بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2021 12:02ص بين الطاقة المُستدانَة والتنمية المستدامَة

حجم الخط
يعتمد لبنان بشكل كبير على استيراد المشتقات النفطية التي تمثل 95 بالمئة من حاجاته من الطاقة، في انتظار استكشاف حجم مخزون حقول الغاز (والنفط) المحتَمَلة في منطقته الاقتصادية البحرية الخالصة، كما تظل الإمكانات في مصادر الطاقة المتجددة محدودة، خصوصا الطاقة الكهرومائية التي توفرها حالياً معامل الليطاني بطاقتها الدنيا بسبب العجز عن صيانتها، والطاقة الشمسية التي لا تزال حديثة العهد، كما لا يزال إنتاج الطاقة عبر الرياح ضمن الخطط المستقبلية، على الرغم من وجود إجازة إنتاج لها في سهول عكار، أسير العقبات والكيديات السياسية التي تعيق الإستفادة منه، بالرغم من إمكاناته الواعدة.

يبقى قطاع الكهرباء بكل مصادره، العامود الفقري للاقتصاد الوطني ككل، ولكن الواقع الذي وصل إليه هذا القطاع في الـ 15 سنة الأخيرة شَكّل عقبة أمام الخروج من عجز الخزينة المتراكم، أو في الحصول على مساعدات أو قروض مالية ميسّرة سواء من صندوق النقد الدولي أو من الدول المانحة أو المؤسسات التمويلية الأخرى، فالسيرة الذاتية «المظلمة» لإدارة هذا القطاع لا توحي بالثقة بملائتها المالية وشفافيتها المالية وحوكمتها، سواء من القيّمين على مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة كونهما مساحة للزبائنية ومصدراً للانتفاع والصفقات غير المشروعة، والبعيدة عن منطق التنمية وتفعيل دورة الاقتصاد، وكلها عوامل جعلت من طغيان عناصر الضعف والترهل والمديونية الصفة الوحيدة دائمة الحضور، خاصة إذا ما علمنا ان جميع مؤسسات إنتاج الكهرباء في دول العالم هي مؤسسات ربحية، كونها استثمارية وتعمل وفق أسس إدارية وقوانين مرنة وواضحة تشرف عليها هيئات ناظمة مستقلة تسمح باتخاذ القرارات التحديثية والتطويرية بعيدا عن البيروقراطية المعروفة، وهذا المسار على أهميته جرى تهميشه في لبنان من قبل الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة خلال السنوات الماضية لأسباب معروفة.

معلوم أن العجز في الكهرباء حتى نهاية 2020 بلغ 44.3 مليار دولار، بعد أن كان قد سجل عجزاً متتالياً في السنوات السابقة حتى العام 2010 بلغ 13 ملياراً، في حين انه خلال وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 كان عجز مؤسسة كهرباء لبنان تراكمياً وبلغ 1.2 مليار دولار.

نتيجة هذا الواقع تسببت مؤسسة كهرباء لبنان بعجز سنوي في الموازنة العامة بلغت بنسبته 50 بالمئة، وتسببت بما نسبته 40 بالمئة من حجم الدين العام!?! والسؤال الذي يطرح من تَسَببَ بهذا الوضع الكارثي، ولمصلحة من، وهل من سبيل للخروج منه؟

فالمؤسسة لم تعالج مكامن الضعف والهدر الموزعة بين قسم الإنتاج وقسم التوزيع، فقسم الإنتاج بلغت نسبة الهدر فيه 50 بالمئة بفعل اعتماد المعامل على الفيول وليس على الغاز كما سبق أن أقرّ منذ العام 2000، مضافاً إليها هدر كبير بسبب ارتفاع كلفة صيانة معامل الانتاج المتهالكة أصلاً. أما في قسم التوزيع، فإن 40 بالمئة من الكهرباء الموزعة، تذهب هدرا بسبب التعدي على الشبكة وعدم تركيب عدادات ذكية لمصلحة المافيات المهيمنة على هذا القطاع سواء وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء وأصحاب المولدات الخاصة الذين عطّلوا هذه الخطوة لمصالح شتى.

تكمن أصل المشكلة في أداء ونهج وزراء الطاقة المتعاقبين، سواء في الصفقات غير المشروعة في سبيل الانتفاع المصلحي التحاصصي الطائفي، بديلاً عن موجبات حاجات التنمية، بالإضافة إلى مشاريع السدود الفضائحية والكارثية، وكلّه يدفع للشك والتساؤل حول عدم تحرك النيابة العامة المالية تجاه الكثير من المشاريع التي نفذّت في غالبها بالتراضي وغياب فاضح لأصول الرقابة الحكومية على أعمال التنفيذ، وهذا ما دفع مؤخراً البنك الدولي في 5 أيلول 2020 إلى تعليق مدفوعات القرض المخصص لمشروع سد بسري بسبب عدم الشفافية وبعد الكثير من التحركات المدنية والاحتجاجات الأهلية والبيئية، ما يعني إلغاء المشروع خاصة بعد اكتشاف عدم وجود دراسات لأثر المشروع على ايكولوجية المنطقة.

يواجه العالم اليوم تحدّياً في موجبات خلق التوازن بين التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة نظراً لما لإنتاج الطاقة التقليدية من تداعيات سلبية سواء من ناحية عدم تجدّد مواردها، أو ما ينتج عنها من ملوثات ضارة بالبيئة وعلى صحة الإنسان ومستقبل البشرية جمعاء، وعليه، يتجه العالم بخطى سريعة إلى اللجوء للطاقات البديلة والمتجددة التي تحافظ على البيئة والتي أصبحت تهدّد جدّيا التوازنات الايكولوجية على كوكب الأرض، مما سيؤثر حتماً على طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة والتعاملات المختلفة سواء الاقتصادية أو التجارية، فالطاقة البديلة والمتجددة تساعد على مواجهة الاختلالات البيئية وأثرها على التغيّر المناخي وبالتالي في تحقيق التنمية المستدامة.

وعليه أيضاً، إن من مرتكزات التنمية المطلوبة في لبنان النهوض بالقطاعات الإنتاجية المتخصصة والنوعية غير التقليدية باعتبارها قيمة مضافة قطاعياً وموائمتها مع الثورة التكنولوجية لأخذ موقعها في الناتج المحلي، هكذا تكون الخطوات الإنقاذية للنهوض بقطاع الطاقة والإنطلاق في مسار التنمية مطلوبة بإلحاح، من خلال وضع خطة للنهوض الإنمائي الشامل على مساحة الجغرافية اللبنانية، يكون محورها النهوض بالطاقة المرتكزة على الطاقة المتجددة والبديلة، بعيدا عن المحاصصة وتحت إشراف وتنفيذ الدول المانحة.

في أزمنة الطموح للتغيير، يجب تأمين عوامل نجاح هكذا خطة في لبنان من خلال تحقيق ثورة تشريعية عاجلة تقدم الحوافز تحت إشراف الدول المانحة للانتقال المتدرج والمقونن إلى استخدام الطاقة البديلة في كافة الميادين، والإشراف المباشر على إعادة هيكلة وتحديث مؤسسة كهرباء لبنان عبر إخراجها من هيمنة وتأثيرات الاطراف السياسية لتعود إحدى المؤسسات الربحية الناجحة والمساهِمة في تغذية الموارد المالية للدولة.



* خبيرة في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية