بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2019 10:01ص الهالويين: هواء الموت الاسود!

حجم الخط
كتب الاب ثاوذورس داود: "عشت طفولة حفر فيها كلام الكبار في ذاكرتي ووجداني صوراً لا تُمحى ألوانها، كُتبت بالذهبي وبألوان الربيع وأيضاً باللون والأسود.
صورٌ جعلتني أفهم أننا وإن كنّا زُرعنا في الأرض إنما لنُثمر في السماء وأنه مهما تهنا في وادي الموت فثمة من يرعانا ويقودنا إلى نصر القيامة والنور الدائم.
كلامٌ وأسماء وقصص أبطال عمالقة ضاق عليهم العالم فنزعوا عنهم ثوبه ورداءه غير ناظرين إلى الوراء.
ومن الكلام المحفوظ في ذاكرتي أسماء أوبئة ضربت أجدادنا وشلّعت أشرعة العائلات ومنها الهواء الأصفر أو الكوليرا الآسيوية الذي سفك بالكثير من أبناء أمتي زمن الحروب ومن الأسماء إسم يسوع المحب حتى الموت والثائر حتى القيامة، وكذلك أسماء أصدقائه ومنهم يوحنا وجاورجيوس وثاوذورس وديمتريوس وكاترينا وبربارة وغيرهم الذين كان لقصصهم الوقع الكبير في تكوين حديقة بيت نفسي.
كبرت عشرين قرناً وليتني لم أكبر، لأني وجدت نفسي تائهاً في فراغ عالم قلّ فيه الأبطال وكثُر فيه المقلّدون وضاعت فيه الهوية الروحية والإنسانية والذاتية، عالم يصرف فيه الإنسان نصف حياته ليكتشف إذا كان ذكراً أم أنثى.
الشهيدة القديسة بربارة وقصّتها كانت ولا تزال درساً لكل من صادق المسيحَ مثلها، نقشت على أبواب قلبي قصة رجولة. شهدت لإيمانها واضطُهدت من أبيها نفسه وتنكّرت وهربت أمامه ليس خوفاً منه لأنه أراد قتلها بل خوفاً عليه من قتلها لأنها وفي عمق ألم الاضطهاد كانت تخاف على هلاكه.
هذا هو جوهر إيمان من آمن بالمسيح، نابس ـ إن اضطررنا ـ وجهاً آخر لنربح الآخر، نلبس وجهاً أقل جمال من وجهنا لنربح الآخرين ووجوههم إلى الحياة ولكننا لا نلبس وجه الموت لنسمح للموت أن يبتلعنا مع الآخر إلى عمق الهاوية.
ماذا جرى للمسيحيين؟ ماذا جرى لنا؟ ما بالنا هجرنا الحياة والنور وصرنا نبحث في قُمامة العالم عن أصدقاء أبناء سوء وظلمة ليأخذوا مكان أبناء النور؟
عن ماذا أتكلم؟
أتكلم عن وباء جديد إسمه هواء الموت الأسود، الطاعون الروحي الأسود الذي يسمّونه الهالوين. هذا الوباء الروحي والنفسي والأخلاقي الذي يصيب الناس بعلّة عار تكريم الشيطان وأعماله وأباطيله. أيليق بمن لَبس المسيحَ والنور َأن يعود ليلبس الموت وأعمال الظلمة؟
ماذا جرى لنا وما هذا الفقر الروحي والأخلاقي لدرجة أننا صرنا عبيداً على أبواب الثقافة الغربية نأخذ منها ما يليق ولا يليق؟ ما هذا التقليد الأعمى وما هذا الخجل بإرثنا وديننا ومسيحنا وتراثنا؟
لقد قيل الكثير بهذا العيد الشيطاني الذي أُسّس أساساً تمجيداً لثقافة الموت واحتقاراً لأعياد المسيحين ولموتاهم وتمجيداً لإبليس وقوته وأباطيله. أيها المسيحيون، الهالوين وبشهادة عُبَّاد الشيطان هو أهم يوم في السنة كلها لتكريم الشيطان، وها أنتم وفِي مشرقنا المبارك تتسابقون لإحتفال به ولتكريم الموت وللإحتفال بسيده ومسببّه.
قد يقول قائل ولماذا هذه المبالغة إنه فقط للتسلية وهنا أسأل وهل تتسلى بأن ترفع مرّة في السنة صورة قاتل أبيك أو أمك أو إبنك أو ابنتك لتحتفل به؟ ما هذا الإستخفاف بالمقدسات؟ نحمل الصليب بأعناقنا ونلبس صورة الموت والدم والسحر وكل رموز الشيطان لنتسلى يوماً في السنة؟
الصادم في الأمر أن كثيراً من الكنائس والمدارس المسيحية يروّجون لهذا العيد بغية مواكبة الزمن الفارغ من كل شيء. أما عادت القديسة بربارة تعنيكم؟ لماذا لا تروجون لتقاليد عيدها وجرأة موتها من أجل المسيح لتكون مثالاً لأولادنا يُحتذى؟
ماذا حل بِنَا وإلى أين نسير؟ بماذا سنجيب الله وقديسينا وآباءنا الذين استُشهدوا ليحفظوا لنا الإيمان وسبل الخلاص والقداسة. لقد أضحينا شعباً لا يقرأ ولا يلتزم. صرنا نخجل بماضينا ونريد طمسه بعد أن فشلنا أن نخلق حاضراً نفخر به وكل ذلك لأننا أضعنا الله واتّبعنا العالم. من يفقد الله يفقد النور ويستوطن الظلمة ومن في الظلمة يتمسك بأي نور ولو كان شيطانياً لأن الشرير وإن مات لا يموت فيه الكبرياء والعظمة والشر.
" هذا وانكم عارفون الوقت، انها الان ساعة لنستيقظ من النوم، فان خلاصنا الان اقرب مما كان حين امنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع اعمال الظلمة ونلبس اسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار.
بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لاجل الشهوات" (رومية ١٣: ١١-١٤ )."