بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الأول 2022 12:00ص باسيل ثمناً مرجّحاً لانخراط إيران بالطائف!

حجم الخط
المنطقة ما بعد قمم الرياض وخصوصا القمة العربية - الصينية ليست كما قبلها، فقد سال وسيُسال الكثير من الحبر والكلام على ألسنة ساسة المنطقة وخبرائها ومحلليها تجاه هذه القمم التي كشفت عن مكامن عميقة للقوة العربية سياسياً واقتصادياً رغم الجراح الغائرة في الكثير من تضاريسها وأشرطتها الحدودية المشتعلة دماً ودماراً. ليس تفصيلاً البتة انعقاد قمة بين أكبر منتج للنفط وأكبر مستورد له، تلك السلعة التي ارتقت لمستويات الأمن الاستراتيجي بعدما كانت مجرد رقم تجاري واستثماري.
التوقف عند بعض تفاصيل مراسم القمم وشكلياتها، كشفت عن إقتدار السعودية في تجحيظ بعض مكامن القوّة الناعمة. تفاصيل استحضرت شكلياتها طقوس الاحتفاء بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومنها رقصة العرضة، تماماً كما استحضرت برودة الاحتفاء بخلفه جو بايدن وسلام «المباكسة» مع الأمير محمد بن سلمان. ومن هذه التمايزات القوية انخرط المحلّلون في محاولة رسم صورة التحوّلات العميقة التي أكدت بأن العلاقات الاستراتيجية للعرب والسعودية خاصة لم تعد وفق قاعدة الزواج الكاثوليكي مع الولايات المتحدة التي أشبعتهم ابتزازا، بل وفق قاعدة الزواج الإسلامي الذي يبيح تعدّد الزيجات كما عبّر يوماً سعود الفيصل.
تنويع الإقتصادات الخليجية والعربية، معادلة استراتيجية سحرية أطلقت العنان واسعاً لعدم إتكاء العرب على النفط فقط. ومن رحم هذا التنويع الاقتصادي استُولدت فكرة تنويع الشراكات الاقتصادية العالمية التي تستبطن وتستظهر في آن واحد معاً ملامح جدية لشراكات استراتيجية غير مسبوقة مع الصين التي ستدفعها بورصة استثماراتها نحو مصالح العرب بعيداً عن إيران التي حضر تغوّلها ومشاريعها في هزّ وضعضة الأمن والاستقرار للبلاد العربية في غالبية بيانات قمم الرياض، بذات الكيفية التي حضر فيها لبنان وشروط استنقاذه بدءاً من بناء الدولة وتطبيق الطائف وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
قمم الرياض مع الصين، فتحت مجالات النقد واسعاً لعدم الأخذ بوصية زعيم حزب الله في التوجه شرقاً، ما يرجّح أن نصرالله سيُسهب في حديثه المقبل عن صحة توجهاته وايران نحو الشرق. ربما اكتشف نصرالله أن ثمة فرق وفارق كبير بين القاطرة العربية للتوجه شرقاً، وبين القاطرة الايرانية التي تعيش الدول العربية التي تتغوّل فيها إيران وبينها سوريا في ظلام دامس، فتقنين الكهرباء في سوريا مشابه لانقطاعها في لبنان، ما يطرح السؤال قوياً عن سبب عدم استنقاذ إيران لسوريا كهربائياً وطاقوياً تزامناً مع الشتاء وصقيعه.
اللافت في القمة العربية - الصينية توجيه القيادة السعودية الدعوة للبنان للمشاركة في القمة. انها الدعوة المحجوبة في قمم سابقة عن ميشال عون الذي أمضى عهدته الرئاسية محكوماً بعقدة الثأر من اتفاق الطائف وراعيه السعودي خاصة. وقد عبّر عن ذلك مع وريثه غير البيولوجي جبران باسيل مراراً وتكراراً. حيث أنّ الباسيلية تجاوزت العونية في محاولات تمزيق الطائف تارة من باب تطويره وطوراً من باب فشله في حل أزمة النظام، علماً أن الأزمة في لبنان هي أزمة منظومة لا أزمة نظام. هي أزمة منظومة النيترانيوم والفساد والافقار والتغوّل على مؤسّسات الدولة وتقويضها والتجاوز عليها وانفجار مرفأ بيروت ليس آخر تجلياتها، فقد لحقه الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف أعمال، وكله تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين الباسيلية.
آخر أزمات الباسيلية شعورها العميق بالغدر من طرف حزب الله بسبب حضوره جلسة مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي والتي أمّن حزب الله نصابها القانوني الكامل. ولهذا كان الغضب الباسيلي من حزب الله غير مسبوق ولا سيّما أنه اتهم أصحاب «الوعد الصادق» بالكذب والنكث بالعهود. إنها خطيئة باسيل الذي تدرّج في النيل من حزب الله من تجرؤه في محاولة «التنادُد» مع زعيمه حسن نصرالله، الى اتهامه بالكذب والطعن بالظهر، ما تسبّب بغضب مكنون وغير مكبوت من الحزب ضد باسيل الذي استشعر خطيئته فلعق كلامه وسحبه قائلاً إنّه لم يقصد «شخص السيّد نصرالله» بل قصد حزب الله.
ولعلّ باسيل الذي لم ينتخب رئيس البرلمان الشيعي، ولا رئيس الحكومة السنّي، عمل ولم يزل على إحداث شرخ بين حركة أمل وحزب الله، وبين نبيه بري وحسن نصرالله، وبين رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي، وبين مطلق طرفين والشواهد أكثر من أن تعدّ وتحصى ويحاول اليوم بذكاء منقطع النظير تمزيق النسيج بين حزب الله وزعيمه حسن نصرالله، انه الذكاء الذي تجاوز مطلق ذكاء بشري فضلاً عن ذكاء الخوارزميات الصناعية.
صريخ جبران باسيل، ليس منبعه إشاحة حزب الله النظر عنه كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية فقط. بل إن باسيل الذي فقأ عين زعيم حزب الله و«دلق سطل الحليب» في باريس مشبعاً بالإهانات الشخصية بحق الوزير سليمان فرنجية (قرة عين نصرالله الأولى والذي ليس من عادته الطعن في الظهر)، كان يتلصّص على اجتماعات ميقاتي مع ولي العهد السعودي في قمّة الدوحة المونديالية وقمّة شرم الشيخ المناخية وأخيراً في القمّة العربية - الصينية التي حفلت قاعاتها بلقاءات للرئيس ميقاتي مع عدة قادة عرب وتوّجت بلقاء معلن مع ولي العهد السعودي.
ومع استمرار رصد تداعيات قمم الرياض، تتجه الأنظار الى قمّة عمّان الإقليمية التي يرجح أن تشهد إجتماعاً بين ولي العهد السعودي والرئيس الايراني وتُحدث خرقاً إيجابياً في علاقات البلدين وفي ملفات المنطقة الخلافية وبينها لبنان. وستجد إيران نفسها مضطرة للتضحية ببعض أوراقها لتخفيف عزلتها المتزامنة مع الإنتفاضة الايرانية المتصاعدة، وسيكون دعم اتفاق الطائف محل تركيز إيراني مهّد له حزب الله بإعداد ورقة سياسية لتطوير الطائف ويرجح أن يكون هذا التطوير وتلك التضحية وفق عقيدة الصبر الاستراتيجي الإيرانية على حساب باسيل، وقد يعمد حزب الله الى تبنّي نظرية باسيل في التمييز بينه وبين نصرالله، فيتمسّك بالتحالف مع التيار الوطني الحر إنما بدون جبران باسيل الذي حدّد مصيره قتيلاً او سجيناً او منفياً.