بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آب 2021 12:02ص انصُبُوا المشانق تجنّباً لشريعة الغاب

حجم الخط
بالأمس حصلت حادثةُ قتلٍ ثأريَّةِ الطَّابَع، فَظيعَةٌ من حيث الظُّروفِ التي ارتُكِبَت فيها لكونِها حَصَلت أمامَ مرأى ومسمَعٍ من مئاتِ المَدعوينَ الى حَفلِ زَفاف، في حين كانت فِرقَةٌ راقِصَةٌ تزِفُّ العَريسَين.

ومنذ عشرةِ أيامٍ بالعَدِّ والكَمالِ شَهِدَت العاصِمَةُ بيروت جَريمَةً مُروِّعَةً من أفظَعِ الجَرائم، هَزَّت ضَمائرَ اللبنانيين جَميعا من أقصى الجَنوب إلى أقصى الشَّمال، جَريمةٌ ارتَكبتها عامِلَةُ مَنزلٍ من الجِنسيَّةِ الأثيوبيَّة، بقتلِها لمَخدومَتِها الحاجَّة مَهى حسون «نائب رئيسَةِ جمعيَّةِ الغِنى الخَيريَّة».

جريمةٌ ارتُكِبَت بدَمٍ بارِد، وبأبشَعِ الأساليبِ الإجرامِيَّةِ عُنفا ووحشِيَّة، بدافِعِ السَّرِقَة. قَدِمَت العامِلةُ الأثيوبِيَّةُ الى لبنان في الثاني من شَهر تموز الفائت، وارتَكَبَت جريمتها عن سابِقِ تَصوُّرٍ وتَصميمٍ في العشرين منه، أي بعد مُرورِ أسبوعينِ على قُدومِها إلى لبنان، والذي لم يَسبُق لها ان زارتْهُ أو عَمِلَت فيه سابِقاً أو تَعلَّمَت بعضٍ من كلماتِ اللُّغَةِ المُتداوَلَة فيه.

كيف لعامِلَةِ مَنزلٍ لم يَتسن لها بعدُ التَّعرُّفَ على طَبيعَةِ البَلَدِ أن ترتَكِبَ مِثلُ هذه الجريمَةِ الشَّنعاءَ قبلَ أن تَتَعرَّفَ على مَخدومَيها، وقبلَ أن تَستطيعَ التَّواصُلَ والتَّفاهمَ مع رَبَّةَ المَنزِلِ ولو بكِلماتٍ مَعدوداتٍ لتَعي خَيرَها من شَرَّها، وهي التي صَرَّحت أن مَخدومَيها كانا يُعامِلانِها بالحُسنى.

أغرَّها شيءٌ قليلٌ من المُجوهرات، فبَدت من سلوكيَّاتها وكأنها مُنذُ أن وَطأت قَدماها مَنزِلَ مَخدومَيها ومشاهَدتِها مَصاغَ رَبَّةِ المَنزلِ قد نَسِيَت سَبَب قُدُومِها للعَملِ وبَدأت في التَّفكيرِ بكيفيَّةِ التَّخلُّصِ منها وسَرِقَةِ مَصاغِها.

استقبَلت رَبَّةُ المَنزلِ الحاجَّةُ مهى حسون عامِلةَ المَنزِلِ، التي كان قد أحضَرَها لها مَكتبُ الخَدَمِ الذي تَتعامَلُ معه مُباشَرَةً من أثيوبيا، بكل حَفاوةٍ ووُدٍّ نابِعينَ من تربِيَتِها العائليَّةِ وقناعاتِها الدِّينِيَّةِ وثقافَتِها الإنسانيَّة، وكانت تَشعُرُ بالرِّضى عنها وأعربَت عن ذلك في أكثَرِ من جلسة أمام صَديقاتِها وقبل الغدر بها بيومٍ واحدٍ أمام ذويها معربةً عن ارتياحها لها لكونها بَشوشَةُ الوَجهِ وهنِيَّةُ الميراس، مُعتبرَةً أنها كانت مُصيبَة في اختيارِها عِندَما انتَقت صُورتَها من بين عدَّةِ صُورٍ عُرضت عليها من قِبَلِ صاحِبِ مكتب الخدمِ الذي استقدمها من أثيوبيا مُباشرة للعمل لديها، وكأنَّ القَدَرَ أرادَ لها أن تَختارَ قاتِلتَها.

لم تكن تَدري الحاجَّةُ مهى ما كانت تُضمِرُهُ لها عاملةَ المنزلِ التي اختارتها قبلَ حُلولِ عِيد الأضحى المُبارَكِ وما تَتحَضَّرُ لتَنفيذِهِ ثاني أيّامِ العِيد، بل كانت مُنهَمِكَةً في توزيعِ المُساعداتِ من موادَّ غِذائيَّةٍ ومأكولاتٍ وكِساءٍ لتَوزيعَهُم على الفُقراءِ والمُحتاجين، مع الأضاحي التي كان زوجها يُشرفُ على ذبحِها وتوضيبها تَمهيداً لتَوزيعِها ثاني أيامِ العِيد.

وبعد أن حَضَّرَت للعامِلَةِ الجَديدَة وَجبَةَ عَشائها، دَخلَت الحاجَّةُ مَهى الى غُرفَةِ نومِها مَساءً وأقفَلت باب الغُرفَة كعادتِها، حِفاظا على خصوصيتها واحتِشاماً وفقَ قناعاتِها الدِّينيَّةِ لاعتِقادِها الدِّيني أن جَسَدَ المرءِ له حُرمَةٌ ولا يَجوزُ كَشفُهُ إلَّا أمام المَحارِم، أي الأبوين والأبناءِ بالإضافة إلى الزَّوج.

حوالي السَّاعَةِ الحادِيَةِ عَشرَةَ والنِّصفِ، وبينما كان زوجُ الحاجَّةِ يَستريحُ ليلا في مَنزِلِ والديه، لينتَقِلَ بُعيدَ مُنتَصَفِ الليل الى المَسلخِ في البِقاع ليُشرفَ على ذبحِ الأضاحي من عُجولٍ وخِرفانٍ باكِرا اعتِباراً من السَّاعَةِ الثانيَةِ صَباحا.

حوالي الساعة الرابعة صَباحا لاحظَ الزَّوجُ أن رِسالةً صَوتيَّةً وردتهُ من زوجته الساعة الحاديةَ عشرة والنصفِ تٌبلِّغهُ أن الخادِمَةَ تَتَصَرَّفُ على نَحوٍ مُريب، بحيث ادَّعَت في اليومِ السّابقِ أنه سقطَ من يدها مِنشَفَةٍ تَستعمِلُها لتَنظيفِ الزُّجاجِ أمام واجهةِ المبنى، وأنها منذ قليل أي في اليومِ التالي تزعمُ أنها أسقَطَت هاتفها المحمول من ذاتِ الشُّرفة أمام باحةِ المبنى، وأن ناطور المبنى لم يعثر على أي شيء في باحة المبنى، مُضيفةً أنَّها تَخشى عليها من إيذاءِ نَفسِها أو رَمي نفسِها من على الشَّرفَة، عارِضَةً عليه وجوب العَمَلِ اصطحابِ العاملةِ صَباحِ اليومِ التَّالي الى مَكتَبِ الخدمِ للوقوفِ على حالِها، واستِيضاحِها حَولَ تَصرُّفاتِها المُثيرَةِ للرَّيبَة.

هذه الرِّسالَةُ لم تُثِر استِغرابِ الزَّوج، مُعتبرا أن الأمر لا يعدو عن كونِهِ نابِعٌ عن عَدَمِ قدرةِ العاملةِ على إيضاحِ ما تريد قوله كونَها لا تُحسِنُ اللغَةَ العَرَبِيَّةَ أو الانكليزية، ولكِنَّهُ في صَباحِ اليومِ التالي حاوَلَ الاتَّصالَ مُجدَّداً بزوجَتِهِ هاتِفيَّاً لِعِدَّةِ مَرَّاتٍ الَّا أنَّها لم تُجِب ما دعاهُ للقَلقِ فاتَّصَلَ بناطورِ المَبنى طالِبَاً منه تَكليفَ زوجَتِهِ الصُّعودِ الى مَنزِلِهِ لإبلاغِ زوجتَهُ بضرورةِ الإجابَةِ على الهاتِف، ولكن زَوجَةَ الناطورِ بعد أن صَعَدَت الى الشِّقَّةِ لم تَشعُر بالارتياحِ للخادِمَةِ التي عبَّرت بالإشاراتِ والكَلامِ المُبهُمِ أن رَبَّةَ المَنزِلِ نائمَةٌ وبابَ غُرفَتِها مُقفلٌ ولا تَستطيعُ التَّحدُّثِ إليها، وعادَت الى زَوجَها طالِبَةً منه إبلاغَ صاحِبِ المَنزلِ بضَرورَةِ الحُضورِ الى مَنزِلِهِ لأن تَصرُّفاتِ الخادِمَةِ تَدعو للقلق.

فورَ تبلُّغِهِ هذا الأمرِ توجَّهَ صاحِبُ المَنزِلِ الحاج م.د. مُسرِعاً الى مَنزلِه، وفورَ دُخولِهِ الشِّقَّةَ شاهَدَ العاملةَ تَجلُسُ على كُرسي في مَدخَلِ الشِّقَّةِ وبجانِبِها مُفتاحُ بابِ المَنزِلِ وتتظاهَرَ بالبُكاء، وبمُجرَّدِ دُخولِهِ الى غُرفَةِ النَّومِ شاهَدَ زوجَتَهُ مُمدَّدةً على الأرضِ وهي مُخضَّبَةٌ بالدِّماء. هالَهُ المَنظَرُ فعَادِ للتوِّ الى مَدخلِ المَبنى مُسرِعا طالِبا من النَّاطورِ وزوجَتِهِ وصَديقٍ له كان يصطَحِبُهُ بالصُّعودِ مَعهُ ليروا ما ينبغي القِيامُ به، لإسعافِ زَوجَتِهِ التي لم يكُن يَعلَمُ أنَّها قد فارَقَت الحياةَ قبلَ وصولِهِ إليها.

الخادمَةُ كانت مُتماسِكَةً وكأن شيئا لم يَحصَل، وتتظاهر وكأن الأمرَ لا يعنيها، رَغمَ أن كُلَّ شَيءٍ في غُرفُةِ النَّومِ يوحِي بأن صراعاً حادَّاً وعِراكاً شَديداً حَصَلَ داخِلَ غُرفَةِ النَّوم، ولكن من دون وجودِ أيَّةِ مُؤشِّراتٍ أو دَلائلَ تُشيرُ الى أن شَخصأ غَريبا دَخَلَ الشِّقَّة، ولكن أمراً غَريباً يدعو للتَّساؤلِ: لِمَ لم تُغادِر العامِلَةُ المَنزلَ فورَ ارتِكابِها للجريمَة؟؟؟ وهل كانت بانتِظارِ أحدٍ لِيُقِلَّها الى مَكانٍ آخَر؟ وهل هناك من عاوَنَها على ارتِكابِ الجَريمَة؟ كُلُّها أسئلةٌ تَطرَحُ ذاتَها، وتدعو المُحقِّقَينَ والفضوليين للتَّساؤلِ حَولَ الدَّوافعِ الجُرميَّةِ وكَشفِ أغوارِ الجريمَة. استجوبت الخادمة أمامَ مَندوبٍ عن سَفارة بلادها مستعينين بمُترجِمٍ أحضَرَهُ المَندوبُ وأقرَّت بهدوءٍ وسلاسةٍ وتماسٌكٍ كيف حَضَّرَت للجريمةٍ وكيفَ ارتكبتها بدَمٍ بارِد. وتقولُ المعطياتُ أنها عَمَدَت في اليوم السَّابِقِ لاقترافِ الجريمةِ الى إبلاغِ رَبَّةِ المنزِلِ أنَّها أسقَطَت من على شُرفَةِ المَنزلِ مِنشَفَةً تَستعمِلُها في تنظيفِ زُجاجِ النَّوافِذِ، ولكِنَّها لم تنجحَ في الوصولِ إلى رَبَّةِ المَنزِلِ  لكونها اكتفت بإجابتِها بألاّ تَقلقَ وأنها ستُحضِر لها في اليومِ التالي بدلاً عَنها، وعاوَدَتِ الكَرَّةَ في اليومِ التالي وفي وَقتٍ مُتأخِّرٍ من ليلَةِ ثاني أيَّامِ عيدِ الأضحى زاعِمَةً أنَّها اسقَطَت هذه المرَّةِ هاتِفَها الخلوي، مُلِحَّةً على رَبَّةِ المنزِلِ فتحَ باب الشُّرفةِ والخُروجِ من غُرفَتِها الى الشُّرفَةِ لتُريَها أين سَقَط الهاتِف، ولكِنَّ مَخدومتَها ورغمَ ذلك لم تَستَجِب لها بادِئ الأمرِ، واكتفت بالاتِّصالِ بناطورِ المَبنى طالِبَةً منه البَحثَ عن الهاتِفِ ولكِنَّهُ أجابَها أنَّه لا يوجدُ أيُّ شَيءٍ مرميٍّ من على شُرفَةِ المَنزِل، ويَبدو أن هذا اللَّغطَ دَفَعَ بالحاجَّةِ مَهى للارتيابِ والخَشيَةِ على الخادِمَةِ، وهذا ما يُفسِّرهُ إرسالها رسالةً صوتيّةً لزوجها بهذا الفَحوى، وطلبها أخذ العاملةِ الى مكتبِ الخَدَمِ في صباحِ اليومِ التالي.

استمرَّت الخادِمَةُ مُلِحَّةً على ربَّةِ المَنزِلِ بأنها تَرغَبُ في التَّحدُّثِ إليها الى أن استَجابَت ربَّةُ المنزلِ وفَتَحَت باب غُرفُةِ النَّومِ المؤدي الى الشُّرفَة، وما إن فتَحَتِ البابَ لتُفاجِئها العاملةُ بِضَربَةٍ قويَّةٍ على رأسِها بعَصا المَمسَحَةِ فتَنكَسِرُ، ولكنها كرَّرَتِ الضَّرباتُ على الرأس بما تبقّى من العصا إلى أن سَقَطَت المَغدورةُ أرضاً تَحتَ وطأةِ الضَّرباتِ المُتلاحِقَةِ على الرَّأسِ والتي أفقدتها توازُنها، عِندَها أسرَعَتِ الخادِمَةُ الى المَطبَخِ مُحضِرَةً سِكينين اثنينِ مَتينين ذواتِ قارَبٍ خَشَبِي، حاوَلت رَبَّةُ المَنزِلِ الهُروبَ منها إلَّا انَّها عاجلتها بطعنةٍ بإحدى السِّكينتينِ في عُنقِها أسفَلَ اذنِها اليُسرى حيث الأورِدَةُ والشَّرايينُ التي تُغذِّي الدِّماغ، فأسقَطَتْها أرضا. ولم تَكتَفِ بذلك، إنَّما عَمَدَت الى الإمساكِ بشَاحِنِ الهاتِفِ لتلف شَريطَهُ حولَ عُنُقِ ضَحيَّتَها وتَستمِرَّ بخِناقِها الى أن تأكَّدَت من أنَّها لفَظَت آخِرَ أنفاسِها، لتَّتَفرَّغَ بعدَ ذلك الى جَمعِ المَصاغِ الذي كانت تَضَعَهُ المَغدورَةُ على طاوِلَةٍ صَغيرَةٍ بجانِبِها، وانتِزاعِ ما تبقّى بحَوزتِها كخاتَمِ الزَّواجِ وحَلقاتِ الأُذُن.

وبعد أن أنهَت فِعلتَها أقدَمَت العامِلةُ إلى الاغتِسالِ وغَسلِ ثيابِها التي تلوَّثَت بالدِّماءِ لإزالَةِ آثارِ الدِّماءِ عنها ونشرتْها على حَبلِ الغَسيل لتجفّ، كما عَمدَت الى غَسلِ السِّكينَين، وشَريطِ الكَهرباءِ الذي انقَطَعَ بينَما كانت تَشُدُّهُ على عُنقِ الضَّحِيَّةِ ومن ثمَّ وضَعَتهُ داخِلَ كِيسِ القِمامَةِ الذي وَضَعتهُ أمامَ بابِ الشِّقَّة، ومن ثُمَّ وَضَّبت مَلابِسَها وأمتِعتَها في حَقيبَتِها، ولَفَّت المُصاغَ بفردَةِ جرابٍ وخبَّأتها داخِلَ حِذاءَها تَمهيداً للهَرَب، إلَّا أنَّها كانت تُحاوِلُ العُثورَ على مَزيدٍ من الأموالِ وجَوازِ سَفَرِها. ولكن حِساباتِها لم تكُن دَقيقَةً إذ فوجِئت بعودَةِ رَبِّ المنزِلِ فَجأةً الى المَنزِلِ ليكتَشِفَ جريمَتِها المروعَةِ.

نَسرُدُ هذه القَضِيَّةِ لا لمُجرَّدِ التَّطرُّقِ لحادِثٍ مُؤلِمٍ ومُفجِعٍ لوالديها وزوجِها وشَقيقاتِها الذين فَقَدوا شَقيقا وَحيدا (دكتور فادي) مُنذُ حَوالي العامِ ونُصفِ العامِ بمَرَضٍ عُضالٍ اختَطَفَهُ سِريعاً من بينِ أهلِهِ ومُحِبِّيهِ وأطفالِهِ اليَافِعِين. لتاتي هذه الفاجِعَةُ لتَزيدَ عليهَم جّميعاً غَمَّاً بعدَ غَمٍّ وحُزنا على حُزن.

ما كان لهذا الإجرامِ أن يتَفشَّى لولا شُعورُ المُجرِمينَ وكُلُّ من تُسوِّلُ له نفسُهُ انتِهاكَ الحُرُمات، وإزهاقُ الأرواحِ أن الدَّولَةً اللبنانِيَّةَ غائبَةً عن السَّمَع، ومُتهاوِنَة في التَّصدِّي لمُختلِفِ الظَّواهِرِ الإجرامِيَّة، ولولا مُغالاتُها في التَّساهُلِ مع المُجرِمينَ والمَحكومين والمُبالغَةُ في تَخفيضِ الأحكامِ المَنطوقِ بها وامتِناعُها من دون موجِبٍ عن تَنفيذِ الأحكامِ القاضِيَةِ بالإعدامِ بحَقِّ المُجرمين الخَطِرينَ الصَّادِرَةِ بحقِّهِم.

وكأننا بالمَسؤولين في الدَّولَةِ اللبنانيَّةِ يَسعون الى تكريسِ شُرعَةِ الغاب، بتعطيلِهِم القَوانين الجزائيَّةِ النَّافِذَةِ والعَملِ على خِلافِ روحِيَّتِها ومَقاصِدِ المُشرِّعِ الذي توخَّى تَحقيقَ العدالَةِ ورَدعِ المُجرِمين عن التَّمادي في إجرامِهِم، وثَني من تُسوِّلُ لهم أنفُسَهُم ارتكابَ جرائمَ شَنيعَة.

إننا، وإذ نُشكُرُ قِوى الأمنِ الدَّاخلي على الجُهودِ التي تبذُلُها في كَشفِ الجَرائم، والسُّرعَةِ التي أماطوا اللثامَ عن مُلابساتِ قتلِ المَغدورَةِ الحاجَّةِ مهى حسون، والشُّكرُ موصولٌ للنِّيابَةِ العامَّةِ الاستئنافيَّةِ في بيروت التي أشرفت على إجراءاتِ التَّحقيقِ الذي أُجرِيَ في كُلٍّ من فَصيلَةِ طَريقِ الشَّامِ بمُتابعةٍ من قائد سريَّةِ بيروتِ الاقليميَّةِ الثالِثَةِ وفي مَفرزَةِ بيروتِ القَضائيَّةِ بمُتابعةٍ حثيثةٍ من آمِرِها، والذي سَيتَكَلَّلُ بادِّعاءِ النِّيابَةِ العامَّةِ بموادَّ تتناسَبُ مع طَبيعَةِ الجَريمَةِ والظُّروفِ التي ارتُكِبَت فيها ومُعاناةِ الضَّحِيَّةِ التي تعرَّضت لآلامَ مبرِحةٍ وعانت منا عانتهُ قبل وفاتِها. 

وبناءً لما تقدَّمَ نُؤكِّدُ على أهميَّةِ الإسراعِ في إتمامِ الإجراءاتِ المُهيِّئةِ للمُحاكَمَة، وإحالَةِ المَلفِّ سَريعا الى مَحكمَةِ الجِناياتِ للفَصلِ فيها بأقرَب وَقت، وتنفيذِ الحُكمِ الذي سيَصدُرُ بحَقِّ الجانِيَةِ والتي نتَمَنى أن ينطَقَ بعُقوبَةِ الإعدامِ بحَقِّها وبِما يَتلاءمُ مع فَظاعَةِ ما اقتَرَفَت، وذلك لكي يَشعُرَ ذَوي الضَّحِيَّةِ وعُمومِ الشَّعب اللبناني، أن العدالَةَ غيرَ مُغيَّبَةٍ عن قَصدٍ او إهمال، وليُثبِتَ الجِهازُ القَضائيُّ فعاليَّتَهُ وحُضورَهُ وأنَّهُ على استِعدادٍ دائمٍ للقِيامِ بواجِباتِهِ وأخيراً لنَتفادى عَملِيَّاتِ قَتلٍ ثأريَّةٍ قد تدفَعُ بذَوي الضَحايا لإستيفاءِ حَقِّهِم بالذات بالاقتِصاصِ من المُجرم، كما هو الدَّافِعُ في هذه الجَريمَة.

وإننا كمواطنين لبنانيين لم نعُد نَحتمِلُ إحصاءَ الجَرائمِ الفظيعَة، سَواء بقَتلِ عامِلَةٍ مَنزِلِيَّةٍ لمَخدومَتِها، أو لقَتلٍ بعد اغتِصابٍ لمُجرد إشباعِ نَزوَةٍ أو غَريزَة، أو لمُجرَّدِ سَرقَةٍ تافِهَة كما هو الحالُ في مقتلِ الحاجَّةِ مهى، أو لخِلافٍ على أفضلِيَّة مُرور... من المُعيبِ بحَقِّ البَشَرِيَّةِ جَمعاء، وبِحَقِّ المَسؤولين في دَولتِنا الكريمةِ أن تُستَهِلَ عَمليَّاتِ إراقَةِ دِماءِ الأبرياءِ بعد اليَوم أو تتعامى عن ذلك.

كفى هذا الوَطنِ تَفلُّتاً أمنِيَّا، وكفى الأبرياءِ ظُلماً واستِهتاراً بمَشاعِرِ ذويهِم، وكفى تراخٍ في إحقاقِ الحَقِّ، نعم للإسراعِ في النَّظَرِ بالقضايا الاجرامِيَّةِ الهامَّةِ العالِقَةِ أمام المَراجِعِ القَضائيَّة والبتِّ فيها، نعم لمُحاسَبَةِ المُجرِمين بما يتناسَبُ مع خطورتهم الاجراميَّة، إن التَّراخي في إحقاقِ الحَقِّ لهو انتهاكٌ صارِخٌ لحُقوقِ الضَّحايا بل يَرقي لمَصافِ الانتهاكِ لمَشاعِرِهم، خاصة وأن لا عَدالَةَ حَقيقيَّةً في جَرائمِ القَتل، إذ ليس في هذه الأرضِ من هو قادِرٌ على أن يُعيدَ الحياةَ لمَن زُهقت روحُه.

اللهم اشهَد اني بلّغت..