تستمر المعوقات جاثمة أمام ولادة الحكومة الجديدة وكل المعطيات توحي وتشير الى أن الخلاف في وجهات النظر بين الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا حول الأزمة اللبنانية ما زال جارياً على قدم وساق. فوزير خارجية أميركا مايك بومبيو يصر على أن تشكيل الحكومة أمر مستحيل في ظل وجود وزراء من حزب الله في صفوفها.
أما على الصعيد الفرنسي والمبادرة الفرنسية فإن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان قد قال في 1 أيلول 2020 بأن الوقت غير ملائم الآن للتحدث في موضوع سلاح الحزب لأن قضايا أهم ينتظرها لبنان على أحر من الجمر وبفارغ الصبر كالمساعدات المالية والاصلاحات وخصوصاً عقب انفجار مرفأ بيروت المرعب. من هنا بدأ الصراع بين أميركا وفرنسا إذ أن بومبيو كان قد صرح في 23 تشرين الثاني 2020 قائلاً، إن من يتحدى املاءات أميركا ستنهال العقوبات عليه.
ومن ناحية أخرى فإن جل ما تمكنت باريس من فعله هو اقناع الرئيس سعد الحريري لكي يتنازل عن وزارة المال للثنائي الشيعي، وكل ذلك في ظل استمرار الرئيس عون بمطلب الحصول على الثلث المعطل مع أن هذا المطلب منافٍ لأحكام الدستور اللبناني الذي ولد في تشرين الثاني عام 1989.
وبالمناسبة فإن الخلاف في وجهات النظر بين واشنطن وباريس تحدث عنه استاذ العلاقات الدولية في بيروت وباريس كريم بيطار لوكالة فرانس بريس إذ قال يميل نهج فرنسا إلى ان يكون اكثر واقعية من رؤية واشنطن للأمور على الساحة اللبنانية، ففرنسا وحسب بيطار تقر وتعترف بتوازن القوى بمعنى أن حزب الله هو مكون أساسي من المكونات السياسية اللبنانية وله حاضنة شعبية واسعة شيعياً، بينما تميل أمريكا إلى رغبتها في حذفه سياسياً وعسكرياً من المعادلة من هذا الرقم الصعب.
إن كل ما يعتري الساحة اللبنانية من صراعات دولية وانهيارات معيشية واقتصادية تزامن مع قول لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بتاريخ 18 تشرين الأول 2020 مفاده أن اجتثاث حزب الله وايران من سوريا لن يكون ممكناً من دون انهاء حكم الرئيس بشار الأسد. ويبدو أن الغارات الاسرائيلية المستمرة ضد المواقع الايرانية والسورية في آن معاً على الأراضي السورية تصب في هذا الاتجاه وهذه الغاية، وقد ذكر مقال نشره المعهد أن حزب الله وايران وحلفائهما سيتمتعان بقدرة مطلقة على الوصول إلى الأسلحة المتوفرة طالما أن الأسد موجود في سدة الرئاسة. ورغم أن الضربات الاسرائيلية على سوريا لم تحقق كل أهدافها إلا أن كثافتها تشير بوضوح إلى أن ايران لم تتخلَّ عن محاولاتها شحن الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
لذا فإن تشكيل حكومة تضم كل المكونات السياسية اللبنانية بما فيها ممثلين عن المجتمع المدني أمر في غاية الأهمية وخصوصاً في ظل موت الطبقة الوسطى في لبنان كما أشارت مجلة فورين بوليسي الأميركية والتي أكملت قائلةً تكمن الكارثة أيضاً بانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 60% وعلى وجه التحديد جراء وباء كورونا ما تسبب باغلاق مؤسسات تجارية وتسريح عمال بشكل جماعي مرعب.
إن كل هذه الأحداث والتطورات الدراماتيكية جعلت البنك الدولي يدعو إلى بناء حكومة تكون من أولوياتها وضع برنامج اصلاح شامل بأسرع وقت ممكن. ولكي يكون ختام المقال مسكاً أحيلكم إلى ما قاله خبراء المان بتاريخ 12 آب 2020، إن الغاء الطائفية السياسية هو شرط لاصلاح جذري في لبنان، وقد ذكرت صحيفة تاغستسايونغ اليسارية بتاريخ 9 آب 2020 عبر الكاتبة والخبيرة في الشؤون السياسية بوليا نويمن أن انتخابات جديدة وبرلمان جديد في لبنان زاخر ومفعم بنواب جدد أمر غير كافٍ لأن ذلك لا يعني سوى استمرار النظام المذهبي والطائفي في لبنان، فالمطلوب عدم اقحام الدين والطائفية في العمل السياسي اللبناني، انتهى كلام نويمان.
من هنا فإن الدعوة تبقى موجهة إلى الأحزاب المسيحية الثلاث التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، لاطلاق سراح المادة 95 من الدستور من سجنها الكائن في أسطر داخل صفحة من صفحاته عبر التصويت في البرلمان باقرارها وتشكيل الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس للشيوخ لحفظ حقوق الطوائف واجراء انتخابات تعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية ضمن القيد الطائفي في البدء وخارجه عقب الغاء تلك الطائفية ولو بعد حين ، ومنح المرأة الحق في الجنسية لأولادها وبناء الدولة المدنية.
أما الدعوة إلى اعتماد العلمنة الشاملة فهو مطلب محق وفي منتهى الصواب، لكن بلداً كلبنان تحكمه المحاصصات الطائفية لا يمكن أن يخرج من حكمها له مباشرة إلى الدولة العلمانية من دون المرور بالدولة المدنية، لأن الأجيال اللبنانية ارتشفت الحليب الطائفي منذ سن رضاعتها الجيل تلو الجيل، لذا فإن الانتقال بالتدريج من شيء إلى شيء أمر واجب احترامه.
وبالمناسبة، مبروك للنادي العلماني الذي حقق انتصاراً رائعاً في الجامعة اليسوعية على أمل تحقيق المزيد في المستقبل.