اختار رئيس مجلس النّواب نبيه برّي التّوقيت الأنسب لتوجيه الدّعوة إلى الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وذلك بعد إقرار الموازنة العامّة وقبل انقضاء الشّهر الأوّل من مهلة الشّهرين الّتي ينصّ عليها الدّستور، وفي أجواء خارجيّة توحي برغبة دوليّة بعدم الذّهاب إلى فراغ رئاسيّ تمهيدًا لإنجاز استحقاقات حسّاسة، ابتداءً من ترسيم الحدود البحريّة مرورًا بالاتّفاق على خطّة نهوض اقتصاديّ بدعم من صندوق النّقد الدّوليّ، وليس انتهاءً بلجم الانهيار الاجتماعيّ الّذي يهدّد بمزيد من موجات الهجرة غير الشّرعيّة باتّجاه أوروبا.
الكرة الآن في ملعب الكتل النّيابيّة والقوى السّياسيّة الّتي تفنّن معظمها بتفصيل المواصفات على قياس التّهرّب من تبنّ يترشيح أحد الأسماء بشكل واضح، لا لشيء سوى لعجز هؤلاء عن تأمين الأصوات الكافية لإيصال مرشّح يتولّى سدّة الرّئاسة.
بضربة «معلّم» وحكمة الصّابر على افتراءات الخصوم الّذين يحاولون الصاق تهمة التّأجيل به، فرض الأستاذ العتيق في السّياسة الوطنيّة على الجميع خلع قفّازاتهم وكشْف أوراقهم، ووضعهم أمام مسؤوليّاتهم ليتبيّن خيطهم الأبيض من خيطهم الأسود من المزايدة!
أمام القوى السّياسيّة أقل من ثمانية وأربعين ساعة لإجراء الاتّصالات اللّازمة وتنسيق المواقف والتّشاور في ما بينها لتجنّب الوقوع في الفراغ وطيّ صفحة الفوضى الدّستوريّة الّتي تهدّد بضياع ما تبقَّى من أسس النّظام، وإذا تصرّف هؤلاء بمسؤوليّة وطنيّة بعيدًا من الحسابات الخارجيّة فإنّ لبنان أمام فرصة لانتخاب رئيس يعيد التّوازن والانتظام العام إلى مؤسّسات الدّولة في لحظة دوليّة تبحث فيها الدّول الكبرى عن حلّ لأزماتها المتفاقمة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، فالسّاحة اللّبنانيّة اليوم ليست ساحة صراع كما السّابق، لانشغال العالم بساحات أكثر خطورة وفاعليّة في رسم التّوازنات الدّوليّة والإقليميّة، وعليه، يمكن استغلال الفرصة ووضع الخطوة الأولى على طريق النّهوض الطّويل.
في المعلومات الأوليّة فإنّ نصاب الجلسة الأولى مؤمّن حكمًا، لاطمئنان جميع القوى بأنّ أحدًا لا يستطيع نيل ثلثيّ أصوات النّواب، وبالتّالي لا خوف من الوقوع في فخّ الاستدراج إلى كمين غير محسوب.
المحكّ على الجلسة الثّانية الّتي قد يفتتحها رئيس المجلس مباشرة بعد فرز الأصوات الجلسة الأولى إذا بقي النّصاب قائمًا، وهنا الاختبار الحقيقيّ لكلّ الدّاعين، علانية، إلى ضرورة انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية الرّئيس ميشال عون في نهاية الشّهر القادم، والّذين يحذّرون من الوقوع في الفراغ للأسباب المعلومة من الانهيار الاقتصاديّ إلى تحلّل مؤسّسات الدّولة والمآسي اليوميّة الّتي يعانيها اللّبنانيّون، فمن سيبقى ومن سيغادر؟
كتلة التّنمية والتّحرير ستحضر كلّ الجلسات ولن تساهم في تطيير أيّ نصاب لأيّ سبب، وكذلك كتلة الوفاء للمقاومة حسب مصدر قريب من الثّنائي، ولكن، ماذا عن دعاة حماية حقوق المسيحيين وصون موقع الرّئاسة الأولى؟
في المعطيات أيضًا، فإنّ حراك السّفير السّعوديّ في لبنان والدّعوة الّتي وجّهتها دار الفتوى للنّوّاب السّنّة تأتي في إطار الإشارة إلى رغبة المملكة العربيّة السّعوديّة ومعها الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا بانتخاب رئيس للجمهوريّة في المهلة الدّستوريّة المحدّدة، وهذا ما عكسه البيان الثّلاثي الصّادر عن الدّول الثّلاث عقب اجتماع ممثّلين عنها لمناقشة الوضع في لبنان على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، حيث أكّدوا على ضرورة إجراء الانتخابات الرّئاسيّة في موعدها بما يتماشى مع الدّستور.
يبقى السّؤال عن هويّة الرّئيس المحتمل، وعن جواب الرئيس نبيه برّي على سؤال النّائبة «بولا يعقوبيان» في الجلسة الأولى لمناقشة الموازنة العامّة عن سبب تأخّره في الدّعوة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة فقال: عندما يحصل توافق، وليس إجماعًا، سأدعو إلى الجلسة!
فهل حصل التّوافق المطلوب لوصول الرّئيس العتيد؟
الجواب الشّافي يوم الخميس المقبل، فلننتظر ونرى!