عدم توقيع رئيس الجمهورية على تعديل المرسوم 6433 في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، له علاقة بالحسابات الرئاسية، ذلك أنّ الموافقة الممنوحة لمجلس الوزراء من المفترض أن تُستبدَل بموافقة استثنائية من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء المعنيّين، بسبب طابع المسألة الملّح. فرئيس الجمهورية هو الضامن لحقوق لبنان الإقليمية وموارد الطاقة، وهذه مسألة مرتبطة بالمصلحة الوطنية العليا، ولها تداعيات معنوية وسياسية، كما أنّ القضية مُلِحَّة وحكومة تصريف الأعمال لا تمارس صلاحياتها بعد اعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، وهنالك انقسام دستوري حول مدى إمكانية انعقادها في حالات الطوارئ.
وبالفعل، فقد نصت المادة /49/ من الدستور على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. وهذا يعني أن الدستور قد أوكل إليه الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى، والتي من شأنها أن تؤمّن للوطن ديمومته واستمراريته، وللكيان سلامته ومنعته، وللشعب وحدته وتضامنه، وللبنان استقلاله وسيادته، أي حرية قراره الوطني وسلطة الدولة الكاملة على إقليمها وعلى المتواجدين على أرضها. وهي وظيفة خصَّ بها الدستور رئيس الجمهورية واستثنى سائر السلطات الحكومية من تأدية القسم الدستوري.
ونظراً لأهمية الحفاظ على حقوق لبنان الإقليمية، وأهمية تعديل المرسوم 6433 أعدّت وزيرة الدفاع الوطني نص التعديل مع الخرائط وإحداثيات الخط 29 والأسباب الموجبة لذلك وأرسلته الى رئاسة الحكومة بموجب كتاب رقم 1096/غ ع/و تاريخ 23/3/2021، وبعد اجتماع الوفد المفاوض بتاريخ 8/4/2021 مع رئيس الحكومة حسان دياب بحضور وزيرة الدفاع زينة عكر، وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار ووزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة واطّلاعهم على أهمية التعديل، قرّر رئيس الحكومة والوزراء المعنيين السير بالتعديل واعتماد الخط 29، وبالفعل وقّع وزير الأشغال العامة والنقل بتاريخ 12/4/2021 المرسوم الذي يعدّل المرسوم رقم 6433، وقام بعدها رئيس الحكومة بالطلب من رئاسة الجمهورية الموافقة الاستثنائية لإصداره كباقي المراسيم التي تمّ إصدارها في ظل حكومة تصريف الأعمال، فلماذا أتى الجواب بموجب كتاب من رئاسة الجمهورية يرفض إعطاء الموافقة الاستثنائية بحجة أن هذا التعديل يتطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء.
لا بل إنّ الدستور اللبناني لا ينص على وجود فئة تعرف بالمراسيم العادية بل يكتفي بالقول أن المراسيم التي تتخذ في مجلس الوزراء على رئيس الجمهورية أن يصدرها خلال 15 يوما أو أن يطلب ردّها. كما يكتفي الدستور أحياناً بالإشارة إلى وجود مراسيم يصدرها رئيس الجمهورية من دون حاجة إلى موافقة مجلس الوزراء. وبالتالي، لماذا تثار هذه الإشكالات القانونية حول مدى صلاحية رئيس الجمهورية بتوقيع تعديل المرسوم؟
أضف إلى أنّ الصلاحيات الإجرائية مقسّمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة نفسها. حيث يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابيّة ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، ويصدر مرسوم تسميته منفرداً (مادة 53/2 و3). كما يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة (مادة 4/53). ويصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة (مادة 4/53 ومادة /2/69). ويصدر رئيس الجمهورية مراسيم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة (مادة 5/53). ولرئيس الجمهورية أن يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلّما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة (مادة 12/53). ويتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء. على أنّ بعض المعاهدات لا يمكن إبرامها إلّا بعد موافقة مجلس النواب (مادة 52). كما يرأس رئيس الجمهورية الحفلات الرسمية ويمنح أوسمة الدولة بمرسوم (مادة 53). ويمنح العفو الخاص بمرسوم (مادة 9/53).
كما يجب على رئيس الجمهورية الضامن لحقوق لبنان الإقليمية ألّا يتمسّك بحجج دستورية لم نشهد لها مثيلاً، عندما كان يخالف الرأي الراجح بالفقه ويتمسّك بحقوق مشاركة له لكي يوّقع مرسوم تأليف حكومة الرئيس الحريري، ولذلك عليه أن ينهي الجدل الدستوري ويسارع للتوقيع لكي لا يُعطي الإسرائيلي كامل حقل كاريش وكل ما يريد من حقل قانا والبلوك 72 وكامل المساحة البالغة 1430 كيلومتراً مًربّعاً التي تقع جنوب هذا الخط، واكثر من ذلك كي لا يكون النزاع دائراً داخل المياه اللبنانية في البلوك 8 والبلوك 9 مما يمنع شركات النفط من العمل في هذه البلوكات كما كان الحال عليه مع شركة توتال.
في النهاية، نشير إلى ملاحظة ختامية ألا وهي وجوب السعي لحثّ رئيس الجمهورية على التوقيع على تعديل المرسوم 6433، خصوصاً أنه في حالة تصريف الأعمال، كل المراسيم التي تصدر تكون خاضعة لهذه الطريقة، أي يوقّع المرسوم استثنائياً ويصبح نافذاً، وفي أول جلسة للحكومة الجديدة الأصيلة تُدرج على جدول أعمالها كل هذه المراسيم لإقرارها إقراراً نهائياً، وغالباً لا تتطلّب هذه المراسيم كثيراً من الوقت، لأنها تكون قد أصبحت نافذة.
* محامٍ وأستاذ جامعي