واذا كانت كلمة الرئيس المكلف سعد الحريري وصفت بعالية النبرة لوضعها نقاط الاتهامات بالتعطيل على حروف عدم قبول فريق العهد بتكليفه وبالتالي عرقلة كل المساعي التي سعى اليها لتشكيل الحكومة، فان النائب جبران باسيل وان حاول بنبرة هادئة الايحاء ان هدف رسالة عون ليس سحب تكليف الحريري، صال وجال في اكثر من مجال بمهاجمة الرئيس المكلف من خلال وضع عربة التاليف قبل حصان الاصول الدستورية، الا ان جميع الكتل النيابية اكدت ان «الوقت ليس لتفسير او تعديل الدستور ورفض بعضها اي حديث مباشرة او غير مباشرة عن سحب التكليف غير الدستوري، تحدث فريق التيار الحر عن خيارات اخرى قد تذهب الى الاستقالة او حل المجلس».
وبهذا فان رئيس المجلس سحب فتيل التفجير الذي كان متوقعا ومحضرا له، على الاقل داخل القاعة، بانتظار العمل على خرق ثغرة في جدار الازمة، وبعد لقاء لبري مع الحريري بعد الجلسة، ثم لقاء آخر مع باسيل والنائب علي حسن خليل لم يستبعد نهائيا امكانية وجود منطلق ما سيعمل عليه بري، حيث قال خليل «رغم المستويات العالية في الخطاب خلال الجلسة، إلا أن هناك إمكانية للوصول إلى نقطة انطلاق جديدة بشأن عملية التشكيل»، وقال: «لقد ثبتنا الأصول الدستورية والتزام جميع الكتل بها وهذا أمر جيد، والجميع أكد ان هناك رئيس حكومة مكلف عليه مواصلة جهده للخروج بحكومة».
ورداً على سؤال على تأكيد مجلس النواب بقاءه على تكليف الحريري، قال خليل: «بشكل غير مباشر.. نعم».
جلسة المناقشة
ترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري عند الثانية في قصر الأونيسكو، في حضور عدد كبير من النواب، جلسة المناقشة، وقال بري في مستهل الجلسة: «ونحن ما نحن فيه. لا بد من أن ننهض ونفرح بما هو لنا والينا: من نصر لفلسطين بمقاومة غزة هاشم، وقدسها وشيخ جراحها. وذكرى مجيدة لمقاومتنا الذي تجسد عيد تحرير في 25 أيار. فكيف لهذا العلى أن يطفأ في بلد الإشعاع؟ أما آن لهذا اللبنان أن يكون بمستوى أبنائه؟ الوحدة ثم الوحدة أيها الاخوة والا ستذهب ريحنا».
ثم تحدث رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، فرأى أن «الدوافع التي حفزت فخامة رئيس الجمهورية لتوجيه رسالته الى مجلسكم الكريم معروفة. ومعروفة أيضا العوائق التي تؤخر، إن لم نقل تعطل، تشكيل الحكومة. ومعروفة كذلك اتجاهات الضغط الإقليمي والدولي الإيجابية والسلبية التي تؤثر في توفير المناخات المؤاتية أو عكسها، وأوضحت تماما وضعية الكيمياء بين المعنيين، أشخاصا واتجاهات، وتابع: «الاتفاق هو المدخل الضروري اللازم والحصري لتشكيل الحكومة، والاتفاق هنا ليس مجرد شأن أخلاقي نظري، إنه فعل مسؤولية وطنية».
وألقى النائب جميل السيد كلمة اعتبر فيها انه كانت هناك حكومة أو لا، سيكون هناك فشل، وأقترح أن يقوم المجلس خلال شهر بإقرار قانون انتخاب ويحل مجلس النواب نفسه وتدعو الحكومة الحالية الى إجراء انتخابات وأن يبادر فخامة رئيس الجمهورية الى الاستقالة عند انتهاء الانتخابات، وبهذا التسلسل نكون سبقنا الثورة».
كما ألقى أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن كلمة قال فيها: «إننا كلقاء ديمقراطي نرى بأن لا حل للخروج من الأزمة الراهنة إلا بالواقعية، التي تفترض إعادة النقاش الهادئ والموضوعي سريعا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بهدف تشكيل حكومة مهمة متوازنة، بعيدا من أي معادلات قد تقوض أداءها أو تعطل عملها مستقبلا، وهذا يتطلب تسوية وفق صيغة ممكنة ومقبولة، فرئيس الجمهورية باق في موقعه حتى نهاية ولايته والرئيس المكلف مستمر بمهمته إستنادا الى تسميته من قبل أكثرية نيابية واضحة، فلا يجوز البحث في سحب التكليف منه، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتجاوز أحدا».
كذلك النائب أسامة سعد، قال: «القضية سياسية قبل أن تكون دستورية أو قانونية. أدرك موازين القوى وأدرك ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ومع ذلك أتطلع إلى مسار انقاذي انتقالي وطني يدفع به المجلس ويشرف عليه، لو تخصص يا دولة الرئيس جلسات عامة لمناقشة هذه الأفكار وغيرها من الأفكار، لنصل الى توافقات وطنية لنبني دولة مدنية حديثة، غير ذلك فإننا نتدحرج من مآزق الى مآزق أخرى أشد وأدهى».
ورأى النائب جهاد الصمد أن «الدستور لم ينص على صلاحية لتفسير الدستور، أناشد الرئيس الخروج من سياسة النكد والتلطي خلف الصلاحيات وليتحمل كل مسؤول مسؤوليته».
أما رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، فلفت الى أن «تعديل الدستور يحتاج إلى مناخ مختلف، لذا فلنبحث كيفية المحافظة على ما تبقى من المؤسسات التي تنهار»، موضحا أنه «اليوم نعاني من الأكثرية النيابية التي فشلت، وآخر تجلياتها كانت حكومة حسان دياب».
وتساءل: «كيف سنتمكن من الخروج من الوضع الراهن ولم نتعلم شيئا من ثورة 17 تشرين؟ قلنا إننا لا نريد شيئا من الحكومة وبعد 8 أشهر، تبين أنه مع وجود الأكثرية الحاكمة لا خير يرجى».
فقال له بري: اذا شاركتم في الحكومة.
فرد عدوان: «من بجرب المجرب بكون عقلوا مخرب، لا تطلبوا منا إعادة التجربة. الحل اليوم يكون بانتخابات نيابية مبكرة لتغيير الأكثرية الحاكمة وأي حل آخر ليس إلا مضيعة للوقت».
بري : كل شئ ممكن لمصلحة لبنان.
كما تحدث النائب طوني فرنجية، فقال: «لا وقت لتفسير الدستور، وأكثر فريق يدعو إلى ذلك سيكون أكبر الخاسرين. الشعب يجوع، وهم سيأخذوننا من الطائفية الى المذهبية وإلى وزير استقال والى وزير آخر، المهم أن نتحلى بمسؤولية وطنية».
باسيل
ثم تحدث رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فقال إن «الاولوية من كلمته هي حث رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التشكيل، وليس سحب التكليف منه، والهدف هو الاسراع بتشكيل حكومة لتنفيذ اصلاحات، كما لا نقاش على أن رئيس الحكومة المكلف هو الحريري، وهذا الامر سلمنا به منذ البداية، بغض النظر عن موقفنا منه. كما أننا لم تطرح اشكالية ميثاقية عليه بسبب الظروف الاستثنائية».
موضحا أن «الموضوع ليس طائفيا ولا أحد يمكنه أخذه بهذا الاتجاه، بل يمكننا وضعه في خانة الميثاقي الدستوري»، وأكد أن «تأليف الحكومة له منهجية وسيخضع للميثاق، حيث لا يمكن لأحد إقصاء طائفة عن هذه العملية، ولا يمكن لطائفة احتكار تأليف الحكومة. وبمجرد أن رئيس الجمهورية لديه توقيع يضعه على مرسوم التكليف، بالتالي أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وهو ليس موثقا لعملية تشكيل الحكومة ولا مصدرا لمرسومها».
وأشار الى أن «التأليف يخضع أيضا للقواعد والاعراف بتأليف الحكومة، نحن في بلد فيه حقائب مقسمة وهذه معروف أنها تتوزع على الطوائف بالتساوي والعدالة بين المكونات النيابية، وهذا أمر تقليدي معروف ليس وقت التلاعب به، والسقف في تأليف الحكومة يتمثل بالأسماء، ولا يمكن وضعها الا بمعرفة كيفية توزيع الحقائب، والاسماء يتفق عليها عون والحريري أو تقدمها الكتل النيابية، بالمعايير المتفق عليها. ومن حق عون والحريري أن يوافقا أو لا. بعدها يتم إنهاء موضوع الاسماء»، وأشار الى أنه «هكذا تتألف الحكومة، لا يمكن أن نضع الاسم من دون معرفة مذهبه أو من اقترحه. بالتالي أي هروب من اتباع هذه المنهجية هو عدم جدية أو رغبة او هروب من تشكيل الحكومة».
وشدد على أن «رئيس الجمهورية له حق طبيعي بالاطلاع على هذا الموضوع بتفاصيله كافة، ليعرف الكتل المؤيدة لهذه الحكومة. وعندما يقدم الرئيس المكلف لائحة مفصلة، نتمكن من التوجه الجدي نحو التأليف».
ولفت باسيل الى أنه «لا يمكن اتهامنا بالثلث المعطل، وقد قلنا إننا لا نريده، ورئيس الجمهورية قال منذ البداية اننا لا نريد الثلث المعطل في حكومة اختصاصيين»، موضحا «أننا سندعم الحكومة بكل خطوة اصلاحية ولا نعطل التأليف اذ أنه من مصلحتنا تأليف حكومة منتجة، ولا أعلم ما نستطيع فعله أكثر لتشكيل الحكومة».
وختم باسيل: «دستورنا لا يضع المهل، وهذه مشكلة، ويجب تطوير الدستور من هذه الناحية للمحافظة عليه، وتقدمنا ككتل باقتراح تعديل دستوري متوازن ومنطقي لتحديد مهلة تعيين الاستشارات والتأليف بمدة شهر».
وبعد كلمة باسيل، رد فرنجية: «علينا أن نرطب الأجواء، ولكن هناك كلام لا يمكن أن يمر مرور الكرام، معنا نواب يمثلون البقاع وجزين وكسروان وكل المناطق، وكسروان قلب الموارنة، وأنا أمثل زغرتا ولا أحد يربحنا جميلة».
ثم اختتمت الكلمات، بكلمة الرئيس الحريري، وبعد أن انتهى الحريري من إلقاء كلمته، طلب النائب حكمت ديب الكلام بالنظام، مطالبا بـ«شطب كلمة أزلام التي قالها الرئيس الحريري»، فرد بري: «هو لم يسم».
ثم صوت المجلس على الموقف الذي اتخذه، وتلاه الرئيس بري.
الخلاصة: بري يتلو موقف المجلس
بعد انتهاء الكلام، خلصت الجلسة النيابية الى اصدار موقف تلاه الرئيس بري «بعد الاستماع الى رسالة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، وبعد النقاش حولها وفق المادة 145 من النظام الداخلي، اتخذ المجلس النيابي الموقف التالي:
استنادا الى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور ولما لم يرد أي نص دستوري اخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه، وبما أن فخامة رئيس الجمهورية قد قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد اطلاعه رئيس المجلس النيابي اتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة.
وباعتبار أن أي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا بصدده اليوم. ولأن مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح الى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى. ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصا على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصاديا وماليا واجتماعيا تستوجب اعطاء الأولوية لعمل المؤسسات.
يؤكد المجلس ضرورة المضي قدما وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعا الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية»