بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الثاني 2021 12:01ص النقيب ناضر كسبار تاريخ مشرّع على المستقبل

حجم الخط
قلّما جسّد شخص في شخصه هذا التناغم في طباعه وخصاله كإنسان، ومناقبه ومؤهلاته كنقيب للمحامين، كما هو الحال بالنسبة إلى الأستاذ ناضر كسبار، عبر النهج الذي مارسه على مدى سنين طويلة في نقابة المحامين.

أًصالته هذه، وليدة عوامل عدّة، منها ما يمتّ إلى الطبيعة والقدر ومنها ما يتّصل بإرادته. عصاميّ، وفيّ لاقتناعاته ومبادئه وصداقاته، مزدرٍ للدسائس والألاعيب، متسامح دون محاباة، متعصّب لفكرة الدولة والمصلحة العامة، مشدود إلى العيش المشترك والوفاق الصحيح، يؤمن بالله وبالوحدة الوطنية وبعروبة لبنان ورسالته، في إطار محيطه العربي والعالم أجمع.

وما كان إيمانه بالتضامن والعدالة الاجتماعية وواجبات الدولة نحو الطبقات الضعيفة، إلا وجهاً لمفهومه الصحيح للديمقراطية تعزّزه تجربته الشخصية في الحياة ومعاناته.

عقلانيته الفذّة تغذّيها ثقافة فكره وقدرته على الاستدلال، التي ترتوي من إنسانية يعتريها بعض الجنوح نحو ارتيابية علمية الطابع، الأمر الذي كان يدعوه إلى التروي وعدم التسرّع في اتخاذ القرارات.

صاحب ضمير ووجدان وقّادين، كثير التشدّد بمحاسبة نفسه، صريح، مستقل في الرأي ومنفتح، لا يتأثر بالتهديد ولا بالوعيد، يعمل بدون كلل، توّاق أبداً إلى الأفضل، ضنين بكرامته في الحياة الخاصّة والعامة، ذروة في النزاهة واحتقار الإغراءات على أنواعها.

إنه داعية الوحدة الوطنية، لا بل هو عامل من أجلها. مواعظه وخطبه كلّها تصبّ في هذا المنحى. في بلد تعتمل فيه العصبيات الطائفية والمذهبية، يحرص النقيب كسبار على الدعوة إلى الوئام والوحدة الوطنية. فهو النقيب الذي يستقطب محبّة المحامين وولاءهم، وهو صاحب الكلمة المسموعة بينهم، ما يقولُه يلقي بظلاله على مواقفهم، كما على مشاعر المواطنين وتطلّعاتهم. إنه لا يحظى باحترام قومه في مقامه النقابي فحسب، بل يحظى أيضاً من جانب السواد الأعظم من اللبنانيين بالاحترام لموقفه الوطني ورأيه السديد لمعطيات الواقع المحيط بلبنان إقليمياً ودولياً.

وقد كان لموضوعيته وانفتاحه والتزامه خط العدالة في أحكامه على مجريات الحياة العامة في البلاد أصداء على جميع الفئات اللبنانية. فهو في نظر الجميع مصدر الرأي السديد الموزون الذي لا خلفية له سوى المصلحة العامة، والمصلحة العامة في نظره تتلازم وانتظام العلاقات بين الفئات الوطنية والتفاعل البنّاء فيما بينها، وبالتالي الاستقرار العام. 

قدر النقيب ناضر كسبار أنه عايش الأحداث الجسام التي يتعرّض لها لبنان والمنطقة، من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر القادة الأحرار في هذا البلد، إلى ثورات الربيع العربي، وإلى انفجار مرفأ بيروت، فإلى الانهيار الاقتصادي والمالي للبلد، وظلّ يتطلّع بعزيمة الرجال إلى تحييد النقابة عن صراعات الأحزاب، لتكون الأولى الرمز الخالد للسيادة والانعتاق من نير الاستعمار والتطلّع بثقة لا تحدّ إلى فجر الحرية وانبلاجه إذ ادلهمّ الأفق وتطاولت السحب على شمسه المشرقة بعزيمة الرجال.

وحده النقيب كسبار يقول لا، كلمة صارخة مدوّية في وقت يصمت فيه الضعفاء، ويحاولون فلسفة الأمور، ويكون دائماً على حق، لأن النتائج تأتي وفق رؤيته المهنية الشمولية، والوطنية والعروبية، لاسيما أنه يحتفظ بميزات القيادي الواثق من نفسه ومن محبة المحيطين به، وهو ابن محتدّ عريق لعائلة جذورها تضرب في أعماق الأرض اللبنانية والعربية، وتبقى شجرة تقوى على التحديات.

عروبي حتى العظم، لم يجد لبنان خارج إطاره العربي، وفي ذات الوقت لم يقبل ولا لحظة ما، أن يذوب لبنان، بل يرى كيانه شامخاً في جسمه الأكبر. فلبنان بالنسبة إليه لا يمكن أن يكون إلا عربياً، مبتدئاً في حدوده وتاريخه ومنتهياً بإقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب.

هذه المزايا كانت كفيلة بأن ترفعه إلى قمّة العمل النقابي، لاسيما أنّ الأصدقاء والزملاء يفزعون إليه عندما تتعرّض مهنة المحاماة للخطر، بغرض قيادة السفينة التي تتلاعب بها أمواج الغرائز والأهواء والفرقة إلى شاطئ الأمن والطمأنينة ووحدة الموقف والتوجيه بوطنية صادقة وبُعد عن الفردية الذاتية.

صفات النقيب النموذجية، جعلته لي القدوة في المهنة، وبقي نموذجاً لي في العمل الوطني والاجتماعي والإنساني. وعلى مدة من معرفتي بالنقيب، تعمّقت في نفسي مفاهيمه المهنية والوطنية والاجتماعية، ومدى حبّه لبلده، والعمل على أسس العدالة والمساواة، لا فرق بين مواطن وآخر إلا بمقدار ما يقدّمه لنقابته ووطنه. كما أنّ بناء الدولة المدنية القادرة، لا تكتمل عناصرها إلا بوجود أشخاص أمثال النقيب ناضر كسبار يسهرون على المحافظة على المؤسسات الدستورية والأمنية، وبالأخص مؤسسة الجيش، ويسهرون كذلك على القضاء على العوامل التي تحول دون تحقيق ذلك.

من المؤكد بأن النقيب كسبار سيحتل في ذاكرة الوطن والنقابة المكانة التي ترتقي بحضوره المميّز، وجرأته في إعلان مواقفه، خصومةً أو تأييداً، وبالشعارات التي يلخّص بها المراحل والتحوّلات في هذا البلد. مكبّرين فيه التزامه الوطني المترفّع، ومقدّرين حرصه على أن يبقى الإنسان الكبير والقدوة في القيادة الصالحة للرأي العام اللبناني.

حفظ الله النقيب ناضر كسبار ذخراً لوطننا لبنان، وصان فكره زاداً لحياة وطنية خلاقة في بلدنا.


محامٍ وأستاذ جامعي