بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آذار 2020 08:04ص بويز: الخليج لن يقبل بـ «حيادنا» في صراعه مع إيران

تحدث لـ«اللواء» عن حراجة موقف لبنان إقليمياً ودولياً

الوزير السابق فارس بويز الوزير السابق فارس بويز
حجم الخط
في حديثه عن واقع لبنان والمنطقة، يبدو الوزير والنائب الأسبق فارس بويز هو نفسه ذلك الرجل الممارس لمهامه الرسمية في التسعينيات، سوى في خروجه أحياناً عن النص ليروي دعابة هنا أو ليستذكر حادثة هناك، يضفي من خلالها سخرية مريرة على وضع صعب لا يستثني أحداً محلياً وخارجياً.

تولى الرجل مسؤولية كبيرة على رأس وزارة الخارجية في مرحلة إعادة بناء داخلية بعد إقرار إتفاق الطائف، تزامنت مع صياغة جديدة للواقع الدولي والإقليمي كان لبنان معنيا أساسياً بها.

وكان اللقاء معه حول شؤون لبنان والمنطقة، ففي السنوات الأخيرة تنازعت البلد وجهتا نظر حول تموضعه في أزمات المنطقة وحروبها. أولى تقليدية تدعو الى تصدي لبنان لمهامه الوطنية والقومية في إطار الصراع مع العدو الاسرائيلي، وأخرى مستجدة نوعا ما وتطالب بتحييد لبنان عن الصراعات أو الحياد عنها، من دون أن تعني تلك المتعلقة بمواجهة العدو.

ثمة سؤال كبير على هذا الصعيد يرافقه سؤال آخر حول قدرة لبنان على استعادة علاقاته العربية وما عليه فعله في الوقت الذي تخطو فيه الحكومة خطوات حثيثة لقبولها عربياً وخليجياً.

الإنتماء الطائفي يجلب الحروب

يبدأ بويز بشرح معنى «الحياد وهو في الأصل يقترب كثيرا من المفهوم السويسري، ويعني أن يتجنب لبنان الدخول طرفا أو مؤيدا في أي صراع دولي أم اقليمي، وهذه فكرة جميلة جدا ورومانسية، لكنها شبه مستحيلة».

لم يشكل الشعب اللبناني وحدة وطنية حقيقية، ولم يكوّن انتماء وطنيا بمعزل عن انتمائه الطائفي أو المذهبي، ولذلك كان لبنان دوما مكوّن من انتماء فردي عائلي مذهبي طوائفي مناطقي.

ويضيف: كانت كل طائفة من خلال ثقافتها تميل نحو البلد الذي يوجد فيه ثقل هذه الطائفة. تاريخيا كان السنة يميلون دوما حسب موازين القوى، الى القاهرة كأكبر عاصمة سنية في المنطقة أو الى المملكة العربية السعودية حسب الظرف أو حتى الى سوريا عندما يكون الحكم في سوريا سنياً.

وكان الشيعة يميلون دوما إما الى طهران أو بغداد حسب واقع النفوذ لكل من هاتين العاصمتين. والموارنة يميلون، ولو أنهم أكثر «استقلالية وسيادية» من غيرهم نحو فرنسا، حتى أن الروم الأرثوذكس كانوا ينحون في اتجاه روسيا أو اليونان. كما أن الدروز كانوا يحتارون ولم يكن لديهم رابطا ثابتا فهم كانوا أحيانا مع الانكليز ومع القوة النافذة في المنطقة.

وبينما يشبّه بويز لبنان بسويسرا من حيث التعددية «إلا أننا لم نسمع زعيما سويسريا جرمانيا أي ألمانيا، ذهب الى ألمانيا مثلا ليأتي بمال أو سلاح أو حتى ليتباحث مع زعماء ألمان بالوضع في سويسرا، والأمر نفسه بالنسبة الى زعماء بلجيكا أيضا».

أما في لبنان، «فقد حولنا العلاقة الثقافية الروحية الى علاقة سياسية ومالية أمنية وأصبحت بعض طوائف لبنان ممسوكة مطلقا من قبل الدول الخارجية، الى حد انه كلما دب صراع بين الدول انعكس داخل لبنان حيث لا يخجل اللبناني أن يعيد انتماءه الى الخارج، بل بلور فلسفة تعذُر ذلك كون له علاقات خارجية، بينما في الخارج يصفون ذلك بالخيانة».

ويستذكر موقفا طريفا حدث معه خلال توليه مسؤوليته في الوزارة. «في أحد الأيام، كنت على موعد مع السيدة فيريرو رئيسة حكومة ووزيرة خارجية النمسا. فوجئت باكرا باتصالات عديدة من أصدقاء يسألون عن صحتي ويريدون الإطمئنان، فاستغربت وتساءلت أمام أحد السفراء القدامى المخضرمين عن ذلك، فرد ضاحكا: ألم تلاحظ بأن كل الذين اتصلوا هم من طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، والنمسا كانت الحامية تاريخيا لهذه الطائفة خلال قرون خلت؟ هم يريدون تذكيرك بوجودهم لدعوتهم الى العشاء معها!».

يبدي بويز ملاحظة ثانية حول الموضوع: «كل حروبنا تقريبا كانت تحصل في ظل صراعات اقليمية أو دولية». يتابع: في العام 1860، ليس صحيحا أن الحرب كانت بين العقيدتين الدرزية والمسيحية، بل حدثت بين العثمانيين والحلفاء الأوروبيين. كما أن ثورة العام 1958 لم تكن نزاعا مسيحيا مسلما، ولكن الصراع الحقيقي كان بين دعاة حلف بغداد الأميركي والقومية العربية والناصرية ومؤيديها. وفي العام 1975، اندلعت الحرب اللبنانية ليس عبر خلاف طائفي، والبرهان انها لم تنته بتغييرات جذرية في تكوين الطوائف، حتو ولو جاء اتفاق الطائف ليعدل بين الموازين، ولكنه شكل تكملة للموضوع أمام الصراع الحقيقي الذي بدأ بين مؤيدي القضية الفلسطينية ولو على حساب سيادة لبنان، وبين رافضي هذا الامر ممن ذهبوا حتى أبعد من الغرب وهناك من رأى أن التعاون مع اسرائيل ليس عيبا.

يضيف: «المطلوب اليوم أحزابا غير طائفية كما كان الحال مع الكتلتين الدستورية والوطنية في الماضي البعيد، وليس أحزابا طائفية. ويجب أن يشمل التغيير نواح أخرى مثل إدارات الدولة حيث التحاصص الطائفي وحيث باتت كل وزارة حكرا على طائفة. ونحن في حاجة الى إعلام غير ملتزم مرجعياته وقد بات من الصعوبة بمكان إيجاد وسيلة إعلامية غير ملتزمة مرجعية خارجية. كما بات ضرورياً التوصل الى إلغاء السرية المصرفية عن الجميع وليس فقط السياسيين ليعلم الناس كيفية تمويلهم».

وهو يخلص هنا الى أنه بات ضروريا التوصل الى قانون مدني في لبنان على أن «تُفصل الدولة جذريا عن الطوائف».

نحن والعرب

«الساحة اللبنانية محرجة بين انتمائها العربي والتواصل مع معظم الدول العربية في هذا الموقع من جهة، وانتماء بعض طوائفها الى إيران أو الى محور إيران، ولبنان يعيش على وتيرة هذا الصراع ولذلك يعلو الصوت لطرح قضية تحييد لبنان أو فعل الحياد».

ويسأل وزير الخارجية الأسبق بجديّة: هل العرب في خانة واحدة لكي يهرب لبنان من سياسة معينة ويحتمي بالعروبة؟ هم منقسمون وهناك خيارات عديدة لديهم وثمة دول على علاقة صداقة مع إيران. وهل يستطيع لبنان أن يتخذ موقفا بين الغرب المتحكم بإقتصاد البلاد وتجويع الناس، والشرق المتحكم بأمن البلاد ووحدتها؟ الواقع أن لبنان واقع بين مطرقة أميركا والدول الخليجية التي تضغط على اقتصاده، وسندان الضغط الإيراني على أمنه واقتصاده.

الحكومة والخليج

يرى بويز أن الدولة اللبنانية تعتبر نفسها ملتزمة بـ»حزب الله» من أعلى هرم الى ادناه، وترى أن الحزب هو حامي لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية فيما الحزب يعتبر نفسه مرتبطا كليا بإيران وبولاية الفقيه. ولبنان مُطالب من قبل دول الخليج التي دخلت في صراع حقيقي مع إيران في اليمن والعراق وسوريا وفي الخليج عامة، بالاصطفاف الكلي معها ولا تتقبل نصف حلول. لذلك فإن لبنان بين شاقوفين، الويل للبنان إن وقف في وجه إيران ما يهدد وحدته وأمنه، والويل له إن وقف في وجه الخليج ما يهدد اقتصاده.

ويحذر من تهدد مصير لبنان بالإفلاس الكلي والمجاعة والإنهيار، في الوقت الذي «اخترعت فيه الدولة اللبنانية موقفا إسمه النأي بالنفس ولم تنفذه ولم يلتزم الافرقاء بهذا المبدأ، لذا فإن هذه النظرية وهي أقل بدرجة من الحياد، لم تنفذ، فكيف بموضوع الحياد؟».

ويلفت الى أنه في الظرف الحالي، فإن حراجة لبنان تنبع من أن «كلمة الحياد ستعني لدول الخليج اننا نضعها في ذات مستوى ايران، وهو ما لا تقبله كونها تعتبر أنها تعكس العروبة اليوم، أما تأييدها في شكل مطلق ومعاداة ايران، فستصنفها قوى موالية لإيران بالخيانة العظمى لمن دعمنا في وجه إسرائيل واستسلاما في وجه المخطط الاميركي الاسرائيلي».

وسيكون على لبنان إنتظار جلاء الأمور الاقليمية والدولية، والعلاقة بين إيران وأميركا والمفاوضات السعودية الإيرانية، ومن ثم الانتخابات الأميركية وما بعدها، ما قد يفتح الباب أمام حرب إقليمية أو تفاهم بديل عن ما كان يسمى بالتفاهم النووي.

لا قرار بالحرب.. حتى الآن

لا يمكن ختم الحديث مع من انغمس في مراحل هامة من التاريخ اللبناني الحديث وخبر صراعاته والهيمنة الخارجية عليه، من دون رح السؤال حول إمكانية الحرب في المنطقة.

«لا شك أن قرار الحرب لم يتخذ بعد من قبل إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل، والجميع يضرب مئة حساب لقرار كبير وخطير بهذا الشكل. أميركا تدرك بأن حربها مع إيران قد تدمر مصالحها وقواعدها والانظمة الحليفة لها والاقتصاد في المنطقة وتعرقل طريق النفط من الخليج. وإسرائيل تدرك بأنها، ولو كانت بالمطلق متفوقة عسكريا، إلا انها ليست بمنأى عن الصواريخ التي يملكها حزب الله الذي يستطيع إلحاق أضرارا جسيمة وخسائر هائلة بها. وحتى إيران تعلم بأن الولايات المتحدة قوة عسكرية كبرى وأسطولها في الخليج يستطيع الوصول الى كل زاوية في إيران».

يضيف: كل عناصر الحرب متوفرة، فالصراع السياسي موجود مثل السباق العسكري الذي شمل حتى دول الخليج، والأمر نفسه على المستوى الاقتصادي، كما عبر الحروب الخفية حول الغاز أي ال Pipe Lines، ولا ننسى حرب الدولار بين روسيا التي تدعو الى استبداله وأميركا المصرة عليه..».

ويستشهد بقول لـ»بسمارك» بأنه «عندما تنتشر الأساطيل تكون الحرب قد بدأت، فكيف مع كل هذه الأسلحة الفتاكة بين الخليج والحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط؟».

ويختم بتسجيل ملاحظة هنا بأن «معظم الحروب لم تبدأ يوما بقرار سياسي، لكن عبر تحضيرات معينة مهدت لها حوادث، عرضية أحيانا، فجّرت الحرب بعد أن نضجت مكوناتها».