كونها ذات ماضي في المنظومة، "بينما يجتمعون مع مجموعات محسوبة على الرئيس فؤاد السنيورة ولو ارتدت الرداء البيروتي". وإذ يشير إلى أن المظلة قررت ترشيح رلى العجوز صيداني ضمن مشروع متكامل توجيهي لمدينة بيروت، يضيف أن البعض يتعامل مع ناخبيه وكأن ولاءهم مضمون على رغم تراجعه شعبياً.

كل ذلك يطرح التناقضات التي تعتري الجميع ولا تقتصر على السلطة، على أن الأيوبي يشير إلى إيجابية في بعض الحراكات البيروتية الأهلية لملء الفراغ الحريريّ وتكمن في بحث الناس عن دور وإطار تفاعلي، لكنها تفتقد إلى هدف محدد، والمطلوب الإتفاق على المواصفات للمرشحين قبل الإنغماس في لعبة الأسماء التي ستحضر كثيرا في الفترة المقبلة.