بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 آذار 2023 12:00ص بعد نجاحه في حل النزاع السعودي - الإيراني.. «التنين الصيني» في الشرق الأوسط

حجم الخط
أعلن يوم الجمعة في 10 آذار الجاري في بكين عن اتفاق برعاية صينية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما خلال شهرين، وهي العلاقات التي قطعت منذ العام 2016 على أثر الاحتجاجات والمظاهرات الإيرانية والهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران بسبب تنفيذ حكم الإعدام في السعودية بالشيخ نمر النمر وهو شيعي سعودي الجنسية ولكنه لم يكن يخفي ولاءه للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولم يغفل الاتفاق الجوانب الاقتصادية، فنص على تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والعلوم بالإضافة إلى الثقافة والرياضة والشباب، الموقّعة في عام 1998.
التوقيع على هذا الاتفاق جاء بعد محادثات غير معلن عنها استمرت أربعة أيام بين وفدين رسميين من البلدين. رأسه عن الجانب السعودي عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني مساعد بن محمد العيبان وعن الجانب الإيراني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الادميرال علي شمخاني من أجل حل المشاكل بين طهران والرياض بشكل نهائي.
وقد فاجأ الإعلان عن هذا الاتفاق من بكين الأوساط العالمية والمحلية التي كانت تتصور أن الأمل بالتفاهم بين البلدين شبه مستحيل كما أوحى بذلك أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.
وقد رحّب الطرفان السعودي والإيراني بهذا الاتفاق وأعربا عن تقديرهما لجهود الصين ودورها في الوصول إلى هذه النتيجة.
هذا النجاح الصيني في عودة التفاهم بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما بعد قطيعة استمرت أكثر من سبع سنوات مؤشّر واضح للدور الهام الذي تولته الصين في إقناع الطرفين بذلك، وقد أثلجت هذه النتيجة قلوب الدول المجاورة التي أنهكتها هذه النزاعات وما يترتب عليها من نتائج مدمرة لطاقات البلدين.
ولم تخفِ الصين اعتزازها بما حصل، حيث قال كبير الديبلوماسيين الصينيين وانغ يي، إن المحادثات الناجحة بين إيران والسعودية في بكين نصر للحوار والسلام.
ولأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط تلعب الصين دورا سياسيا رئيسيا في حل أزمة من أعقد أزمات المنطقة، ويبدو أنّ الصين تخطط منذ أمد طويل للعب دور سياسي في العالم وفي الشرق الأوسط خصوصا، إضافة إلى دورها الاقتصادي من خلال «مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ عام 2013.
أن تقبل المملكة العربية السعودية وساطة صينية، وهي المحسوبة كحليف استراتيجي للولايات المتحدة فهو أمر يدعو للتفكير بعمق حول هذا الأمر.
هل هناك أسباب دعت المملكة العربية السعودية للتوجه شرقا؟ 
يجب الاعتراف أن المملكة العربية السعودية عانت الأمرّين من أميركا في حربها مع حوثيي اليمن. فمع أن الحرب على الحوثيين كانت بتشجيع أميركي لضرب النفوذ الإيراني، فقد فوجئت المملكة العربية السعودية بالموقف الأميركي المتشدد عند إبلاغها أن مدينة الحديدة اليمنية ومرفأها الهام على وشك السقوط بأيدي قوات التحالف، وكان ذلك في بداية عام 2021. وكان الموقف الأميركي الرفض الكلي لاحتلال المدينة مستعملا للتبرير حججا واهية. وهنا أدركت قوات التحاف (السعودية والإمارات) أن ما تريده الولايات المتحدة هو استمرار الحرب في اليمن، وليس الانتصار، والغاية الواضحة استنزاف ثروات البلدين في حرب عبثية. وهنا فضّلت الإمارات سحب قواتها من المعارك. أمّا السعودية وبوساطة عراقية أولا وعمانية ثانيا بدات عقد لقاءات في بغداد ومسقط بين الجانبين الحوثي والسعودي في محاولة للوصول إلى حل وذلك منذ العام 2021 ، ولم يتم التوصل إلى نتيجة إيجابية.
ولكن وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الطامح لأن يجعل من المملكة العربية السعودية دولة نموذجية تنعم بالسلام والاستقرار ويريد هو الآخر وضع حدّ لهذه الحرب، لم يفته الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين، فكانت الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ بتاريخ 7/12/2022  والاستقبال المميّز الذي أحيط به حيث عقدت أثناء هذه الزيارة مع الجانب الصيني ثلاث قمم: قمة صينية - سعودية، وقمة صينية - خليجية، وقمة عربية - صينية، والتي كان لها أطيب الأثر في نفوس الصينيين.
والصين الطامحة للعب دور سياسي في الشرق الأوسط، استغلت هذه الفرصة لترد على تحية ولي العهد السعودي بمثلها وتدخلت بقوة لحل النزاع السعودي - الإيراني بصفتها صديقة للطرفين المتنازعين، فدعت الطرفين الإيراني والسعودي للاجتماع في بكين ودون الإعلان عن ذلك.
وحيث أن العمل مع الصين يتسم بالجدّية وليس بالمناورة، فقد كانت الاجتماعات سرية ومداولاتها كانت تتم داخل قاعة الاجتماعات (حتى لا تفسد الطبخة) إلى أن توصل المجتمعون إلى الاتفاق الذي أعلن عنه، وهو ما يُعد انتصارا هاما للسياسة الصينية فنجحت الصين حيث فشل الآخرون.
من شأن هذا الاتفاق تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط وهي المنطقة التي تشهد توترات أمنية مختلفة، ولكن الأهم هو وضع حد للابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة عن طريق سياسة «فرّق تسد».
فالولايات المتحدة رغم ترحيبها لفظيا بهذا الاتفاق فهي غير سعيدة بنتائجه وستسعى جهدها لتدميره.
وهو أيضا يقطع الأمل الإسرائيلي بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية بل سيوقف التطبيع مع بعض دول الخليج وتصبح اتفاقات «ابراهام» في خبر كان.
لقد نجحت الصين التي تسعى للعب دورها كقطب في الاقتصاد وأصبحت قطبا عالميا في السياسة، ولم يعد العالم بلد القطب الأميركي الواحد، بل أصبحنا في عالم متعدد الأقطاب.
وربما تثبت الصين جدارتها بهذا اللقب إذا ما نجحت في حل أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، من خلال الزيارة التي يقوم بها الزعيم الصيني إلى موسكو.